كلاكيت رابع مرة - خالد الخميسي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 10:33 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كلاكيت رابع مرة

نشر فى : الأحد 13 مايو 2012 - 8:40 ص | آخر تحديث : الأحد 13 مايو 2012 - 8:40 ص

أكتب إليك لأعبر لك عن مدى سعادتى بهذه الأيام الأربعة التى قضاها وفد احتفالية فلسطين للأدب فى غزة. كانت هذه الأيام من أطيب الأيام التى قضيتها مؤخرا، لأنكم صحبتم معكم، إلينا فى غزة، رياح الثقافة والفن، وسوف تظل لقاءاتكم فى صدورنا نحملها معنا أيما شطرنا. ولكننى أكتب إليك بالأساس لأحذركم جميعكم، أنتم يا معشر المصريين، مما حدث لنا فى غزة. فيجب عليكم من فوركم أن تدرسوا كيف صعدت «حماس» إلى سدة الحكم، ثم كيف قامت بعزل غزة عن بقية فلسطين بتخطيط إسرائيلى. ثم كيف بدأت فى التعامل مع غزة باعتبارها إمارة إسلامية، وكيف استقلت بها للسيطرة الكاملة على مقدراتها الاقتصادية والمالية بمنطق غنائم الحرب.

 

سألنى أحد أعضاء الوفد قائلا: «كانت الانتخابات التى أتت بحماس فى عام 2006 فما موعد الانتخابات القادمة يا ترى؟» نضحك ضحك كالبكاء عندما نستمع إلى هذا السؤال. والإجابة الوحيدة نستعيرها من اللهجة المصرية: «الانتخابات الجاية.. فى المشمش». فحماس استولت على غزة فى غزوة، لعبوا لعبة القرن العشرين وهم يحملون فى عقولهم أفكار القرن السابع. ولا يمكن الآن إخراجهم إلا بالقوة. وحقائق القوة اليوم مع إسرائيل التى لا يمكن أن تسمح بإخراج صنيعتها. لا تتصور من حديثى هذا أننى أقرب إلى منظمة فتح. لست كذلك، فنحن فى الأصل لم ننتخبهم لأن فسادهم استشرى كالسرطان. أو حتى أقرب إلى الجبهة الشعبية أو الديمقراطية. لا. فلست أنتمى إلى كل هذه التيارات لأنها كالديناصورات تنتمى إلى عصور انقضت. يأمل معظم الشعب الفلسطينى اليوم فى قوة جديدة تبعث الأمل على أسس تنتمى لحقائق اليوم ولأفكار ومناهج الغد. ما حدث هنا من دعم إسرائيل والولايات المتحدة لسيطرة حماس هو أمر أصبح واضحا للجميع. كان بروفة لإعادة تنفيذ هذا المخطط فى بقية الدول العربية.

 

●●●

 

