السد الإثيوبي.. قبل الوصول للسيناريوهات الصعبة - أيمن النحراوى - بوابة الشروق
الإثنين 13 مايو 2024 12:11 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

السد الإثيوبي.. قبل الوصول للسيناريوهات الصعبة

نشر فى : الثلاثاء 18 يوليه 2023 - 8:45 م | آخر تحديث : الثلاثاء 18 يوليه 2023 - 8:45 م

نهر النيل للشعب المصرى ليس كبقية الأنهار، فنحن الشعب الوحيد فى التاريخ الذى اعتبر النهر كيانا مقدسا، لارتباطه بحياته ووجوده، اليوم تقف مصر فى مواجهة تهديد حقيقى يتعلق بحياتها ووجود شعبها، هذا التهديد يحوم حول مياه النيل شريان الحياة الذى تمركزت حوله حياة وحضارة الشعب المصرى منذ فجر التاريخ.
العلاقات المصرية الإثيوبية قامت على أسس تاريخية عريقة، فتاريخ العلاقة بين الكنيسة المصرية والإثيوبية يعود إلى القرن الرابع الميلادى حين قام بابا الإسكندرية بإرسال أول أسقف لإثيوبيا وهو الأنبا سلامة، وطوال خمسة عشر قرنا جرى التقليد أن يكون رأس الكنيسة الإثيوبية هو أسقف مصرى، واستمر هذا التقليد حتى مطلع القرن العشرين عندما توج أول بطريرك إثيوبى للكنيسة الإثيوبية.
ولا ينسى المسلمون أن إثيوبيا كانت فى فجر الإسلام ملاذا وملجأ للمسلمين الأوائل من اضطهاد قريش، فهاجروا إليها يلتمسون الأمان عند ملكها النجاشى، ويذكرون باعتزاز الحوار بين وفد قريش والنجاشى وجعفر بن أبى طالب، وسؤال النجاشى له: هل معك شىء مما جاء به رسولكم؟ فقرأ جعفر من أول سورة مريم، فبكى النجاشى والأساقفة النصارى، وقال قولته الشهيرة: إن هذا والذى جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة. وقال لوفد قريش: اذهبوا فوالله لا أسلمهم إليكم أبدا ورد عليهم هداياهم.

• • •

اقتصاديا كانت مصر ممثلة فى البنك الأهلى المصرى هى من أقامت أول نظام مصرفى حديث فى إثيوبيا بإنشائها بنك الحبشة عام ‏1905‏ وذلك فى زمن الخديوى عباس حلمى الثانى والإمبراطور منليك، ثم أسس بنك الحبشة كفرع للبنك الأهلى المصرى‏ حيث تولى مسئولية سك العملة‏ وطباعة أوراق النقد، ثم أصبح بنك الحبشة بعد ذلك البنك المركزى والتجارى الوحيد فى إثيوبيا‏.
أيضا كانت مصر وكجزء من توجهاتها الحميدة تجاه إثيوبيا وراء اختيار أديس أبابا لعقد مؤتمر تأسيس ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية عام 1963، وكذلك تأييدها بتوجيه من الرئيس عبدالناصر لاختيار أديس أبابا كمقر للمنظمة فى بادرة طيبة تجاه إثيوبيا، برغم أن القاهرة كانت تقود حركات التحرر الأفريقى وتدعمها، وما كان أسهل عليها من أن تكون القاهرة هى مقر المنظمة.
السليم والصحيح فى ظل ما سبق أن تسير العلاقات المصرية الإثيوبية فى إطار من التعاون والتكامل وهما أقوى من الاختلاف والنزاع، وبقدر ما تنظر مصر إلى مسألة مياه النيل باعتبارها مسألة حاسمة تتعلق بأمنها القومى وحياة شعبها، فإن مصر أيضا ترحب بقيام إثيوبيا بتنمية مواردها وتطوير إمكاناتها الاقتصادية، دون أن يمس ذلك بحقوق مصر الثابتة والمؤكدة فى حصتها من مياه النيل.
خاضت مصر والسودان وإثيوبيا مفاوضات مطولة فى محاولة للتوصل إلى اتفاق متوازن وقانونى ملزم لكن دون نتيجة؛ الأمر الذى أدى إلى تجميد المفاوضات منذ أبريل 2021، وفرضت تلك التطورات على مصر التوجه إلى مجلس الأمن الذى أصدر من قبل قرارا رئاسيا يدعو إلى تسريع المفاوضات وإبرام اتفاق يراعى مصالح ويرضى جميع الأطراف، كما دعمت قرارات القمة العربية الأخيرة حقوق مصر والسودان العادلة فى مياه النيل.
جاء تدهور الموقف والاضطرابات والصراع الدائر فى السودان، فى توقيت بالغ الحساسية بالنسبة لمسألة السد الإثيوبى، الأمر الذى سيؤدى إلى حضور إثيوبى إقليمى على حساب السودان، وسيلقى بمزيد من الأعباء على الدولة المصرية وتحركاتها الإقليمية والدولية.
وما يجعل الأمر أكثر خطورة وتعقيدا أن الملء الرابع يتراوح حجمه ما بين 20 إلى 25 مليار متر مكعب وهى قيمة ضخمة وخطيرة، ولا سيما إذا علمنا أن إجمالى التخزين خلال المرات الثلاث السابقة كان 17 مليار متر مكعب فقط، أى أن الملء الرابع وحده وبهذا الحجم كفيل بخلق مشاكل حقيقية خطيرة لمصر والسودان، ويضع مقدرات الحياة فى البلدين رهنا به.
• • •
لكن بارقة أمل كبرى ظهرت فى الآونة الأخيرة منذ أيام بعد لقاء الرئيس عبدالفتاح السيسى ورئيس الوزراء الإثيوبى آبى احمد على هامش اجتماع الدول المجاورة للسودان فى القاهرة، حيث صدر إعلان مشترك يتضمن الشروع فى مفاوضات عاجلة للانتهاء من الاتفاق بين مصر وإثيوبيا والسودان لملء السد الإثيوبى وقواعد تشغيله، والاتفاق على بذل جميع الجهود الضرورية خلال أربعة أشهر.
وأوضحت إثيوبيا فى هذا البيان التزامها بأنها خلال فترة المفاوضات وأثناء ملء السد خلال العام الهيدرولوجى 2023 /2024 تتعهد بعدم إلحاق ضرر ذى شأن بمصر والسودان، وبما يوفر الاحتياجات المائية لكلتا الدولتين.
وفى السادس من يوليو الحالى وفى الأسبوع السابق على قدومه إلى القاهرة، كان رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد قد أعلن فى البرلمان الإثيوبى أن حكومته قد اتخذت قرارا بالتقليل من وتيرة الملء الرابع للسد، على أن تنجز فى نهاية شهر أغسطس أو أوائل سبتمبر المقبلين، بدلا من نهاية يوليو الحالى، مشيرا إلى حرص بلاده على عدم إلحاق الضرر بدولتى المصب مصر والسودان.
الزخم السياسى للإعلان المشترك ومحتواه جاء إيجابيا من جميع الأطراف المعنية والإقليمية والاتحاد الأفريقى، وتصاعدت الآمال لدى الجميع فى إجراء مفاوضات جادة وحقيقية والانتهاء منها فى غضون أربعة أشهر، باتفاق قانونى متوازن وملزم يحقق طموحات ومصالح الجميع.
الجميع فى مصر والسودان اليوم لديهم تفاؤل كبير بالتوجه الإثيوبى، ويحدوهم الأمل أن يكون آبى أحمد «أفلح إن صدق»، وبرغم ذلك فهذا التفاؤل يشوبه الترقب والحذر بتأثير عشر سنوات من المناورات الإثيوبية المستمرة والتعنت فى التمسك بفرض وجهة نظرها حول النقاط الخلافية والإصرار على عدم الالتزام باتفاق قانونى ملزم، فأوصلت الجولات التفاوضية السابقة إلى طريق مسدود.
سنتمسك بالتطلعات الإيجابية والآمال لحل ذلك النزاع طوال الشهور الأربعة القادمة، فالتوصل إلى اتفاق قانونى ملزم سيكون خطوة تاريخية كبرى للتعاون والتنمية والاستقرار والتقدم، ويعفى الجميع من سيناريوهات صعبة لا يعرف مداها إلا الله.

أيمن النحراوى  خبير اقتصاد النقل والتجارة الدولية واللوجيستيات
التعليقات