العربة والحصان والتعديلات الدستورية - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 8:05 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العربة والحصان والتعديلات الدستورية

نشر فى : الخميس 17 مارس 2011 - 9:45 ص | آخر تحديث : الخميس 17 مارس 2011 - 9:45 ص

 ها نحن مدعوون إذن بعد يومين فقط للمشاركة فى وضع العربة أمام الحصان، فماذا ترانا فاعلون؟ لقد اشتعلت الساحة السياسية المصرية منذ خرجت التعديلات الدستورية إلى النور بجدل سياسى واسع حول جدواها. يسوق أنصار هذه التعديلات حججا عديدة يأتى فى مقدمتها أن إقرار التعديلات يمكننا من المضى قدما فى بناء مؤسسات دولة ما بعد الثورة، وكذلك نظامها السياسى، ناهيك عن أن تعديل دستور 1971 لا يصادر على إمكانية صياغة دستور جديد بعد اتخاذ الإجراءات المناسبة.

أما حجة المعارضين للتعديلات الخاصة بأن قوى المعارضة تحتاج وقتا للاستعداد للانتخابات فإن أنصار التعديلات وأهم فصيل فيهم هم الإخوان المسلمون يردون بأنه ليس ذنبهم أنهم مستعدون للانتخابات بينما غيرهم ليس مستعدا، وعموما «يطمئننا» الإخوان بأنهم لن يسعوا للحصول على أغلبية برلمانية أو للمنافسة على منصب الرئاسة، وسوف نعود إلى هذه النقطة لاحقا. وأخيرا وليس آخرا فإن أنصار التعديلات الدستورية يرون أن الاستفتاء عليها هو الإجراء الوحيد المتفق مع خارطة الطريق التى وضعها المجلس الأعلى للقوات المسلحة على ضوء ظروفه، ذلك أن الاضطلاع بالمسئوليات الداخلية الراهنة فى مصر من حفظ للأمن ومواجهة أى خروقات تحدث فيه يباعد بين القوات المسلحة وبين دورها فى حماية الأمن المصرى من الأخطار الخارجية التى تتعاظم يوما بعد يوم.

والمشكلة أن كافة الحجج السابقة مردودة، ومع أننى لست خبيرا بشئون القانون الدستورى إلا أننى أعلم أن رأيى فى مسألة التعديلات الدستورية يتفق مع اتجاه قوى لدى أساتذة القانون الدستورى. والواقع أن قضية التعديلات الدستورية غير ذات موضوع أصلا، فقد سقط دستور 1971 بمجرد «تخلى» الرئيس السابق عن الحكم، ولو كان لهذا الدستور وجود لما كان المجلس العسكرى الأعلى قد تولى إدارة شئون البلاد، لأن دستور 1971 يجعل الرئاسة فى هذا الصدد لرئيس مجلس الشعب الذى حله المجلس العسكرى مع شقيقه مجلس الشورى، لأن الكافة تدرك أنهما بنيا على تزوير فادح. ولو كان دستور 1971 قائما لظللنا ننتقل من أزمة دستورية لأخرى بسبب تقوض كافة مؤسسات النظام، وأعلم بطبيعة الحال أن من رجال القانون الدستورى من يرى أن السقوط يجب أن يكون صريحا (صدور إعلان دستورى ينص على ذلك مثلا) لكننى كمحلل سياسى أعلم أيضا أن ثورة 25يناير قد نقلت مصر من حال إلى حال يختلف جذريا، مما يتطلب شرعية دستورية جديدة تماما، فإذا قيل إن التعديلات لا تصادر على وضع دستور جديد للبلاد لاحقا كان التعليق الفورى: لماذا نضيع الوقت المحدود الذى نملكه إذن فى استفتاء على تعديلات دستورية؟ أو ليس الأفضل أن نتجه إلى الهدف الرئيسى مباشرة وهو وضع دستور جديد للبلاد كما فعلت تونس؟

لا يهمنى فى الإطار السابق الاستعداد للانتخابات من عدمه إلا من منظور محدد سأعود إليه لاحقا، لأنه من حق الإخوان المسلمين ــ الذين لم يتوقف سعيهم يوما طيلة ثمانين عاما لتعزيز جماعتهم وترسيخها على الرغم من الظروف القاسية التى أحاطت بهم ــ أن يحصدوا ثمرة سعيهم هذا حتى ولو سيطروا على كافة الانتخابات القادمة بشرط الالتزام بمقومات المجتمع المصرى. لكننى أدعو المتحدثين باسمهم إلى التوقف فورا عن نغمة التعالى التى ستضر بهم ضررا بالغا: نحن لا نسعى لتحقيق أغلبية برلمانية أو للمنافسة على منصب الرئيس، وسوف نكتفى بالترشح فى 35% من الدوائر (تقل هذه النسبة فى روايات وتزيد فى روايات أخرى)، ويعنى ما سبق أنهم يستطيعون أن يهيمنوا على كل شيء، لكنهم مع ذلك سوف يتركون «نصيب الأسد» لتلك القوى المفزوعة من سيناريو سيطرة الإخوان على الحكم فى مصر. والواقع أن أى مبتدئ فى التحليل السياسى يعلم أن للإخوان المسلمين أنصارا بطبيعة الحال فى الـ65% المتبقية من الدوائر (إذا اكتفوا بالترشح فى 35% من الدوائر)، والسلوك الانتخابى المتوقع لهؤلاء الأنصار لابد وأن يكون مرتبطا بما تريده قيادة جماعة الإخوان، ومن هنا يمكن أن تتحقق للإخوان أغلبية برلمانية من مرشحيها الفعليين الفائزين فى الانتخابات وأولئك الذين حظوا بثقة قيادة الإخوان المسلمين، وإن تحركوا فى الانتخابات بغير شعارات الإخوان. كذلك يمكن لمرشح الرئاسة أن يفوز بأصوات الإخوان ويصبح مدينا لهم.

