كيانات رأسمالية عملاقة.. استراتيجية التنمية والسيطرة - شيماء صلاح - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 12:19 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كيانات رأسمالية عملاقة.. استراتيجية التنمية والسيطرة

نشر فى : الثلاثاء 3 نوفمبر 2020 - 8:40 م | آخر تحديث : الثلاثاء 3 نوفمبر 2020 - 8:40 م
إن القوى الرأسمالية العالمية متمثلة فى الكيانات الرأسمالية العملاقة تمثل مصدر القوة الاقتصادية الأولى فى العالم، وتحتل مكانة لا مفر منها فى البلدان النامية، حيث إنها تلعب دورا فى الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لهذه الدول. وتعظم من منافعها ومصالح الدول الحاضنة لها على حساب الدول المضيفة، مُعلنة استراتيجية للتنمية ومضمرة هدف السيطرة!
وقد أدى نشاط هذه الشركات إلى نتائج سلبية فى نواحٍ متعددة فى هذه الدول خاصة على النشاط الاقتصادى الذى يعكس قوة الدولة ومدى نجاح سياستها الاقتصادية. فإذا كان لهذه الكيانات دور بارز فى تحقيق التنمية الشاملة فى الدول النامية ــ من خلال خلق فرص للعمالة وتحسين مستوى الدخول وارتفاع وتحسين الإنتاجية وكذا تنمية المنافسة المحلية بكسر حدة الاحتكار المحلى لبعض الشركات الوطنية، وبالتالى زيادة حجم المنافسة بين الشركات العالمية سواء كانت وطنية أم أجنبية ــ فإن تلك المساهمة فى عملية التنمية قد لا ترتبط بتنمية فعلية فى الاقتصاد؛ حيث إنها قد لا تطور النشاط الصناعى وتعرض الصناعات الوطنية الناشئة فى الدول النامية للخطر. ويمكن القول بأن درجة إسهام هذه الاستثمارات فى التنمية يتوقف على طبيعة الصناعة أو المجال الذى تستثمر فيه وعلى مستوى التقدم والنمو الاقتصادى للدولة، وقدرة هذه الأخيرة على توجيه وتنظيم تخطيط هذه الاستثمارات. ففى بعض الأحيان قد تؤدى هذه الكيانات لانعكاس سلبى على ميزان المدفوعات فى الدول النامية، فى حالة تحول عائدات الاستثمارات القائمة للخارج بنسبة أكبر من التحويلات الرأسمالية اللازمة للاستثمار المباشر فى حالة عدم وضع قيود على تحويلات هذه العائدات. وقد يغفل البعض عن جانب ذى أهمية عظمى يتمحور حول تقنية البحث والتطوير؛ فنشاط البحث والتطوير فى هذه الكيانات عادة يتم فى الدولة الأم وليس فى الدول النامية التى تعمل بها فروعها، فيظل التقدم والتقنيات الحديثة تؤول فى النهاية للدول المتقدمة بينما يظل البلد النامى مستهلكا لها.
***
على الجانب الآخر الظاهر وغير المعلن فى نفس الوقت فإن تلك الكيانات الرأسمالية تتدخل فى الشئون الداخلية للدول النامية والمضيفة لها، بهدف الحفاظ على مصالحها وأهدافها، والتى غالبا ما تتطابق مع مصالح وأهداف الدول الكبرى، ويمكن القول إن السيادة الوطنية للدول النامية المضيفة لهذه الكيانات باتت مهددة بالخطر نتيجة تأثيرات هذه الكيانات على حكومات الدول المضيفة باتخاذ إجراءات وسياسات ذات صبغة سياسية واقتصادية ضاغطة من أجل خدمة مصالحها الخاصة.