كثيرا ما أستمع إلى سؤال: وكيف تتهمون الاسلام السياسى أنه صنيعة المستعمر الأمريكى، ألم يقدمون دماءهم رخيصة فى مقاومة العدو الصهيونى؟ وأضطر أن أعود إلى سنوات مضت لكى أجيب عن هذا السؤال. أدرك الأمريكيون بعد ما آلت إليهم السيطرة على الكوكب بعد الحرب العالمية الثانية، مع كل الاحترام للوجود السوفييتى فى هذه الحقبة، أن عليهم دعم قوى الاسلام السياسى فى المنطقة العربية ضد التيارات القومية والعلمانية واليسارية التى كانت خطرا على المصالح الأمريكية فى المنطقة، وخطرا على تمكين الولايات المتحدة من مصادر النفط، وخطرا على إسرائيل. كان قيام مشروع صناعى عربى معناه استغلال الطاقة النفطية محليا، كان معناه قيام مشروع نهضوى قومى سوف يكون فى منتهى الخطورة على إسرائيل. كان التعامل الأمريكى مع حكومات دول الجزيرة العربية التى تحالفت مع بريطانيا فى الحرب العالمية الأولى تعاملا سلسا ومريحا. لماذا لا تكون كل حكومات الدول العربية كحكومة السعودية فى اتفاقها مع الغرب؟ نأخذ منهم النفط ونعطى لهم مواد استهلاكية. كان من المستحيل على أمريكا فى تعاملها مع قضية النفط إلا أن تأخذ الأمور بكل جدية. فكانت الحرب الشعواء على الناصرية والتى انتهت بالنكسة. ومنذ هذا التاريخ بدأ التمويل غير المحدود لقوى الإسلام السياسى فى المنطقة العربية، والذى ارتفع حجمه بزيادة سعر النفط بعد حرب 1973. وأتذكر جيدا الحملات الدعائية بتمويل أمريكى مباشر للسفر إلى أفغانستان لمحاربة العدو الأحمر. ثم فتح التليفزيونات العربية الحكومية للدعوى لصالح الاسلام السياسى. وكان قوام الخطة واضحا: 1) حاربوا الثقافة. راجعوا عدد دور العرض السينمائى وعدد المسارح فى نهاية الستينيات فى مصر أو الجزائر أو سوريا أو المغرب وراجعوا عددها فى نهاية التسعينيات. (انخفض عددها بنسبة تزيد عن التسعين فى المائة). 2) تمويل مؤسسات دعوية للقيام بأدوار اجتماعية وصحية. (راجعوا عدد العيادات الملحقة بالمساجد التى فتحت أبوابها بأسعار كشف تنخفض بنسبة 90% عن أسعار السوق. فى فترة كانت المتوسطات تتراوح بين خمسين جنيها وخمسة جنيهات). 3) السيطرة على أكبر عدد من المساجد وتحويلها إلى شبه مقار حزبية والدعوة للإسلام السياسى من خلالها. 4) السيطرة على وزارات التربية والتعليم، بالعمل السياسى المدعوم داخل كليات التربية. 5) ومثلهم مثل جميع التيارات السياسية كانوا يحتاجون إلى شعار، فاختاروا حجاب المرأة كشعار يسهل أن يحققوه. هكذا تم الأمر فى كل الدول العربية بتمويل سعودى خليجى، بإشراف أمريكى.

 

