ضُحَاهَا.. وضَحَايَاهَا - صادق عبدالعال - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 11:38 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ضُحَاهَا.. وضَحَايَاهَا

نشر فى : الثلاثاء 18 أغسطس 2020 - 8:30 م | آخر تحديث : الثلاثاء 18 أغسطس 2020 - 8:30 م

تتعجب حقا وقتما تستمتع بتأمل غروب الشمس وهى تتَشِح بلون برتقالى مِحْمِر، وفى نفس الوقت تستمع صُدفة لخبر أنه منذ إطلاق وكالة الفضاء الأمريكية أول مِسبار فضائى (مركبة فضائية آلية بدون طاقم) من ستة أشهر مضت لرصد هذه الشمس التى تراها أمامك، نجحت الوكالة أخيرا فى تصوير أول دُفعة من الصور النادرة لسطح الشمس الوهَاچ، ذلك من أقرب مسافة يصل إليها الإنسان فى تاريخ البشرية حتى اللحظة (٧٧ مليون كيلومتر، منتصف المسافة بينك وبينها).
تتعجب حقا ليس فقط من دلائل نِعَمِ الله فى الكون خلقا وإبداعا، بل أيضا من دلائل «الأُمِيَة الصِحِيَة المُرَكَبَة» التى تشاهدها على الشواطئ فى العُطلة الصيفية.. ألا يُدرك المُصطاف فوائد ومضار الشمس، لا عتاب عليه، وهذا أمرٌ يَسهُل معالجته بالإرشاد والوعى الصحى.. بينما أن يكون هناك مُصطاف آخر عنده اعتقاد جازم وسائد له، لا يتفق بتاتا مع صحة مفهوم كلمة «الصِحَة»، متمسكا بعلمه الزائف عن الصحة والذى هو عكس ذلك تماما، فهذه ظاهرة مُمْرِضَة خطيرة..
فما يَجْهَلَهُ أو يَتَجَاهَلَهُ بل يَتَعَنَّتَهُ، وبكل أسف، الكثير من صفوة الطبقة المُتعلِمة والمُثقَفة بالعُطلَة الصيفية، يُعتبر بالفعل عَطَلَة صيفية ذات مردود سلبى، ليس فقط على صحة البدن وصفاء الذهن، بل على صحة مناعة أجسامهم وخاصة الأطفال منهم.. تتعجَب حقا وهم يتكالبون، حماية من الإصابة بالفيروس التاجى سارس كوف ــ٢ المُسْتَجَد والمعروف باسم كورونا، فيسارعون لاستحواذ العلاج الأوحد العتيق، الذى حصل عليه مُكتشفه جائزة نوبل عام ١٩٠١، وهو استخدام مُضادات الأجسام من بلازما (دم منزوع منه عناصره الصلبة من الكرات الحمراء والبيضاء والصفائح) المُتَعافى فى فترة النقاهة.. ومن جهة أخرى، يُهمِلون ــ جهلا أو عمدا ــ العلاج المتوافر لهم مجانا طوال فترة العُطلة الصيفية عند التعرض للشمس وقت الشروق والغروب!
تتعجب حقا من المنطقة الناصعة المحيطة بالشمس المُسَمَاة هَالَةُ الشمس (كورونا بالإنجليزية) والتى لا يمكن رؤيتها إلا فى وقت الكسوف الكلى للشمس، حيث تصل درجة الحرارة فيها إلى ما يزيد على مليون درجة مئوية، بينما لا تتعدى درجة حرارة سطح الشمس ذاته على ٦ آلاف درجة مئوية.. كما تتعجب أن أسباب نشأة هالة الشمس وآليات تَكَوُّن درجة الحرارة العالية فيها لا تزال غير مفهومة عند علماء الفلك حتى يومنا هذا.. من جهة أخرى، تتعجب أيضا مما أجمع عليه علماء الفقه الإسلامى بأن الله سبحانه وتعالى عندما رتَّبَ الكون فى ستة أيام وقبل أن يستوى على كرسى العرش، قد رتَّبَ الكَون بخلق ــ آلاف السنوات ما قبل أن يخلق النور أى الشمس ــ «المَكْرُوه» وقيل «المَكْرُوب»، أى كُل الميكروبات (الكائنات الحيَّة المُصَغَّرة) بما فيها بالطبع الفيروسات التاجية (كورونا بالإنجليزية)، بل أيضا خلقهم ملايين السنوات ما قبل أن يخلق آخر مخلوقاته وهو الكائن البشرى، وهذا بعد ما خلق التربة والجبال والنبات والنور والمكروب والدواب بالترتيب.. أما قمة التعجب، فهو هذا التناقض «الحضارى» إذ عندما يؤكد علماء الصحة أن الشمس ــ هى مصدر الحياة لكل الكائنات الحية على وجه الأرض، تُطعِمُنا من خلال خاصية التمثيل الضوئى فى النباتات الخضراء، تُمُدُنا من خلال دورة المياه الخالدة بأهم احتياجاتنا الأساسية للحياة، تُدَعِم مناعة أجسمانا باختزان فيتامين (دال) تحت جلودنا بفضل أشعِة الشمس الفوق بنفسجية الحميدة منها، والتى يُحصل عليها فقط بأطراف النهار وقت الشروق والغروب، يكون المصطاف «المُتَحَضِر» فى ذلك الوقت فى سبات عميق، لا يستفيد من شروق الشمس ويذهب للشاطئ ظهرا بعد تناول افطاره بالضُحى، يغادر الشاطئ يلجأ إلى القيلولة وقت غروب الشمس للتعويض عن الحرمان من النوم ليلا، يتناول وجبة الغذاء مساءً، أما العشاء فيكون فى الساعات الأولى من اليوم التالى!
