ثنائية الثورة والعنف .. حرب الجميع ضد الجميع - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 5:52 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ثنائية الثورة والعنف .. حرب الجميع ضد الجميع

نشر فى : الخميس 18 أغسطس 2011 - 9:19 ص | آخر تحديث : الخميس 18 أغسطس 2011 - 9:19 ص

 كم كان المرء يشعر بالفخر إبان الثورة وهو يستمع إلى شعار «سلمية.. سلمية» الذى ردده أولئك الذين نزلوا إلى الشوارع فى تلك الأيام العظيمة ليصنعوا مستقبلا جديدا لمصر، وكم كان الفخر يزداد عندما رأى المرء بعينيه أن جماهير الثورة قد التزمت بالفعل بهذا الشعار بحيث أصبح مصدر قوة لها فى وجه الاستخدام المفرط للعنف. غير أن الأمور بدأت تتطور لاحقا نحو نموذج «حرب الجميع ضد الجميع» الذى استخدمه هوبز ليبرر الحكم المطلق، فالثورة لم تفرز قيادة متماسكة، وجهاز الشرطة أصيب بانكسار عظيم، ومن هنا بدأ المواطنون يتصرفون وكأنهم لا يعيشون فى ظل دولة، وأخذ العنف يتسلل إلى حياتنا اليومية بشكل مفزع، فهاجم الناس أقسام الشرطة لإخراج المتهمين منها عنوة، وهاجموا المستشفيات لإجبار أطبائها على علاج مريض أو لاختطاف آخر، وهاجموا المحاكم أو اشتبكوا داخلها لأن الإجراءات أو الأحكام لا تعجبهم، وهكذا.. وهذا كله باستبعاد «العنف الأكبر» الذى يتم لأسباب عقائدية سياسية واضحة كأحداث العريش.

ويصاب المرء بالرعب من تأثير هذه الحلقة الجهنمية على مستقبل الوطن، وفى العشرة أيام الأخيرة السابقة على كتابة هذا المقال لم يخل يوم واحد من أحداث عنف مروعة سقط فيها قتلى بالعشرات وجرحى بالمئات، حتى إننى أتوقع لو بقى الحال على ما هو عليه لفاق عدد ضحايا هذه الأحداث بكثير عدد شهداء الثورة ومصابيها، وهى تتفجر لأتفه الأسباب حتى ولو كانت هناك رواسب وخلفيات قديمة أو أصحاب مصالح فى حدوث ما يحدث، وفى أكثر من حالة وُضعت علامات استفهام أمام الدور الذى قام به أعضاء مجلس شعب سابقون تمهيدا للمعركة الانتخابية القادمة. وثمة ملاحظات عديدة يمكن أن ترد على ظاهرة العنف المتفاقم التى يشهدها المجتمع المصرى الآن.

هناك أولا أنه لم يعد يمر يوم كما سبقت الإشارة دون وقوع حدث مروع أو أكثر، وهناك ثانيا أن أحداث العنف تقع بطول الوطن وعرضه، وهناك ثالثا أن أسبابها المباشرة شديدة التفاهة، وحتى فى حالة وجود الرواسب والخلفيات فلماذا تتفجر الأمور الآن على هذا النحو؟ وهناك رابعا الانتشار المخيف للأسلحة النارية وزجاجات المولوتوف واستخدامها جميعا على نطاق واسع، وهناك خامسا وأخيرا الدور الذى يزداد قوة يوما بعد يوم «للبلطجية» فى حياتنا اليومية ومشاركتهم فى أعمال العنف أو حتى قيادتهم لها.

وليسمح لى القارئ الكريم بأن أتوقف عند الأسباب لكى نتأكد من تفاهة الأسباب المباشرة، فهل نعلم أن خمسة صدامات كبرى تضمن بعضها مذابح حقيقية قد تفجرت بسبب «لعب الأطفال»؟ وأن هناك أخرى بدأت بإنشاء «فرن كنافة» أمام منزل؟ أو برش مياه أمام المنازل؟ أو مزاح تحول إلى مشادة؟ أو خلاف على جذب زبائن لركوب «توك توك»؟ أو توزيع لشنط رمضان أدى إلى زحام أمام متجر؟ وحتى الصدامات الأهم فى جرجا تمت بسبب اصطدام «توك توك» بفاترينة عرض، كما أن بداية أحداث المنيا الطائفية شديدة التفاهة، وإن اختلفت الصحف فى تصويرها بين قائل بأنها بدأت بمشاجرة بين سائق قبطى ومالك منزل مسلم أقام مطبا صناعيا أمام منزله، وفى رواية أخرى أنها بدأت بمرور دراجة بخارية «مسلمة» بسرعة لا تليق أمام كنيسة. والحقيقة أن الشىء الوحيد المطمئن فى هذا العنف هو التراجع الواضح للأحداث الطائفية فضلا عما تثبته حلقة العنف الجهنمية من أن أحداث العنف الطائفية ابنة شرعية لحالة المجتمع.

إن الأمر جد خطير، ولو ترك دون علاج لربما أدى إلى تصفية الثورة، وقد آن أوان المكاشفة بالسبب فى عدم قدرة الشرطة حتى الآن على إثبات حضورها الفاعل، ووضع خطة عاجلة بمشاركة مجتمعية لتجاوز هذا الوضع، وإلا فإن الانتخابات قريبة، ولنا أن نتوقع كوارث إذا بقيت الأمور على ما هى عليه، كما أن الخطاب السياسى الرسمى على المستوى القيادى يجب أن يلعب دوره فى هذا الصدد، وإلا كنا نكرر خبرة مبارك فى اللامبالاة بأحداث كبرى فى المجتمع، ويجب أن يكون العقاب رادعا للمتسببين فى العنف وليس المصالحات العرفية، وعلى النخبة السياسية أن تلتفت إلى هذه الظاهرة المخيفة، وتبقى مسئولية علماء الاجتماع فى تقديم النصيحة العلمية للجميع، وإلا فلنستعد لمواجهة أوخم العواقب.

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية