مواصلة المسيرة - محمد محمود الإمام - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 2:52 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مواصلة المسيرة

نشر فى : الإثنين 17 أغسطس 2015 - 5:25 ص | آخر تحديث : الإثنين 17 أغسطس 2015 - 5:25 ص

تشهد الأيام المقبلة مواصلة عمليتين جوهريتين فى سبيل الانتقال من المرحلة الثورية بأبعادها المضطربة إلى مرحلة إقامة دولة وطيدة الأركان قادرة على السير قدما بقوة الدفع الذاتى المتواصل، لا يشوب مسيرتها ما يستنفر الشعب إلى موجة ثورية ثالثة لتصحح ما شاب نتاج كل من 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013، سواء لشعور بقصور فى تحقيق الأهداف التى نادت بها الموجة الأولى، أو لإدراك أن الأمر تجاوز الحاجة لمجرد تغيير نظام سياسى إلى إعادة بناء دولة تداعت أركانها الثلاثة: الفرد والمجتمع والنظام، وأننا أصبحنا نواجه تحالفا غير مقدس بين قوى محلية كانت تتحفز للانقضاض على السلطة فوجدت فى سيادة الاضطرابات والانتفاضات المتلاحقة ما يكسبها قوة تفتقدها، وقوى أخرى خارجية أعادت صياغة أساليبها لإجهاض قيام نظام جديد تلتف حوله الشعوب العربية التى تصدعت أنظمتها فى خضم تحول الربيع العربى إلى صيف ملتهب يهدد بالدخول فى مرحلة شتاء لا سبيل إلى الفكاك مما يترتب عليه من جمود يقضى على كل أمل فى استرداد عافيتها، ويغلق أمامها فرصة المشاركة فى بناء الحضارة العالمية التى أطلقتها ثورة تكنولوجية قدمت المعرفة والخدمات المتطورة على المادة والصناعات المتشابكة. وكان حافز شباب 25 يناير إلى التصدى للنظام السائد أنها شعرت أن استمراره سيغلق أمامهم فرصة مستقبل يهيئ لهم حياة يستثمرون فيها معارفهم التى استعصت على الجيل الذى قصرت قدراته عن مواكبة التطورات المتسارعة الخطى على نحو غير معهود.

وقد عبرت منذ ثلاثين عاما عن هذا التطور بعبارة: «أن العالم ينتقل من مرحلة فيها من يملك يستعبد من لا يملك، إلى مرحلة فيها من يعرف يستبعد (بل ويستأصل) من لا يعرف». وترتب على ذلك ««أن العالم الثالث ينتقل من مرحلة الاستغلال التى أفرزها الاستعمار فى مرحلة سيادة المادة والتصنيع للتحكم فى موارده الطبيعية والبشرية وأسواقه، إلى مرحلة استغناء تكتفى فيها الدول القائدة للتطور باجتذاب الشباب النابهين منه، والقضاء على بقاء مواطنيه الذين يمثلون كتلة استهلاكية لمنتجات تقليدية تستنفد موارد فى أنشطة فقدت أهميتها الاقتصادية».

***

وبغض النظر عن الظروف التى أتت بعبدالفتاح السيسى إلى الحكم، فإن المشكلة المركبة التى أشرنا إليها زاد من حدتها أن تجربة مرسى قد أظهرت أمرين تاها فى خضم الصخب الذى أعاق القدرة على التحليل الهادئ البناء الذى يضىء الطريق أمام الخروج من نفق ما يسمى المرحلة الانتقالية، فقد أزيح الغطاء عن مدى التجريف الاجتماعى الذى نجح نظام مبارك فى اعتماده كقاعدة لتثبيت تسلط نظام شللى قائم على تزاوج السلطة والأعمال، وليس على تركيبة اجتماعية طبقية، تحصر السلطة فى مختلف مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية فى طبقة لا تتعدى نصف بالمائة من المجتمع تهضم حقوق الغالبية الساحقة المسحوقة مما أشاع ظلما اجتماعيا استدعى تحول انقلاب 23 يوليو 1952 على قيادة جيش فاسدة إلى ثورة تجتث جذور البنيان الاجتماعى المختل لتبنى عوضا عنه تنظيما تذوب فيه الفوارق بين الطبقات ويحقق الكفاية والعدل للجميع. وقد استشعر المجلس العسكرى، بقيادة طنطاوى، خطورة ما يُبيّت للقضاء على المؤسسة الوحيدة التى بقيت متماسكة وحمت الثورة فى أيامها الأولى، فرضخ للضغوط المتصاعدة لنقل السلطة إلى قوى شديدة السلفية، سواء فى التمسك بالعقيدة الدينية، أو فى العقيدة الدنيوية التى ربطت مصير مصر بالإرادة الأمريكية ترسيخا لسلام الاستسلام الذى أتاح لإسرائيل التحكم فى أوضاع المنطقة بما يتفق ورؤية أمريكا التى ربطت مصير مصر بخدعة المعونة الأمريكية. وحينما هبت عشرات ملايين المصريين فى 30 يونيو لتزيح عن كاهلها نظاما ثبت أنه أشد فسادا من سابقه، جرى تأليب كل القوى الخارجية على الإرادة المصرية، فكان تدخل القوات المسلحة بقيادة السيسى هو الذى أوقف التيار الذى عزم على القضاء على القوة العسكرية المتماسكة الوحيدة فى الوطن العربى، لتغوص جميع بلدانه فى مستنقع لا فكاك منه.