تتعجب حقا من أن يستنفذ هذا المصطاف «المُتَحَضِر» طاقته البدنية سلبا، وتباعا طاقة أولاده الذهنية، بسبب إرهاق السهر طوال الليل حتى شروق اليوم التالى، وهى لحظة ما تستهل الشمس إهداء له ولأولاده كمية لا تُعَدُ ولا تُحصى من الطاقة الشمسية الإيجابية تصل لما يقرب من ٢٠٠ سكستيليون (٢١ صفرا) من الكيلوواط يوميا.. فهو يُدمر عمدا ما وهب له الله من إيقاع الساعة البيولوجية (الآلية الداخلية الفِطريَة بالمخ، إذ مُتأثرة بضوء الشمس والظلام تتحكم على مدى ٢٤ ساعة فى إيقاع مختلف الأنشطة الفيسيولوجية بالجسم، ومن أهمها: النوم واليقظة!).. تتعجب بعدها عندما تراه يتثاوب مترنحا نحو الشاطئ فى أوج لهيب الحر ظهرا، يستنشق هواء ساخنا نسبيا عما هو عليه فى أطراف النهار نتيجة لتزايد أشعة الشمس تحت الحمراء.. يُعرِض جسده للشمس مُغَلِفا إياه بالمساحيق «الواقية» ومُحْتَميا تحت المظلة، مُتَجَاهِلا أو جَاهِلا، أنه من ضمن ضحايا الشمس فى الفترة من العاشرة صباحا إلى الرابعة مساء، تتزايد فيه أشعة الشمس فوق البنفسجية (معظمها من النوع «أ» طول موجة تردده تتراوح ما بين ٣١٥ــ٤٠٠ نانوميتر، ١٠٪ فقط من النوع «ب»، أما عن النوع «ج» ــ وهو الأخطر ــ فهو يمُتَص فى طبقة الأوزون العليا) وما لها من تداعيات مَرَضِيَة تراكُمية غير مُرضِية: أولا على الجلد (أكبر عضو بالجسم ويصل متوسط مساحته ٢ متر مربع عند البالغ) والإصابة بمختلف أنواع الأورام الجلدية بعد التقدم فى العمر، ثانيا على عدسة العين وتزايد نسبة اصابتها بالمياه البيضاء (كاتاراكت بالإنجليزية) حتى وهو جالس تحت المظلة، ذلك بسبب انعكاس الأشعةعلى سطح الرمال المحيطة به، ثالثا على المناعة العامة للجسم خاصة عند الأطفال، وعنه سرعة اصابتهم بمختلف الأمراض.. والسؤال، أليس من الأفضل اعتبار هذا الصيف فترة هامة نستبق بتطبيق خلاله كل الوسائل الصحية لتعزيز المناعة، خاصة ونحن بصدد مواجهة توابع وبائية فيروسية فى الشتاء القادم؟
ونحن الآن فى فترة هُدنة، فلندرك جيدا مدى شراسة عائلة فيروسية واحدة (عائلة كورونا)، والتى ــ حتى يومنا هذاــ تم التعرف فقط على سبعة أفراد منها (سُلالات) تم اكتشافها منذ عام ١٩٦٧ طوال الخمسين عاما الماضية.. ولنعلم أنها عائلة ضخمة مكونة من بلايين ــ نعم بالباء ــ السلالات كما أجزمه العلماء أخيرا، وهم على أهبة الاستعداد للتشرذم عند أى انسان هزيل المناعة.. وإن كان ــ بفضل الله ــ نعيش فى مِصْر، دولة لا/لن تغيب عنها شمس الحضارة، فمن الواجب حضاريا أن نُتقن بصفة عامة الاستفادة من نِعَمِ سواحلها ومناخها وأن نسرع برفع رصيدنا الصحى العام طوال فترة الصيف، نضفى فيه المزيد من الموارد البيئية والغذائية لدرء معظم المخاطر الصحية المحيطة حولنا.. أن نسبق بصفة خاصة فى سرعة استيعاب محاسن الطاقة الشمسية الصحية، والتعجل بتنحية أضرارها المَرَضيَة.. وهذه هى فلسفة البُعد الثالث المفتقد للصحة، ألا وهى الصحة الاستباقية PREــEMPTIVE HEALTH.. ولننظر بأنفسنا فى وَضْحِ الشمس، فكِلا الدوائيات الفيروسية للصحة العلاجية، وكذا التطعيمات الفيروسية للصحة الوقائية، لم ولن يُعتمد عليهما لأَبَدِ الدَهر، لأننا ضُيوف نعيش على سطح الأرض أقصاها مائة عام وعددنا يقارب ٨ مليار نسمة، بينما الفيروسات بالبلايين كما ونَوعا!
الرؤية واضحة كالشمس وضُحاها.. السبق بتعزيز مناعة الجسم صيفا، «تاج» على رءوس الأصحاء شتاء، لا يراه إلا أصحاء نمط الحياة اليومية الطبيعية (المتوائمة مع الطبيعة)، ولن يراه بكل أسف ضَحايا «الانفلات المدنى»، ضَحايا الفيروسات «التاجية»!
مستشار وزير الصحة الأسبق لشئون صحة الأطفال.

صادق عبدالعال مستشار وزير الصحة الأسبق لشئون صحة الأطفال.
التعليقات