تايوان وخطر الحرب - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
الثلاثاء 5 نوفمبر 2024 3:06 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تايوان وخطر الحرب

نشر فى : السبت 18 فبراير 2023 - 8:45 م | آخر تحديث : السبت 18 فبراير 2023 - 8:45 م

خلال الأسابيع الماضية، تصاعدت حدة التوتر فى شرق آسيا، ولكن هذه المرة ليس بسبب كوريا الشمالية كما هو المعتاد، ولكن بسبب قيام الجيش الصينى بتدريبات ومناورات عسكرية مكثفة فى مضيق تايوان، وهو المضيق الذى يفصل بين الصين وتايوان وهو أيضا جزء من بحر الصين الجنوبى!

لم تكن هذه هى المرة الأولى التى تقوم فيها الصين بهذه المناورات العسكرية، ففى أغسطس من العام الماضى نفذت الصين واحدة من أكبر مناوراتها العسكرية بالقرب من تايوان وهو ما أدى إلى ارتفاع حدة التوتر فى شرق آسيا وخصوصا فى تايوان واليابان والولايات المتحدة! تجددت التدريبات العسكرية مرة أخرى وإن كان بشكل أقل فى ديسمبر الماضى، ثم ومع مناورات عسكرية جديدة فى يناير من هذا العام، أصبح التساؤل مشروعا حول مدى إمكانية قيام الصين بشن هجوم عسكرى شامل لاحتلال تايوان؟

قطعا التساؤل كان مشروعا منذ قيام روسيا بحملتها العسكرية ضد أوكرانيا العام الماضى، حيث خصصت مراكز البحث والفكر فى الولايات المتحدة واليابان وبعض الدول الغربية وقتها الكثير من الحديث حول مدى إمكانية قيام الصين بعملية عسكرية ضد تايوان مماثلة لتلك التى قامت بها روسيا!

العلاقة المعقدة بين الصين وتايوان تعود إلى القرن الماضى حيث هُزم القوميون الصينيون بواسطة الشيوعيين بعد حرب أهلية طويلة ومهلكة فانتهى الأمر بانفصال فعلى بين الدولتين حيث سيطر الشيوعيون على الأولى، بينما استأثر القوميون بالثانية! تباعدت العلاقات أكبر بعد أن أصبح القوميون فعليا هم ممثلو الصين فى مجلس الأمن، قبل أن يعود المقعد الدائم إلى حكومة الصين الشيوعية بعد الصلح وإعادة العلاقات الدبلوماسية مع الصين فى سبعينيات القرن الماضي! استمر هذا التباعد وخصوصا بعد أن تحول الحكم فى تايوان إلى حكم ديموقراطى متبنيا التعددية الحزبية للمرة الأولى مع نهاية الثمانينيات!

ورغم أن الصين لم تعترف أبدا باستقلال تايوان، إلا أن الصيغة الشهيرة بـ«دولة واحدة ونظامين» وهى الصيغة السياسية التى حكمت علاقات الصين بهونج كونج وماكاو أصبح معمولا بها كأمر واقع مع تايوان مع نهاية التسعينيات رافضة أن يكون لتايوان أى تمثيل ديبلوماسى مستقل! ورغم هذا الحصار الديبلوماسى تمكنت تايوان عبر وسائل ديبلوماسية بديلة متعددة من إقامة علاقات قوية مع عدد من دول العالم وفى مقدمتها الولايات المتحدة واليابان والبرازيل.
• • •

نعود إلى السؤال، هل تقوم الصين بشن حرب واسعة تقوم فيها باجتياح تايوان وضمها بشكل أحادى؟ يعتقد الكثير من المتابعين أن شن مثل هذه الحرب يتطلب الكثير من الاستعدادات العسكرية والإجراءات الاقتصادية التى ستمكن دولا كثيرة وفى مقدمتها الولايات المتحدة من رصدها مسبقا، وبالتالى فإن مثل هذه الحرب بحسب هذه التحليلات من المستحيل أن تحدث بشكل مفاجئ مدللين بذلك على أن الغزو الروسى لأوكرانيا لم يكن مفاجئا حيث رصدته مقدما المخابرات الأمريكية وأعلنته قبل وقوع الغزو الفعلى بأسابيع رغم سخرية موسكو من هذه التقارير!

منذ عامين، تحدث أحد الجنرالات المرموقين المتقاعدين فى الولايات المتحدة عن احتمال غزو الصين لتايوان بحلول عام ٢٠٢٧ وهو الحديث الذى انتشر فى العديد من الأوساط الإعلامية والأكاديمية، لكنه رغم ذلك لم يكن هناك أى أدلة على هذا الادعاء أو التوقيت بالذات بينما يدور فى عالمى الصحافة والدبلوماسية فى الولايات المتحدة حديث آخر عن تسريبات مخابراتية أمريكية عن غزو محتمل لتايوان بواسطة الصين، لكن مرة أخرى لا يوجد شىء ملموس بعد ليؤكد أو ينفى هذه التسريبات!

