موازين القوى.. فمن ثقلت موازينه؟! - شيماء صلاح - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 9:03 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

موازين القوى.. فمن ثقلت موازينه؟!

نشر فى : الجمعة 17 يوليه 2020 - 6:30 م | آخر تحديث : الجمعة 17 يوليه 2020 - 6:30 م

لم تعد موازين القوى فى النظام العالمى الحالى تعتمد على الثقل العسكرى وسباق التسلح والنفوذ الجيوسياسى فقط؛ بل أصبح للثقل الاقتصادى الأثر الأول والأكبر فى موازين القوى. عبر التاريخ تبدلت موازين القوى الدولية والإقليمية، ليس فقط لاعتبارات القوة وإنما أيضا لاعتبارات المصالح والتوازنات. فما إن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها حتى تبدلت موازين القوى فى العالم لصالح عالم ثنائى القطب. ثم اختل ميزان القوى العالمى لصالح القطب الواحد ــ الولايات المتحدة ــ إثر الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتى.. ما فتح آفاقا واسعة أمام الصين والهند، واليابان، والاتحاد الأوروبى، للظهور بقوة فى الساحة الدولية ولعب أدوارا فاعلة فى النظام الدولى. احتلت الصين بعدها مكانة متميزة على الساحة الدولية، وبات صعود التنين الصينى أمرا محتومًا، وثقلت كفتها فى ميزان القوى العالمية كأحد الأقطاب الفاعلين والمؤثرين فى النظام العالمى.

اليوم أثارت جائحة كوفيدــ١٩ أو ما يعرف بأزمة كورونا العالمية التى ظهرت للمرة الأولى فى مدينة ووهان، والطريقة التى تعاملت بها الصين ومنظمة الصحة العالمية مع الجائحة حفيظة العالم تجاه الصين الشعبية. وأثار ذلك العديد من التساؤلات عن الكيفية التى يمكن من خلالها أن تستمر الصين فى الازدهار وسط رد فعل دولى عنيف من غالبية الدول التى أبدت مساعى العداء تجاهها. وهل تستطيع التغلب على التحديات التى تواجهها والحفاظ على دورها وحصتها فى الاقتصاد العالمى على المدى الطويل؟
***
قد بات واضحا أن القوة الصينية الناعمة تزحف بصور شتى فى كل أنحاء العالم. فالصين تتوسع فى إفريقيا صناعيا وزراعيا، وتحقق وجودا ماليا وبشريا متزايدا فى مختلف دول العالم، ولا تثير قضايا حساسة للأنظمة، مثل الديمقراطية وحرية الرأى وحقوق الإنسان، وغيرها. كما بدأت مشروع طريق الحرير الذى يعبر قرابة الستين دولة، ويؤسس لعولمة جديدة بأبعادها السياسية والأمنية والاقتصادية؛ كما نجحت الصين فى وضع عملتها فى سلة العملات الدولية.

وخلال الأزمة العالمية الأخيرة لجائحة كورونا؛ تعاملت الصين بقدر من الحكمة المبدئية مع الأزمة من الجانب الاقتصادي؛ فقد أبدت الحكومة الصينية تخليها عن هدف نمو الناتج المحلى الإجمالى من أجل تحقيق أهداف وتقديرات أخرى تمثل عمق مشكلات الاقتصاد والتحديات التى يواجهها صُنّاع السياسة فى دعم الاقتصاد. تمثلت فى التركيز على ضمان الاستقرار والأمن فى ست ركائز رئيسية على المدى القصير إلى المتوسط: (التوظيف، والتمويل، والتجارة الخارجية، والاستثمار الأجنبى، والاستثمار والتوقعات، بينما يشير الأمن إلى حماية العمالة، وسبل عيش الناس، وتطوير كيانات السوق، وأمن الغذاء والطاقة، والتشغيل المستقر للسلاسل الصناعية وسلسلة التوريد، والأداء السلس للمجتمع). ومن خلال عدة إجراءات مبدئية تتمثل فى تأجيل مدفوعات ضريبة دخل الشركات الصغيرة والعاملين لحسابهم الخاص حتى العام المقبل. كما تكثف الحكومة الصينية جهودها لزيادة الدعم المالى للشركات الصغيرة التى تخلق معظم الوظائف فى الاقتصاد. كما اتجهت لزيادة الإقراض التمويلى الشامل للشركات الصغيرة ومتناهية الصغر من قبل البنوك التجارية الكبيرة.

