وقال زيوس: (شــو تايــم) - خالد الخميسي - بوابة الشروق
الثلاثاء 7 مايو 2024 12:45 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وقال زيوس: (شــو تايــم)

نشر فى : الأحد 18 مارس 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 18 مارس 2012 - 8:00 ص

بدأ العرض المسرحى الهزلى للانتخابات الرئاسية المصرية وسط اهتمام عام بهذا الحدث الدرامى الشيق. يحاول كل مصرى هذه الأيام تحديد مرشحه الذى سوف يقف إلى جانبه، بالتصويت لصالحه والدعاية له وسط دائرة أصدقائه ومعارفه. هناك حالة فرحة بفكرة أن الديمقراطية تطرق أبواب الحياة السياسية المصرية. بدأ العرض دون توافر الحد الأدنى من الشروط اللازمة لبدء انتخابات رئاسية. وعلى الرغم من عدم توافر هذه الشروط ــ وأهمها وجود دستور وتفعيل قوانين حياة سياسية رشيدة وفتح الباب للحريات السياسية دون قمع ودون تقييد ــ إلا أن معظم المصريين يعتقدون أن الانتخابات الرئاسية القادمة سوف تتحدد نتائجها وفقا للجهد الذى سوف يبذله كل مرشح لرئاسة جمهورية مصر، ووفقا لما سوف يطرحه من برامج ورؤى سياسية واقتصادية وتبعا لوزن معسكره الأيديولوجى فى الواقع السياسى المصرى. وأنا ــ وعلى العكس مما يعتقده الأغلبية من المصريين ــ أعتقد أن رئيس مصر القادم سوف يكون من تحدده المؤسسة العسكرية المصرية ومعها أجهزة الدولة، من جهاز المخابرات العامة إلى أجهزة وزارة الداخلية إلى الأجهزة الإدارية المختلفة دون اعتبار لأى شروط أخرى.

 

هل سوف يفوز هذا المرشح المدعوم من المؤسسة العسكرية بالتزوير؟

 

سوف يفوز بانتخابات حرة ونزيهة.

 

وكيف إذن سوف يفوز مرشح المؤسسة العسكرية بغض النظر عن الجهود التى سوف يقوم بها باقى المرشحين؟

 

لأن الديمقراطية التمثيلية ــ كما تمت صياغة شقها الإجرائى من صناعها ــ قائمة على منح شعور للمواطن بأنه يختار رئيس الجمهورية، ولكن الحقيقة أن من يختار هم أصحاب السلطات المالية والسياسية والاقتصادية (وفى بعض الأحيان الدولية) الذين يديرون دفة الأمور. يشارك جميعهم فى المسرحية، يؤدون أدوارهم، ويوزعون الأدوار الأخرى. ويمكن فى بعض الأحيان أن يختاروا أكثر من مرشح ويضعونهم فى سباق، ثم يستمتعون بمشاهدة السباق كما كان يفعل «زيوس» فى بعض الأفلام الهوليودية وهو يستمتع هو الآخر بمشاهدة من صنعهم من بشر وهم يتعاركون. هذه الديمقراطية التمثيلية قامت لحماية أصحاب رءوس الأموال وللدفاع عن مصالح الأغنياء، وتم تطوير آلياتها ليفرح بها الفقراء.

 

أنا هنا أتحدث عن الشق الإجرائى للديمقراطية التمثيلية وليس عن القيم (المسماة) ديمقراطية والتى تطورت عبر قرنين من الزمان نحو إعادة صياغة كاملة للعلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للمواطنين.

 

وكيف سوف ينجح مرشح المؤسسة العسكرية؟

 

● سوف يدعم هذا المرشح العديد من القوى المتحالفة مع المؤسسة العسكرية فى صياغة البناء السياسى الذى سوف يحكم مصر خلال السنوات الخمس القادمة، وهم أجنحة من رجال الأعمال (الفلول) والإخوان المسلمين وقوى مصرية مختلفة محافظة، وقوى إقليمية ودولية.

 

● سوف يتم دفع عجلة الإعلام ــ الذى يمتلكه رجال أعمال، حريصون على حماية مصالحهم المالية المتشابكة، وقوى إسلامية محافظة تعرف حدودها جيدا أمام المؤسسة العسكرية، وقوى حصلت على أموالها من دول الخليج ــ بتلميع هذا المرشح ودعمه بكل قوة عن طريق أوامر مباشرة من المؤسسة العسكرية القادرة على التعامل مع شركائها بكل حسم.

 

● سوف يتم تخصيص ميزانيات ضخمة ــ وعلى الأرجح هائلة ــ للحملة الإعلامية والسياسية لهذا المرشح فى الأسبوعين السابقين لتاريخ الانتخابات، عارفين أن نسبة كبيرة من المصريين لم تقرر بعد، ومدركين أن الحملات الإعلامية عمرها قصير والذاكرة محدودة والتاريخ السياسى الحقيقى للمرشحين الآخرين منعدم للجميع.

 

● تم فتح باب الترشح دون تقييد هذا التقديم للترشح بالضوابط والشروط الثلاثة المعلنة فى التعديلات الدستورية. فكانت هذه الأعداد الكبيرة التى وصلت إلى مئات المرشحين. الأمر الذى أدى إلى مزيد من الالتباس لدى نسبة كبيرة من المصريين. وهو الأمر الذى سوف يسهل الدفع الأخير لمرشح المؤسسة.

