الرئيـس والسياسة الخارجية - سيد قاسم المصري - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 11:10 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الرئيـس والسياسة الخارجية

نشر فى : السبت 18 أغسطس 2012 - 9:15 ص | آخر تحديث : السبت 18 أغسطس 2012 - 9:15 ص

خذ حذرك من المعوقين الذين لا يريدون بمصر علوا ولا شأنا فى الساحة الدولية ويريدونها صغيرة محجمة طيعة لا تبادر ولا تقود ولا تُقْدِم.. خذ حذرك من المرتجفين الذين يشيرون عليك بألا تفعل كذا حتى لا تغضب أمريكا، ولا تقترب من معاهدة السلام حتى لا تغضب إسرائيل، ولا تقترب من إيران حتى لا تغضب السعودية والإمارات ودول الخليج، فلا داعى لحضور قمة عدم الانحياز فى طهران حتى لا يساء تفسير ذلك خليجيا وأمريكيا.. والقائمة تطول حتى تشمل كل تحرك دولى.. فإن استمعت إليهم فلن تنهض مصر من كبوتها التى طال عليها الزمن حتى أضحت كسيحة غير قادرة على الحركة.

 

لقد أتاح الله إليك فى بداية عهدك فرصا كثيرة لعودة مصر إلى الساحة الدولية من أوسع الأبواب.. وأولى هذه الفرص هى قمة عدم الانحياز التى ستعقد فى طهران فى نهاية هذا الشهر، إن مصر باعتبارها الرئيس الحالى للقمة لا يسعها حتى من الناحية الاجرائية البحتة أن تُمَثل فى هذه القمة بمستوى أقل من المستوى الرئاسى. كما أن دور مصر لن يتوقف بتسليم الرئاسة.. فقد استحدثت الحركة نظام الترويكا أى لجنة من رؤساء الحركة الثلاثة ــ الحالى والسابق والقادم ــ لقيادة الحركة وستكون مصر عضوا فى الترويكا كرئيس سابق.

 

•••

 

إن مبادئ عدم الانحياز العشرة يا سيادة الرئيس تصلح أن تكون هى مبادئ ثورتنا المصرية المجيدة فهى تتحدث عن احترام حقوق الإنسان والمساواة بين جميع الاجناس ومع الدول كبيرها وصغيرها واحترام السيادة الإقليمية والاستقلال السياسى وحق الدفاع الشرعى عن النفس الفردى والجماعى والامتناع عن استخدام القوة أو التهديد باستخدامها وتسوية جميع المنازعات بالطرق السلمية والتعايش السلمى والتعاون الدولى والعدالة فى العلاقات الدولية.

 

وأولى بمصر الثورة ألا تغيب عن هذه الساحة بل تنخرط فيها بكل قوة وتعمل من أجل تعميق هذه المبادئ وإعادة الاحترام الدولى لها والالتزام الدولى بها. لا تسمع يا سيادة الرئيس لمن يقول لك إن حركة عدم الانحياز قد عفى عليها الزمن وانتهى دورها بنهاية الحرب الباردة.. فلم يعد هناك مجال لكى تقف على الحياد ولا تنحاز.. وانا أقول لهم ان دور عدم الانحياز أوسع من ذلك بكثير فهو أكبر تجمع دولى بعد الأمم المتحدة، حيث يضم فى عضويته 120 دولة من جميع قارات العالم وهو يسعى جاهدا لعودة التعددية فى العلاقات الدولية Multilateralism من خلال الدبلوماسية المتعددة الأطراف عوضا عن الدبلوماسية الأحادية التى سادت بعد انتهاء الحرب الباردة وانفردت فيها الولايات المتحدة بإدارة شئون العالم Unilateralism... حتى أصبحت أمريكا وعدة دول غربية تعد على أصابع اليد الواحدة تطلق على نفسها اسم المجتمع الدولى وعلى قراراتها أنها قرارات المجتمع الدولى. ان من أهم حسنات بقاء عدم الانحياز وصموده فى وجه الدعوات التى تطالب بتصفيته أو بدمجه فى مجموعة الـ77.. من أهم نتائج صموده انه أصبح الآن المنبر الذى تستطيع دول العالم الفقيرة والصغيرة والبازغة أن تنسق مواقفها وتسمع صوتها.