أما فى فلسطين فكان مشروع إسرائيل الأهم هو بناء أسوار، مادية ومعنوية، لتفكيك الأرض الفلسطينية وتفكيك الشعب الفلسطينى وتجريف الأرض بالكامل لكى يسهل عليها السيطرة. وفى غزة ومنذ السبعينيات ــ وفى نفس فترة تمويل السادات للتيارات الإسلامية فى الجامعات لتشن حربا على اليسار المصرى ــ بدأت إسرائيل تمنح لتيارات الإسلام السياسى مظلة آمنة للعمل. أتذكر مشروع بدأه شارون لتقطيع أوصال غزة، فقد بدأ شق طرق بعرض ثمانين مترا داخل المخيمات، قام بهدم آلاف الدور، ليسهل حركة الجيش الإسرائيلى داخل مناطقنا السكنية للقضاء على المقاومة الفلسطينية. فى هذه الفترة كانت جميع الفصائل الفلسطينية تعمل تحت الأرض، إلا الاخوان المسلمين (الذين أصبحوا بعد ذلك منظمة حماس) الذين حصلوا على تراخيص من إسرائيل للعمل داخل المساجد الصغيرة بشكل علنى. كانوا يعملون فوق الأرض والجميع يقاوم تحت الأرض. وتدريجيا بدأوا يتحولون إلى شرطة إسرائيل فى غزة. يضربون المقاومة الفلسطينية بكل خسة. لقد ضرب أخى منهم عام 1985. وعندما قامت الانتفاضة الفلسطينية الأولى فى 8 ديسمبر عام 1987 لم يشاركوا فيها، كما لم يشارك الاخوان المسلمين لديكم يوم 25 يناير 2011. ولكن حماس ظلت لمدة ثلاثة أشهر غير مشاركة. وعندما وجدت أن فى مصلحتها ان تشارك بدأت فى منتصف مارس ببيان أرخته بتاريخ منتصف ديسمبر. كاذبون وأفاكون. وبعد أوسلو التى أرفضها تماما بدأوا عمليات التفجير. وهى عمليات لم تخدم سوى إسرائيل وصورة إسرائيل فى العالم كضحية للوحشية الفلسطينية التى تستهدف أطفالا ومدنيين. كما أدت إلى الضغط على السلطة الفلسطينية. وإذا قرأت اتفاقية أوسلو لوجدت البنود الخاصة بالجدول الزمنى للانتخابات التشريعية، وهى الانتخابات التى كانت تحضر لها إسرائيل منذ نهاية السبعينيات لكى تمهد الأرض لحماس وتبدأ هذه الجماعة فى تقطيع أوصال فلسطين كبديل عن الجهد الإسرائيلى فى هذا المجال. وفى فبراير 2005، صوّتت الحكومة الإسرائيلية على تطبيق خطة رئيس الوزراء الإسرائيلى أرييل شارون للانسحاب من قطاع غزة وإزالة جميع المستوطنات الإسرائيلية وسحب المستوطنين وفك القواعد العسكرية من القطاع، وتم الانتهاء من العملية فى 12 سبتمبر 2005، بإعلان إسرائيل إنهاء الحكم العسكرى فى القطاع. وكان شارون مطمئن تمام الاطمئنان للمشروع الذى بذل فيه الجهد والعرق. وبعدها بثمانية أشهر وفى 3 مايو 2006 بدأت الانتخابات التشريعية الفلسطينية الثانية لتفوز حماس. وبعد هذا التاريخ بعام وبضعة أشهر وفى 14 يونيو 2007 قامت حماس بفصل غزة عن الجسد الفلسطينى وسط تصفيق الشعب الإسرائيلى. اليوم نعيش فى غزة مصحوبين بظل جديد لنا وهو ظل رجل أمن. ولكن الفارق بيننا أنه يرتدى بذلة أنيقة ولا أجد أنا ما أرتديه. ابنتى فى المدرسة تعود كل يوم وتحكى لى أنه كبديل عن حصة الرياضة وحصة الرسم تأتى إليهم داعية تلقى فى روعهم الرعب من كل شىء وأى شىء. ابنى لا يجد عملا مثله مثل أغلبية الشباب بينما أسعار العقارات ترتفع بمعدلات فلكية لأن رجال أعمال حماس يضاربون فيها.

 

●●●

 

أتمنى أيها المصريون أن تفهموا الدرس. فالخطة الأمريكية واضحة، وهى وضع حكومات إسلامية عميلة لطيفة تمارس البيزنس بمنطق «إسلامى» وتخدم به الاقتصاد الأمريكى وتستورد بضائع وخدمات. رأيتم خيبة مجلس شعبكم ولكن هذا لا يعدو شيئا مقارنة بأداء رئيس منهم. انتخبوا مرسى أو أبوالفتوح وسوف تنفتح عليكم أبواب جهنم، وإذا أراد مصرى أن يفهم فعليه أن يأتى إلى غزة لكى يرى الحقيقة العارية. بدأت خطة الأمريكان فى غزة، والآن فى المغرب، وفى تونس، وسوف تكونون أنتم كلاكيت رابع مرة. لا أتمناها لكم، لأن مصر بالنسبة إلينا هى الدولة الوحيدة القادرة (نظريا) على الوقوف أمام هذا المشروع الأمريكى الإسرائيلى. «ديروا بالكم».

 

اخوك. مناضل فلسطينى من منازلهم.

خالد الخميسي  كاتب مصري