ومن جهة أخرى هناك توقع بقدر كبير أن الصين قادرة على التغلب على التحديات التى قد تواجهها خلال الفترة القادمة والحفاظ على دورها وحصتها فى الاقتصاد العالمى. وكيف لا، وقد رسخت الصين أقدامها فى كثير من اقتصادات العالم المتقدمة والنامية بذراعها الاقتصادية القوية المتشعبة وأعيت كاهل دول كثيرة بالديون حتى نالت من مراكز اقتصادية واستراتيجية فيها، ثم قامت بدور المنقذ الدولي؛ فقد سعت لمساعدة عدد من الدول المنكوبة من أثر الجائحة، وجدولة ديون دول أخرى. فى الوقت الذى يعانى فيه الاقتصاد الأمريكي؛ وبدأ ضعف الثقة فى الورقة الخضراء؛ ليس فقط كنتيجة لجائحة كورونا المزمنة وإنما أيضا نتيجة للاحتجاجات ضد العنصرية والتى مازالت فى أوج اشتعالها. إذ يواصل الدولار النزيف مقابل سلة العملات العالمية، نظرا لإقبال المستثمرين على الأصول الخطرة، وهو ما يتعارض مع السمة التى اكتسبتها الورقة الخضراء باعتبارها أحد الملاذات الآمنة فى أوقات عدم اليقين سواء الاقتصادى أو السياسى.
***
فمن ثقلت موازينه الاقتصادية فى ظل النظام العالمى الجديد الذى بات تحكمه المحركات الصناعية والتكنولوجية والتجارية والمالية، أصبح فى عداد القوى العظمى، وعمل كقطب مؤثر فى التوازنات الدولية والإقليمية. فموازين القوى تتبدل لصالح الطرف الأقوى ليس فقط سياسيا وعسكريا وإنما أيضا اقتصاديا؛ وأصبح الثقل الاقتصادى العالمى هو الركيزة الأساسية التى تسعى إليها دول العالم لكى تصطف فى الصفوف الأمامية للقوى الإقليمية والدولية. فلاشك أن العقوبات الاقتصادية أصبحت سلاحا فعالا يؤتى أكله أكثر من السلاح النووى، وباتت القواعد العسكرية تحمى التجارة البينية أكثر من كونها قواعد للحرب، وبات التسليح تجارة دولية أكثر منه دعما عسكريا!

وبينما نرى الصين تحاول الصعود والفوز فى السباق الاقتصادى العالمى على النفوذ والهيمنة الأمريكية من خلال شبكة متشعبة من التدابير والإجراءات والتفاعلات الاقتصادية من استغلال مواردها، والتلاعب بقيمة عملتها للحفاظ على أسواق صادراتها، وإقراض أقوى اقتصاد بقيمة تجاوز التريليون دولار، وإبرام اتفاقيات تجارة ثنائية بالعملات المحلية مع دول أخرى، وغيرها من التدابير المختلفة. فلاشك أن كل هذا يمكنها من الصعود لدرجة من القوى توازن به القوة الأمريكية لنخرج من دائرة القطب الواحد إلى توازن ثنائى القطب. بيد أن القوى الصغرى من الممكن أن تؤدى دورًا خطيرًا عن طريق الأوضاع الإقليمية والتوازنات الفرعية إذا ما اتسمت بالحكمة والمهارة. لذلك الدول النامية استغلت مثل هذه الصراعات لصالح عملية التنمية كما فعلت بعض الدول أثناء الحرب الباردة كالصين وكوريا الجنوبية.

وختاما لا اختيار بين قطبين؛ فاحتكار القوى الدولية أخطر من الحروب النووية على العالم، بل السعى الإقليمى والدولى للتمكين الاقتصادى كى تنال الدول قسطًا من الثقل الدولى فى موازين القوى.

شيماء صلاح باحثة اقتصادية
التعليقات