أصبحت المهمة اللازمة لإعادة البناء متعددة الأبعاد فى فترة تعذر وجود كتلة شعبية قادرة على التماسك وبذل الجهود اللازمة لإعادة وضع القافلة على بداية الطريق السليم. وكان لابد من التصدى للحشد الخارجى الساعى إلى إجهاض المسيرة يتطلب العمل على جبهتين: الأولى هى توفير الحد الأدنى من التقارب الداخلى، الذى يتخطى الشروخ التى فتتت الجسد الوطنى، والتى لم يعد يكفى لمعالجتها المطالبة بتحكيم العقل، فكان السبيل الوحيد هو طرح تحركات تلقى قبولا عاما، فتعتاد الجماهير العمل معا إلى أن تثبت لديها جدوى نبذ الخلافات والاستعداد للتحاور حول ما يظل قائما منها، وهو من أهم مبررات إرساء نظام ديمقراطى. من جهة أخرى لابد أن ترسل تلك الخطوات رسالات إلى الأطراف العالمية المعادية أو المتشككة، بأن مصر مستعدة لأن تصادق من يصادقها. ويقتضى هذا توسيع نطاق الصداقات الخارجية الإضافية دون استعداء طرف على آخر، وإثبات أن مصر تسعى إلى، وتستفيد من، التعامل مع النظام العالمى المتطور كمساهم إيجابى فى إتاحة فرص لمنافع متبادلة دون انتقاص من سيادتها فى ظل عولمة متسارعة الخطى، ويتبع ذلك أن حرص الأطراف الخارجية على المصالح المستجدة يدفعها إلى مؤازرة جهود مقاومة قوى الإرهاب التى تهدد الأمن المصرى خاصة فى سيناء والمشرق العربى. يذكر أن أمريكا حرصت على تأمين حقل بترول مرجان الذى كانت تستغله من تداعيات حرب 1967 التى سعت إلى إشعالها.

***

وباعتقادى أن طرح مشروع قناة السويس الثانية والإصرار على إنجازه فى أقصر فترة ممكنة، وإن أضاف إلى الكلفة الاقتصادية فى الأجل القصير (وليس الطويل) كان اختيارا صائبا من الوجهات السياسية الدولية والاجتماعية المحلية، فضلا عن عائد اقتصادى يستغرق وقتا قد يطول، كشيمة مشاريع البنية التحتية. ويخطئ من يدعى أنه غير مجد، وفق المعايير المحصورة فى قياس العائد المالى المباشر، كمدخل لمهاجمة ما يسمونه حكم العسكر.

ولكن تحقيق أهداف الثورة ومتطلبات التنمية المستدامة لا يتوقف على مشاريع كبرى تدر عائدا يصحح خلل ميزان المدفوعات الكلى، بل إن الأولوية الملحة تكمن فى انتشار التنمية فى مختلف الأقاليم (بما فيها سيناء) لأن إهمالها هو الدافع الحقيقى للثورة وهو المتسبب فى ظاهرة العشوائيات والاحتقان الاجتماعى ونعرض الشباب لمخاطر الهجرة غير المشروعة بعد أن سدت أمامهم فرص العمل التى تصون كرامتهم الإنسانية. وإذا كان السيسى قد مد يدا بمبادرة مشروع قناة السويس الثانية واستجاب الشعب لأول بادرة تؤذن بإنهاء مرحلة النزول إلى الشارع والمكالمات الإعلامية التى تدور رحاها بين من يدعون أنهم يطرحون آراء فى أمور لا يملكون دراية عنها، ولا أعتقد أن السيسى يرى فى هذه التجربة مجرد تذكرة للبقاء فى الرئاسة. ولكننا بالمثل لا يجب أن نظل مترقبين خطوات متتالية منه يستحسنها البعض ويحقر من شأنها آخرون. وإلا كنا قد أزحنا فرعونا لنصنع بديلا له. علينا أن نطرح تصورات نناقشها معا ونطلب من الرئاسة – أيا كانت – أن توفر لها النجاح. وبما أننا مقبلون على نهاية خارطة الطريق لاختيار ممثلين يحسنون تمثيل مختلف فئات الشعب، وبما أن الدكاكين الحزبية أضاعت الوقت فى طواحين هواء تسمعنا قعقعة ولا ترينا طحنا، فإن علينا أن نبدأ دون تأخير مرحلة لقاءات جماهيرية على الصعيد الإقليمى، تناقش البدائل المناسبة لتنمية تراعى تعظيم الاستفادة من الإمكانيات المتاحة لكل إقليم وبناء القدرات اللازمة للنهوض المتوازن إقليميا والمترابط قوميا لتجرى الانتخابات المقبلة على أسس سليمة، وليس نتيجة صراع حزبى بتنازع على نظام فردى أو بالقائمة، فى دليل صارخ على أنها أحزاب تتصارع على الصناديق ولا تمتلك ما تتبارى به فى خدمة الشعب.

محمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق
التعليقات