فرنسا ومصر والهم المشترك - خالد الخميسي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 12:37 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فرنسا ومصر والهم المشترك

نشر فى : السبت 5 مايو 2012 - 11:20 م | آخر تحديث : السبت 5 مايو 2012 - 11:20 م

فى جلسة ضمت عددا من الأصدقاء المهمومين بالشأن العام، انساب الحوار من كارثة مالى، إلى القتلى فى جنوب السودان، ثم تسلل شرقا نحو السعودية، وإذ بصديق يهتف «إلا السعودية» فقد اكتشفنا فجأة أنها خط «أحمر»، فضحك آخر قائلا: لكن الأحمر لون خطير فقد كان لون الثوار فى أوروبا، ثم لون البلاشفة والملاعين والعياذ بالله، وهناك الخمير الحمر يبعدنا الله عنهم جميعا، فصحح آخر المعلومة مؤكدا أن الأحمر هنا جاء من مناورات «العلم الأحمر» لقوات المملكة، أو محتمل أنهم يلمحون للبحر الأحمر، أو للون الأحمر فى جبال البحر الأحمر. ثم قال أكبرنا فى المقام بصوته الرخيم أنه كان الأجدر بالقول بأن السعودية خط أخضر فهو لون علمهم، كما هو لون الدولار البترولى، وهو لون لمعان الزمرد فى أعين حكامنا منذ أكثر من أربعين عاما. عرج الحوار إلى مصر، ثم بدا للجميع أن الهروب الفورى من الهم المصرى الثقيل فى هذه الليلة واجب كى نستطيع تناول العشاء، وإذ بالانتخابات الرئاسية الفرنسية تأخذ نصيب الأسد من الحوار. لم تكن نتائج المرحلة الأولى فى حد ذاتها هى التى استرعت إنتباهنا، على الرغم من أنها جاءت بالجديد: فهى أول مرة فى تاريخ الجمهورية الخامسة يخسر رئيس الجمهورية مركز الصدارة فى نتائج المرحلة الأولى للإنتخابات الرئاسية، كما تمخضت نتائج هذا العام عن حصول حزب الجبهة الوطنية (وهو حزب يمينى متشدد ترأسه مارين لوبن) على أعلى نسبة يحصل عليها الحزب فى تاريخه وهى نسبة 17.9%، مما جعل أحد المتخصصين فى الشأن الفرنسى وهو «جون ايف كامو» يقول أن هذه النتيجة أشبه بزلزال صغير سوف يهز الحياة السياسية فى فرنسا فى السنوات القادمة. لم يتطرق الحوار كذلك لتكهنات من جانبنا عن الفائز اليوم فى سباق المنافسة بين فرنسوا هولاند ونيكولا ساركوزى، فالجميع يعرف أن استطلاعات الرأى تعطى لممثل الحزب الاشتراكى فرصة أكبر فى الفوز. ولكن دار الحوار حول تحليل نتائج المرحلة الأولى:

 

كان الرجال أكثر جرأة من النساء، فقد انحازوا بمعدل أكبر إلى أحزاب اليمين وأحزاب اليسار. أما النساء فقد كانوا أكثر محافظة أو أكثر عقلانية فى توجهاتهن التصويتية، فقد صوتوا بمعدل أكبر لصالح الجوادين الذين يجريان حقا فى السباق: «هولاند وساركوزى». أما الشريحة العمرية من 25 عاما إلى 34 عاما وهم شريحة الشباب الذى بدأ حياته العملية فقد صوتت لصالح الحزب الاشتراكى بنسبة 32% بينما صوتت هذه الشريحة العمرية بنسبة 18% فقط لحزب «الاتحاد من أجل حركة شعبية» وهو الحزب الذى يرأسه رئيس الجمهورية. وعلى العكس صوتت الشريحة العمرية فوق الستين عاما لصالح ساركوزى بنسبة 37% فى مقابل 25% لهولاند. وسوف نجد أن الحاصلين على شهادة أقل من الثانوية العامة صوتوا لحزب الجبهة الوطنية اليمينى المتشدد بنسبة 21%، بينما قام الحاصلون على شهادة دراسية جامعية بالتصويت لنفس هذا الحزب بنسبة 10% فقط. ومن يقل دخلهم عن ثلاثة آلاف يورو صوتوا لهذا الحزب بنسبة 19% ومن يزيد دخلهم عن ثلاثة آلاف يورو صوتوا بنسبة 15%. ونجد أن العمال صوتوا لهذا الحزب بنسبة 29%، بينما قام الممتهنون مهنا حرة (كالأطباء والصيادلة والكتاب والمستشارين إلخ) بالتصويت لهذا الحزب بنسبة 8% فقط.