 

● سوف تتأثر نسبة كبيرة من المصريين أثناء الإدلاء بصوتها بكون هذا المرشح مدعوم من جهاز الدولة. يجب ألا ننسى هنا أننا أقدم دولة فى التاريخ وأن للدولة هيبتها مهما ظنت النخبة أن أنف هذه الدولة تم دفسها فى التراب.

 

● سوف تلعب أذرع الجهاز الإدارى ــ شديد العراقة ــ للدولة المصرية دورا مهما فى دعم هذا المرشح. فهذه الأذرع موجودة فى كل قرية وكل نجع. كل العمد علاقاتها معروفة بالجهاز الإدارى العتيد. وسوف تلعب هذه الأجهزة دورا تم دراسته لإنجاح مرشح المؤسسة.

 

● أعتقد أن نسبة المشاركين فى الانتخابات الرئاسية سوف تكون مقاربة للنسبة التى توجهت إلى صناديق الاقتراع فى الانتخابات التشريعية الأخيرة. وهنا سوف تكون نسبة المكون الأيديولوجى فى اختيار الناخبين محدود. فسوف تلعب مكونات غير فكرية وغير مذهبية الدور الأكبر فى اختيار الناخب لرئيس الجمهورية. وسوف يستفيد مرشح المؤسسة العسكرية المدعوم من القوى المحافظة (المالية والإسلامية) من هذا الأمر.

 

● سوف يكون للأداء الممتاز للمؤسسة العسكرية وحلفائها ــ فى الفتك بالحريات العامة وشن حملات إعلامية ضد من يتحدث باسم هذه الحريات وباسم حقوق الانسان ــ دورا مهما فى دفع مرشحهم.

 

● من خلال تحليلى للواقع السياسى، أرى أن هناك اتفاقا واضحا ــ تم عقده مباشرة بعد سقوط مبارك ــ من قبل قوى مختلفة محلية ودولية على أن يكون رئيس جمهورية مصر القادم من رجال الدولة غير المنتمين للقوات المسلحة وغير المنتمين ــ لما يطلق عليه ــ الفكر الإسلامى. بمعنى رئيس جمهورية مدنى يدعم الفكر الرأسمالى فى المجال الاقتصادى، ويدعم التقارب المصرى الأمريكى ويحترم التعاهدات الدولية (أى معاهدة كامب ديفيد). ويكون البرلمان بأغلبية إسلامية ورئيس الوزراء القادم ينتمى للتيار الإسلامى. وبالتالى مرشحون لرئاسة الجمهورية كمنصور حسن وعمرو موسى هم الأقرب للفوز. وهو نفس ما حدث فى تونس وما يحدث فى المغرب. فالولايات المتحدة الأمريكية الدولة التى تستعمر الوطن العربى منذ قرابة الأربعين عاما، قد عملت بكفاءة خلال هذه الحقب الأربع وتمارس هيمنة غير مباشرة فى بعض الأحيان، قد وضعت تصورات يتم تطبيقها على الجميع.

 

● من المتوقع أن يفوز هذا المرشح بعد معركة حامية الوطيس مع مرشح آخر ينتمى للتيار الإسلامى. ليكون للعرض المسرحى نكهة. من المرجح أن يكون هذا المرشح هو الداعية الإسلامى حازم صلاح أبوإسماعيل. هذا التنافس الكبير سوف يجعل للديمقراطية طعما محببا للشعب المصرى. فترتفع الآهات عجبا وإعجابا. فوداعا لنسب التسعين فى المائة وأهلا بنسب الخمسين فى المائة. فالديمقراطيات تعشق النسب المتقاربة وإلا فسوف تفقد المباراة رونقها. ولذلك تفرد الفضائيات ساعات لتلميع النجم الجديد الساطع من الدقى، ولا أحد يسأل عن الميزانيات الضخمة التى تجعل صورة حازم صلاح أبوإسماعيل موجودة فى كل أحياء القطر المصرى.

 

هل هذا معناه أن الثورة تم إجهاضها بالكامل، وأن المستعمر الأمريكى ومعه المؤسسة العسكرية المصرية وجناح من رجال الأعمال (الذين سطعوا فى حقبة مبارك) والإخوان المسلمين والقوى الإقليمية المحافظة (بما تمتلكه من رءوس أموال) سوف يستكملون مسيرة مبارك بنظام سياسى جديد أكثر تطورا؟ نظام «مبارك 2 إس» على سبيل المثال؟

 

لا أظن. فمصر ليست آى باد أو آى فون.

 

●●●

 

الثورة المصرية مازالت فى مراحلها الأولى. بدأت معارك الحرية فى مواقع مصرية عديدة. تفجرت الطاقات الإبداعية كالشلال. هناك من يعمل فى كل مصنع وكل مؤسسة بكل جد لإحداث نهضة نوعية فى تركيبة علاقات العمل. بدأت قوى سياسية جديدة فى التبلور. نعم هذا التبلور سوف يحتاج إلى سنوات، ولكن الجميع يعرف أن الطريق طويل.

 

لا يهم فى الحقيقة اسم الرئيس القادم، وعلينا ألا ننشغل به كثيرا. ولكن المهم أن ننشغل فى كيفية رصف طريق الثورة الطويل نحو الحرية والعدالة الاجتماعية. يجب أن نعمل فى إعادة بناء البنية التحتية للنظام السياسى والاجتماعى المصرى وندعهم الآن يسكنون على «الروف» فى انتظار أن نسقطهم منه ونحن نقف فوق أرض صلبة

خالد الخميسي  كاتب مصري