هنا ولمحاولة فهم ما قد يحدث فى المستقبل لا بد أن نفرق بين ثلاث نقاط محورية من خلال الإجابة على ثلاث أسئلة، الأول هل ترغب الصين فعلا فى ضم تايوان إليها؟ أما السؤال الثانى فهو هل تقدر الصين على تحمل تكلفة مثل هذا الغزو أو الضم المحتمل حال وقوعه؟ وأخيرا يأتى السؤال المنطقى الثالث، فحتى لو قامت الصين بشن حربا ضد تايوان وسواء كان ذلك مفاجئا أم لا ما الذى يمكن للولايات المتحدة أو الغرب أن يفعله؟
• • •

فيما يتعلق بالسؤال الأول، فبكل تأكيد الإجابة هى نعم! فبكين لم تعترف أبدا بتايوان كبلد مستقل وما زالت الرؤية فى الحزب الشيوعى هى أنهما ليسا فقط بلدا واحدا، ولكنهما أرض واحدة لابد أن تتحد! بكل تأكيد هذه القناعة داخل الحزب لا تعنى أبدا أن الحرب لا بديل عنها، لكن هناك الكثير من الوسائل الأخرى لتحقيق حلم الوحدة مع تايوان وأهمها الأدوات الاقتصادية والثقافية، ولعل الاستراتيجية الصينية فى هذا الصدد ناجحة للغاية خلال السنوات القليلة الماضية وخصوصا من الناحية الاقتصادية حيث تضاعف عدد السياح الصينيين إلى تايوان قبل انتشار الوباء وكذلك تضاعف عدد العاملين التايوانيين فى الصين، لكن هل هذا يكفى لإعادة ضم تايوان؟ بكل تأكيد لا، فالحزب الحاكم فى تايوان هو الحزب الديموقراطى التقدمى وهو حزب مشهور عن معارضته القوية لحكومة بكين وسياسات الرئيس شى! ثم فحتى لو افترضنا أن تغير الحزب الحاكم وأن هذا التغير أسفر عن وصول أحزاب أخرى، فهل يقبل الشعب التايوانى بحكم صينى؟ يظل هذا دوما محل شك!

أما ما يتعلق بالسؤال الثانى فهذا سيكون محور الحديث بكل تأكيد فى بكين حال قررت الأخيرة شن الحرب! لا شك أن الصين لديها القدرة العسكرية على الغزو، لكن الدرس الروسى ما زال حاضرا أمامها، فروسيا لديها قدرات عسكرية تفوق أوكرانيا، لكن ما حدث هو أن روسيا وقعت فى مستنقع كبير وما اعتقدته حربا سريعة انتهى بورطة قد تظل عالقة بها لسنوات قادمة! ثم إن الأمر لا يتعلق فقط بالقدرات العسكرية! ولكنه يتعلق أيضا بردود الفعل الدولية واحتمال تأثر صادرات الصين وتجارتها العالمية بقوة حال إقدامها على هذه الخطوة وخصوصا من الغرب والولايات المتحدة! وإذا ما أخذنا فى الاعتبار تأثر الاقتصاد الصينى بقوة خلال السنوات الثلاث الماضية نتيجة لفيروس كورونا فإن أى هزات اقتصادية قادمة قد تكلف الصين ما هو أكبر من مجرد خسائر اقتصادية، حيث قد يدفع النظام السياسى فى بكين نفسه الثمن!

أما عن السؤال الثالث، ما الذى يمكن للولايات المتحدة أو الغرب أن يفعله حال شنت الصين حربا على تايوان؟ فالإجابة ليست صعبة، لأننا قد نقيسها على رد فعل نفس هذه الدول على شن روسيا حربها ضد أوكرانيا! فباستثناء الشجب والاستنكار والمساعدات العسكرية (غير المباشرة) وبرامج الدعم الاقتصادى والتلويح بالعقوبات فإن الولايات المتحدة وحلفاءها فى الغرب من غير المحتمل أن تتخذ إجراءات أبعد من ذلك حال سقوط تايوان فى يد حكومة بكين!

ومن هنا فإن قرار شن هجوم على تايوان ليس مستحيلا، ولكنه لن يمر دون تبعات! ولأن الصين مازالت تدفع تكلفة الجائحة، ولأنها تخشى من الدخول فى مستنقع حرب طويلة قد لا تخرج منها بسلام، فإن الأقرب أن الصين ستظل تتحرش عسكريا بتايوان انتظارا للحظة مناسبة قد تمكنها من توجيه ضربة عسكرية محدودة لا حرب شاملة، وفى كل الأحوال لا يبدو أن هذا الاحتمال سيحدث فى الأجل القريب، ولكنه يظل دائما خيارا فى يد بكين قد يكون ــ بجانب الحرب الروسية على أوكرانيا ــ علامتين فارقتين فى تشكيل نظام دولى جديد!

أستاذ مساعد للعلاقات الدولية ــ جامعة دنفر

 

أحمد عبدربه أستاذ مشارك العلاقات الدولية، والمدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر