امتحان فى غزة - فهمي هويدي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 3:15 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

امتحان فى غزة

نشر فى : الثلاثاء 17 فبراير 2009 - 5:45 م | آخر تحديث : الثلاثاء 10 مارس 2009 - 6:43 م

 العنوان أعلاه ليس من عندى، لكنه تصدّر ورقة امتحان يناير لطلاب الهندسة الميكانيكية (السنة الأولى) الذىن يدرسون بجامعة القاهرة. تضمنت الورقة ستة أسئلة جرى التقديم لها على النحو التالى: غزة فى هذا الامتحان هى البوابة الشرقية لمصر فى درس الجغرافيا. وهى جزء من درسنا فى التاريخ. وهى بؤرة الصراع العربى ــ الإسرائيلى فى موسوعة المسيرى، وهى المشكلة المعقدة عندما نتحدث عن تحليل المشكلات. وهى قرار يصدره مجلس الأمن.

وغزة هى درسنا فى الحب، ودرسنا فى الكرة، ودرسنا فى الأدب، وغزة ــ بعيدا عنكم وعن امتحانكم ــ تحترق.

بعد المقدمة جاءت أسئلة الامتحان على النحو التالى:

١ــ اشرح الخلفية الجغرافية لغزة موقعا وحدودا، ناقش علاقة غزة بالأبعاد الأربعة لجغرافية مصر كما رآها جمال حمدان.

٢ــ ناقش ما يحدث الآن فى غزة على ضوء رؤية جمال حمدان لمراحل التطور التاريخى لمصر صعودا وهبوطا.

٣ــ اشرح خصائص الصراع العربى ــ الإسرائيلى وفقا لرؤية عبدالوهاب المسيرى، ناقش إشكالية وتعريف الصهيونية، اشرح المضمون الصهيونى لما تمارسه إسرائيل الآن من حرب فى غزة.

٤ــ تناول ما يحدث الآن فى غزة كمشكلة لها أسبابها وأطرافها ومظاهرها وحلولها البديلة، صمم جدولا يلخص المشكلة.

٥ــ تناول ما يحدث الآن فى غزة على ضوء ما تعلمته عن اتخاذ القرارات، اشرح أنواع القرارات (استخدم شكلا توضيحيا) وناقش المنطلقات التى بناء عليها اتخذ كل طرف من أطراف المشكلة قراره.

٦ــ يقول شاعر فلسطين محمود درويش:
ونحن نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا
ونرقص بين شهيدين، نرفع مئذنة للبنفسج بينهما أو نخيلا
ونسرق من دودة القز خيطا لنبنى سماء لنا ونسيج هذا الرحيلا
ونفتح باب الحديقة كى يخرج الياسمين إلى الطرقات نهارا جميلا
ونزرع حيث أقمنا نباتا سريع النمو ونحصد حيث أقمنا قتيلا
وننفخ فى الناى لون البعيد البعيد. ونرسم فوق تراب الممر صهيلا
ونكتب أسماءنا حجرا حجرا. أيها البرق أوضح لنا الليل، أوضح قليلا

من وحى كلمات محمود درويش، اكتب ــ بلغة سليمة ــ رسالة إلى أوباما، الرئيس الأمريكى الجديد.

أول انطباع لدى حين وقعت على الورقة أنها مزورة. إذ لم أصدق أن طلاب الهندسة الميكانيكية يمكن أن يكون لهم صلة بالموضوع، ناهيك عن إطلاعهم على أفكار الدكتور جمال حمدان أو موسوعة الدكتور المسيرى، لكنى وجدت اسمين لاثنين من الأساتذة الممتحنين فى آخر ورقة الأسئلة، هما الدكتور أحمد جابر والدكتور أحمد الأهوانى. حينئذ قررت أن أتحرى الأمر.

واستطعت أن أحصل على رقم هاتف الأول، الذى طمأننى إلى أن الأمر ليس فيه انتحال أو تزوير، وقال إن طلاب كلية الهندسة يدرسون منذ عشر سنوات مقررا «فى الإنسانيات»، تقوم فكرته على الرغبة فى الارتقاء بالوعى الثقافى لخريجى الهندسة، بحيث لا يصبحون مغلقين على المواد الهندسية التى درسوها طوال خمس سنوات.

لا أخفى أننى دهشت مما سمعت. خصوصا أن الانطباع السائد لدينا أن انحطاط التعليم الجامعى فى مصر أمر مسلم به، ولا يعنى ذلك أن الانحطاط غير قائم، لأن الأدلة على وجوده أكثر من الهم على القلب. لكنه يعنى فقط أن البلوى ليست بالعموم الذى نتصوره، وأن فى البلد بقية من اضاءات يمكن المراهنة عليها فى الاقتناع بأن المستقبل ليس بالقتامة المستقرة فى أذهاننا، لكنى مع ذلك أنبه إلى ضرورة الحذر فى التفاؤل والمراهنة على أستاذين تمتعا بدرجة عالية من النضج ووضوح الرؤية السياسية، فألقيا على طلاب الهندسة الميكانيكية محاضرات حول كتابات الدكتور جمال حمدان والدكتور المسيرى وطه حسين ونجيب محفوظ وغيرهم.

وأشدد على فكرة «الحذر» لأننى أخشى أن يتهم الرجلان بالتعاطف مع غزة، وأن ينتبه مسؤلو الأمن الثقافى إلى أن ثمة أصواتا فى الجامعة تغرد خارج السرب، وأن تعليمات «وزارة الحقيقة» لم تصل إليها بعد. الأمر الذى يستوجب «اتخاذ اللازم» حفاظا على «التناغم» مع التعبئة التى يهيئ لها الرأى العام منذ وقع العدوان الإسرائيلى على غزة فى نهاية ديسمبر الماضى.

فهمي هويدي فهمى هويدى كاتب صحفى متخصص فى شؤون وقضايا العالم العربى، يكتب عمودًا يوميًا ومقالاً اسبوعياً ينشر بالتزامن فى مصر وصحف سبع دول عربية اخرى. صدر له 17 كتابا عن مصر وقضايا العالم الاسلامى. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961 ويعمل بالصحافة منذ عام 1958.