 

•••

 

إن العالم كله يرقب مصر هذه الأيام.. فإن غابت عن القمة ومثلت بمستوى أقل من الرئاسى فسيعلم العالم كله انها عادت إلى نهج مبارك.. وان ذهبت وساهمت فقد أعلنت للعالم كله أنها عادت إلى مكانها الطبيعى فى الساحة الدولية. وأخيرا فلا يجب أن نتوقف أمام محاذير وهمية تحذرنا من المد الشيعى أو من غضب السعودية ودول الخليج.. فلا علاقة بمستوى الحضور فى مؤتمر عدم الانحياز بالمد الشيعى المتوهم أو الحقيقى كما ان السعودية نفسها دعت الرئيس الإيرانى لحضور القمة الإسلامية فى مكة المكرمة فى ليلة القدر.

 

•••

 

أما المناسبة الثانية الكبرى لتأكيد عودة مصر إلى الساحة الدولية فهى انعقاد القمة الإسلامية القادمة فى مصر فى مطلع العام المقبل وهى أول قمة تعقد فى مصر منذ إنشاء قمة التعاون الإسلامى (المؤتمر الإسلامى سابقا) فى عام 1971، حيث أدار رؤساء مصر الثلاثة منذ انقلاب عام 1952 ظهورهم للعالم الإسلامى ولأسباب مختلفة، فعبدالناصر كان ينظر لتجمع الدول الإسلامية على أنه تجمع للدول الرجعية وأنصار الاستعمار التابعة للهيمنة الأمريكية، وفى الواقع فإن عبدالناصر سواء بالمصادفة أو عن قصد صادق الدول التى تكن عداءات تاريخية للمسلمين.. مثل روسيا والصرب (يوغوسلافيا سابقا) وقبرص والهند.. أما السادات فقد أدى توقيعه لاتفاقية كامب دافيد إلى إيقاف عضوية مصر فى منظمة التعاون الإسلامى ولم تعد إلا فى عام 1988 فى عهد مبارك الذى كان لديه نفور طبيعى من التيارات الإسلامية انعكس على موقفه من التجمعات الإسلامية قاطبة حتى لو كانت تجمعات حكومية فلم يحضر مبارك أى قمة إسلامية سوى تلك التى عقدت فى السعودية إجلالا لملك السعودية وليس التزاما بسياسة أو انطلاقا من مبادئ.

 

•••

 

لذلك فإن عقد القمة على الأراضى المصرية لأول مرة فى تاريخها (وهى القمة التى دعا إليها مبارك فى أواخر أيامه لأسباب غير واضحة وشاء ربك ألا يحضرها).. سيكون حدثا مهما ونقطة تحول فى العلاقات الدولية لمصر. اننا إذا نظرنا إلى جدول أعمال القمم الإسلامية سنجد مدرجا عليها جميع المشاكل الإقليمية والعالمية شأنها شأن الأمم المتحدة أو المنظمات الإقليمية الأخرى، ولكن القمة الإسلامية تمتاز عن المنظمات الأخرى بالانفراد بموضوعات ثلاثة أرى أن مصر مؤهلة لكى تلعب دورا أساسيا وتوجيهيا فيها وهى:

 

ــ الإسلاموفوبيا وتنقية صورة الإسلام والمسلمين فى العالم.

 

2ــ الاستراتيجية الثقافية للعالم الإسلامى التى تسعى لتنقية التراث الإسلامى مما علق به من خرافات وإضافات وعدم إضفاء هالة التقديس على هذا التراث بل معالجته معالجة نقدية باعتباره من صنع البشر فلا شىء مقدسا سوى وحى السماء كما جاء فى قمة الدار البيضاء عام 1996.

 

3ــ الأقليات الإسلامية فى الدول غير الإسلامية والتى يبلغ عددها ثلث العالم الإسلامى، حيث تقترب من الـ500 مليون نسمة وهى تنقسم إلى قسمين رئيسيين: أقلية من سكان البلاد الأصليين مثل التركمان أو الإيجور فى الصين ومثل الروهينجبا فى ميانمار ومثل المورو فى الفلبين والملاى فى تايلاند.. إلخ وأقلية أخرى وافدة مثل العرب والهنود والأفارقة المسلمين فى أوروبا والولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية.

 

هذه الأقليات تمثل قوة ضخمة للعالم الإسلامى وجسورا مهمة بيننا وبين الدول التى يعيشون فيها.. ومصر والأزهر لهما نفوذ لا يباريه أى نفوذ آخر لأى دولة لدى هذه الأقليات فهما أحد أهم عناصر القوة الناعمة لمصر التى لم تستخدم حتى الآن وهناك الكثير مما يقال فى هذا الموضوع مما لا تسمح به المساحة المتاحة.

 

 

 

سيد قاسم المصري مساعد وزير الخارجية الأسبق
التعليقات