فمن خلال الممارسات والضغوط تبين حجم وقوة هذه الكيانات الرأسمالية العملاقة التى قد ترسم مصير العالم أجمع بما يخدم مصالحها وأهواءها، ولكن ما تعرضت له خلال هذه السطور لا يعنى مطلقا أن نبخس من أهمية دور الاستثمار الأجنبى المباشر من خلال هذه الكيانات الرأسمالية العملاقة فى تجارب التنمية الناجحة، وإنما حتى يؤتى هذا النوع من الاستثمار ثماره وتتفادى الدول النامية مساوئ تلك الكيانات الرأسمالية ينبغى مراعاة خصائص وظروف البلد النامى ومستوى تطوره ووضعه الاقتصادى، وكذلك ضرورة توجيه هذا الاستثمار نحو القطاعات والأنشطة الاقتصادية الأساسية وفق نظام من الأولويات يضمن تحقيق التنمية المستدامة. كما ينبغى منح المستثمر الأجنبى حوافز متقاربة مع المستثمر الوطنى. وضرورة توجيه هذا الاستثمار نحو القطاعات والأنشطة الاقتصادية الأساسية وفق نظام من الأولويات. وضرورة إعطاء أفضلية لمشاركة رأس المال الوطنى مع رأس المال الأجنبى. كما يجب ألا يمس هذا الاستثمار سيادة الدولة، وألا يؤثر على القرار السياسى فى شروط التعاقد بين البلد المضيف وصاحب هذا الاستثمار. كما ينبغى أن يتجه هذا الاستثمار نحو الصناعات التى تخدم المواد الأولية المحلية بدلا من تصديرها.
***
لقد لخصت التجربة التنموية للصين مثالا جيدا للاستفادة من تلك الكيانات وتقليل الأثر السلبى المترتب على دخولها اقتصاد الدولة بضوابط تضمن التنمية المستدامة حتى لا تكون أسيرة لمثل هذه الكيانات التى تقود النظام الرأسمالى العالمى. حيث وضعت الصين معايير للتعامل مع الاستثمار الأجنبى المباشر وفق سياسات وإجراءات أساسية تحقق التنمية وتتجنب المساوئ قدر الإمكان. فكان الاعتماد على النفس عاملا رئيسيا وكسب العون الأجنبى كعامل مساعد أولوية ومبدأ، والتمسك بمبدأ المساواة والمنفعة المتبادلة وضمان الحقوق والمصالح للطرفين الصينى والأجنبى حتى يؤدى هذا الاستثمار إلى تعجيل التنمية.‌ والاهتمام بالفعالية الاقتصادية لهذا الاستثمار الضامنة لتسديد الديون وكسب الأرباح المعقولة. وتوسع الصادرات وزيادة إيرادات العملات الأجنبية الصعبة.
ولعل أبرز سلاح استخدمته الصين للحد من قدرة هذه الكيانات هو سلاح «المنفعة المتبادلة والمصالح المشتركة» حتى تستطيع أن تفرض شروطها وقيودها مقابل شروط وقيود هذه الكيانات الرأسمالية والدول الحاضنة لها ولم تترك نفسها أسيرة النفوذ والسيادة، وتجسد هذا واضحا خلال الحرب التجارية الأمريكية الصينية.
***
مجملا؛ نرى النظام العالمى قد رسم نفسه ووضحت سياساته سواء كانت معلنة أو خفية. بيد أن الدول النامية ــ كجزء من النظام العالمى ــ لا يمكنها ملاحقة التنمية دون الحاجة إلى هذه الكيانات العملاقة والدول المتقدمة؛ فإذا كانت هذه الكيانات عنصرا فاعلا وفعالا فى الدول المتقدمة فهى عنصر مستغل فى الدول النامية، لذلك على الدول النامية أن تعى جيدا حجم الضغوطات والممارسات التى ستفرض عليها من قبل تلك الكيانات، عليها أن تتسلح بقوة اقتصادية داخلية متمثلة فى التصنيع والإنتاج والاعتماد على الذات فى نفس وقت اعتمادها على الكيانات الرأسمالية العملاقة كى يسيرا متوازيين فى اقتحام الاقتصاد العالمى، وإلا ظلت فريسة للخطط والمطامع الدولية وبقيت مجرد أداة. عليها أن تستفيد من تجارب التنمية الناجحة وأن تخوض اقتصاد العولمة بقدر من الاستقلالية الاقتصادية المتمثلة فى الاعتماد على الذات من أجل تنمية مستدامة تؤتى ثمارها فى الأجل القريب.
شيماء صلاح باحثة اقتصادية
التعليقات