 

***

 

أوضحت الأرقام التحليلية أنه كلما انخفض المستوى التعليمى كلما كانت هناك فرصة أكبر للقوى السياسية المحافظة فى الوجود والظهور. كما أوضحت الدراسات واستطلاعات الرأى ان هناك خمس قضايا محورية شكلت هم الناخب الفرنسى وهى: القدرة الشرائية ــ الأزمة الاقتصادية والمالية والدين العام ــ البطالة ــ انعدام العدالة الاجتماعية ــ إشكاليات الهجرة. وتعد هذه القضايا هى المفاتيح الأساسية التى حددت معايير اختيار الناخب الفرنسى لمرشحه للرئاسة. وكما هو واضح كلها قضايا تتعلق أساسا بالشأن الاقتصادى. ولكن بالإضافة إلى هذه القضايا، هناك أيضا شعور لدى نسبة كبيرة من الفرنسيين بالخوف من المستقبل، وهو الوتر الذى لعبت عليه مارين لوبن بكفاءة كبيرة.

 

وكان التساؤل المنطقى من الجميع: هل يمكن إقامة توازيات بين الحالة الفرنسية والحالة المصرية؟ الناخبون هنا وهناك يشعرون بحالة خوف من أوضاعهم الاقتصادية خلال السنوات القادمة، هناك شعور عام بعدم تطبيق سياسات عدالة اجتماعية، انخفاض حاد فى القدرة الشرائية، ارتفاع معدلات البطالة، ارتفاع كبير فى الدين العام. فى كلا الدولتين هناك تنامٍ للقوى السياسية المحافظة والرجعية. ولكن فرنسا دولة من العالم الأول ونحن دولة من العالم الألف. هل يمكن عقد مقارنات؟ نعم يمكن إقامة توازيات مع كل التقدير للاختلافات الجذرية بين المجتمعين. فهناك توجهات عامة يمكن أن تشكل نمط للسلوك السياسى للشعوب. حينها ضحك أحد الأصدقاء وفكر أنه لو طبقنا الأرقام التحليلية لنتائج المرحلة الأولى الفرنسية على الانتخابات الرئاسية المصرية فمصيرنا أسود من قرن الخروب. فرد آخر أن ذلك ليس صحيحا تماما فلو كانت نسبة مشاركة الشريحة العمرية من 25 عاما إلى 34 عاما كبيرة فيمكن أن يكون ذلك إيجابا. وبعد حوار وجدل طال حتى منتصف الليل توصلنا أنه يجب على كل الحضور التفكير فى الوجود من عدمه لأنماط عامة للسلوك السياسى الشعبى تجاه السياسة. فهتفت أنا أن السياسة ماتت ويجب أن نعيد اكتشافها من جديد، فلا فارق جوهرى بين هولاند وساركوزى، ولا فارق بين زيد وعبيد، فكلهم يعملون عبيدا لدى نظام عام أكبر من قدراتهم على التغيير.

 

***


سوف يتوجه الناخبون الفرنسيون اليوم لانتخاب رئيسهم القادم وسط حالة من القلق من الوضع الاقتصادى المتردى، ومن خطر انزلاق فرنسا فى دوامة الأزمة الاقتصادية لتتذوق ما ذاقته اليونان وإسبانيا. وبعد أيام من المفترض أن يتوجه الناخب المصرى لانتخاب رئيسه القادم وسط فوضى ما بعدها فوضى. ولكن سوف يظل الفارق أننا سوف نعرف، فى الحالة الفرنسية، من انتخب من ولماذا، ولن نعرف شيئا فى الحالة المصرية. 

خالد الخميسي  كاتب مصري