من هو العربى؟ - سيد قاسم المصري - بوابة الشروق
السبت 26 أبريل 2025 9:18 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

من هو العربى؟

نشر فى : الأحد 20 أبريل 2025 - 6:15 م | آخر تحديث : الأحد 20 أبريل 2025 - 6:15 م

‎من هو العربى؟.. سؤال وجهه أحد المراسلين الأجانب لجمال عبد الناصر فى أوج ازدهار موجة القومية العربية. ففكر قليلا ثم قال: من كانت لغته الأم هى العربية. قال المراسل الأجنبى: إنه رد جيد يكاد يكون التعريف الوحيد للعرب، فلا شىء يجمع العرب سوى تلك اللغة العجيبة التى استطاعت أن تصهر عرقيات مختلفة فى قالب ثقافى واحد.
‎قبل عبد الناصر بقرن ونيف من الزمان سئل إبراهيم باشا ابن محمد على: أين ستتوقف فتوحاته؟ فقال: عند آخر شخص يتحدث العربية!!
‎ارتباط اللغة العربية بالدين الإسلامى لغة القرآن والصلاة – أضاف لها سحرا وقدسية – حتى شكلت ثقافة عربية إسلامية، ينتمى إليها المسلم وغير المسلم. فثقافة أقباط مصر هى الثقافة العربية الإسلامية.. وكثيرا ما نسمع عبارات قرآنية فى حديث زملائنا الأقباط مثل «لا حول ولا قوة إلا بالله» و"قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا» ومرافعات مكرم عبيد باشا البليغة كانت عامرة بالألفاظ القرآنية.
‎أدباء لبنان العظام من الموارنة تأثروا أيضا بالقرآن، فنحن ننتمى إلى ثقافة واحدة تشكلت عبر قرون عديدة وأصبحت أمرا واقعا انعكس على اللغة والأدب والعادات والتذوق بوجه عام، حتى أن الفلاح الذى يحرث الأرض فى بلاد المغرب كان يغنى أغانى عبد الوهاب، وذلك فى عصر الراديو وقبل ظهور التليفزيون والفضائيات.
‎ولذلك لم تجد جامعة الدول العربية عند إنشائها ضرورة لتعريف «من هو العربى؟» ولم يتضمن ميثاقها تعريفا «للدول العربية»، ولم تواجه الجامعة مشاكل فى قبول الأعضاء الجدد بعد السبعة المؤسسين – إلا عندما تقدمت الصومال بطلب العضوية - لذلك كان من شروط قبول الصومال أن تقدم تعهدا بالعمل على نشر اللغة العربية بين السكان واعتمادها لغة رسمية للبلاد.
‎لذلك يمكن القول أن جميع الدول الأعضاء بالجامعة العربية يمكن أن تجمعها مظلة القومية العربية وهى المرفأ الآمن لشعوب المنطقة ذات الانتماءات العرقية والدينية المختلفة. فهل ما زال للقومية العربية قلب ينبض؟
‎لعل كارثة 1967 هى أشد الصدمات التى منيت بها القومية العربية، لأنها زرعت فى نفس المواطن العربى مشاعر اليأس والإحباط والنقص، وكأنه أشبه بشباب قوى ثرى ينتمى إلى أسرة عريقة ثم اكتشف فجأة أنه لقيط وأنه أكذوبة، ثم جاءت معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية وما تلاها من انقسام عربى والتفاف الأنظمة العربية حول صدام حسين وجبهة الرفض وخروج مصر من النظام العربى ليوجه ضربة كادت تكون القاضية على ذلك النظام العربى.. حيث أن انسحاب مصر من قيادة النظام العربى أتاح لشخص مثل صدام حسين شغل هذه المكانة وسرعان ما قاد العالم العربى إلى كوارث عديدة على رأسها غزوه للكويت.
‎لقد كان المواطن العربى ينظر إلى الخلافات العربية قبل غزو العراق للكويت على أنها خلافات بين الأنظمة لا يمتد أثرها إلى علاقات الشعوب إلا فى النذر اليسير، حتى قطع العلاقات الدبلوماسية لم يكن يؤثر فعلا فى مجرى العلاقات بين الشعوب العربية، إلا أن غزو العراق للكويت أحدث جرحا جديدا يختلف عن سائر الجراح السابقة فقد أوصل الخلافات العربية إلى المواطن العربى العادى.
‎ولأول مرة شعر المواطن الكويتى والخليجى بوجه عام أن هناك خطرا يتهدده هو شخصيا وليست حكومته، وأن الخطر يأتيه من داخل النظام العربى الذى من المفترض أن يحميه وأن الولايات المتحدة هى التى وفرت له الأمن الحقيقى.
‎صحيح أن مصر وسوريا حاربتا لتحرير الكويت، ولكنه يعلم – أى المواطن الخليجى – أن الوجه العربى المسلم كان ضروريا للغطاء السياسى للعملية حتى لا يقال أن السعودية والكويت استعانتا بغير المسلم فى قتال المسلم.
‎وانفرط العقد العربى وهرول الجميع نحو أمريكا.. وركزت الدول الخليجية تعاونها داخل مجلس التعاون الخليجى، وأدار المغرب العربى ظهره للمشرق، وانسحبت مصر من الساحة، وتوارت كلمة العالم العربى، وتم صك انتماءات جديدة مثل «الشرق الأوسط وشمال إفريقيا» الذى يشمل إسرائيل.
‎إن سياسة مصر الإقليمية إما أن تكون على أساس جغرافى أى تنتمى لدول الجوار الجغرافى بغض النظر عن الهوية القومية مثل مشروع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أو على أساس دينى، أو على أساس قومى.
‎ولا شك أن أسلم الخيارات هو الخيار القومى العربى الذى نستطيع أن نستظل به جميعا، فهو الوعاء الذى يضم المسلم والمسيحى والأمازيغى والمارونى والكردى وسائر الأقليات الذين صهرتهم اللغة العربية فى ثقافة واحدة.

سيد قاسم المصري مساعد وزير الخارجية الأسبق
التعليقات