غير أن المطلب المشروع فى الانتخابات القادمة يتعلق بتلك القوى الهائلة عدديا التى تشير مؤشرات كثيرة إلى نيتها الإقبال على الاستفتاء بكثافة تثبت أننا إزاء مصر جديدة فعلا، ولنا أن نعرف أنه إذا كانت الأرقام الرسمية تفيد بأن نسب المشاركة فى الاستفتاءات السابقة تتجاوز الـ50% فإن حقيقة الأمر أنها كانت لا تتجاوز فى المعتاد 10%، فإذا تصورنا مثلا أن الهيئة الناخبة فى مصر قد بلغ عددها 40مليون فإن هذا يعنى أن أربعة ملايين على الأكثر كانوا يشاركون، وإذا تفاءلنا الآن بما نشهده من حيوية سياسية فى المجتمع يمكن أن ترفع نسبة المشاركة إلى 80% مثلا فإن هذا معناه أن 32مليون مصرى سوف يشاركون فى الاستفتاء القادم وما تليه من خطوات، وهؤلاء يحتاج معظمهم بعد أن ظل بعيدا عن الحياة السياسية فى مصر سنوات أو عقودا إلى حوارات معمقة لقضايا دستورية وسياسية لا يمكن أن تستقيم المشاركة السياسية بدونها. ليس المطلوب إذن من الإخوان المسلمين أن «يتبرعوا» للشعب المصرى بـ65% من الدوائر أو أقل أو أكثر، وإنما أن يعترفوا بأن ثمة وقتا مطلوب كى نعيد تأهيل هذه الكتلة الهائلة من الشعب المصرى للمشاركة الحقة، والتى تتحرق شوقا إلى المشاركة والمعرفة معا كما يبدو من شواهد لا يمكن للعين أن تخطئها، بالإضافة إلى أن ثمة قوى سياسية جديدة دخلت إلى ساحة السياسة المصرية بحيوية فائقة، كالطليعة الشبابية لثورة 25يناير، وهذه من حقها أن يُترك لها مدى زمنى لإعادة تنظيم صفوفها بالطريقة التى تترجم دورها إلى حقائق سياسية وتنظيمية.

تبقى الحجة الخاصة برغبة المجلس الأعلى فى العودة إلى عمله الأصيل، وهى حجة يجب احترامها خاصة وقد كان للقوات المسلحة دورها المقدر فى نجاح الثورة، لكننا لا نملك هنا سوى مناشدة المجلس تمديد الفترة الانتقالية حتى يعود أعضاؤه إلى ثكناتهم وهم راضون عما قدموه للوطن، فلن يجدى كثيرا أن نصل إلى «المحطة» الأخيرة فى الوقت المحدد إذا كانت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية سوف تعيد إنتاج أوضاع ما قبل 25يناير لأنه لا جديد فى الساحة السياسية يمكننا من النجاح فى إقامة البناء المؤسسى المطلوب كى نحول ثورة 25يناير من الشرعية السياسية إلى الشرعية المؤسسية المبنية على شرعية دستورية جديدة.

ما العمل إذن إزاء هذه المعضلة الدستورية والسياسية المعقدة؟ خاصة وأن أنصار التعديلات يخيفوننا بأن رفضها سوف يدخلنا فى فراغ دستورى؟ والحقيقة أن الرفض قد يعيدنا إلى المسار السليم، وهو انتخاب جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد للبلاد فيما يمكن سد الفراغ الدستورى بإعلان دستورى يصدره المجلس العسكرى الأعلى. ليس أمامنا جميعا إلا أن نشارك وبكثافة: الموافقون والرافضون، فالمشاركة الكثيفة بحد ذاتها بداية جديدة، وسوف نحتاج إليها كثيرا فى الأٍسابيع والشهور القادمة فى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وفى الاستفتاء على الدستور الجديد، ولا يجلسن أحد فى بيته بحجة أنه معترض، لأنه بالمشاركة وتسجيل اعتراضه يمكنه أن يصنع الفارق المطلوب ويوقف الحصان أمام العربة وليس خلفها.

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية