تردد إبريل ورائحة الخبز والأعياد - تمارا الرفاعي - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 7:48 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تردد إبريل ورائحة الخبز والأعياد

نشر فى : الأربعاء 19 أبريل 2023 - 7:35 م | آخر تحديث : الأربعاء 19 أبريل 2023 - 7:35 م

هناك سحر فى فترة يتزامن فيها الربيع بالأعياد مجتمعة، وكأنها هدنة تلون العالم بالأصفر والوردى والفستقى بدل الأسود والأحمر، هناك نوع من التباطؤ وكأن للكرة الأرضية يدين ترفعهما فوقها وهى تتثاءب. فى أحد أجمل بيوت شعر محمود درويش يتردد إبريل، شهر القيامة والعودة من الموت بنظر الكثيرين.
• • •
اليوم تتضافر المناسبات فتلتقى بأولى زهرات شجر اللوز وهى تعود إلى الحياة، فى ظلها تتفتح زهرات ثلاث تنذر باللون البرتقالى. ها هى الكرة الأرضية تنفض عن نفسها تعب السنين وتقرر أن تحتفل ولو لمدة أسبوع، تذكيرا للبشر أنها لا تتوقف عن تقديم الهدايا لهم.
• • •
الأعياد والعائلة، صوت الأطفال وضجرهم من الاجتماعات التى يفرضها العيد ولقاءات لا تسليهم مع من يكبرهم بنصف قرن أو أكثر. الربيع ونسمة باردة لئيمة لم أحسب حسابها فى الصبح. السيران، تلك النزهة إلى مكان مفتوح أخضر نمضى فيه اليوم بينما نحرك بساطا على الأرض مع حركة الشمس فوقنا ليكون دوما نصف الجالسين فوقه فى الظل ونصفهم فى الشمس.
• • •
رائحة الخبز أكثر ما يشدنى إلى المدن، أستغرب مدنا لا رائحة خبز فيها، كيف يمضى أهلها يومهم دون تلك الرائحة التى تأخذنى إلى حارة ضيقة وفران يقف أمام فرنه كأنه ساحر يخرج من بطن النار العيش فيعيش أهل المدينة؟! لا أريد أن أكون موجودة فى عصر يغلق فيه آخر فران محله لأنه خسر رهانه أمام المصانع والحداثة.
• • •
الموسم قصير ببهجته وطقسه وطقوسه، وكأنه يعرف أنه لا يستطيع الإطالة، الربيع أسابيع معدودة تعد بعالم أجمل وصداقات جديدة، تعد بقصص حب وحكايات تتفتح كتلك الزهرات الثلاث الملونة. بيض ملون، نزهة، جدة تقرأ الجزء الأخير من القرآن لتختم فيه شهر الصيام وتتمنى أن يبقى العالم من حولها حنونا عليها وعلى من حولها.
• • •
أضواء على شرفات المنازل وأطفال يحملون ثياب العيد فى أكياس يضمونها إلى صدورهم الصغيرة. أمهات يتبادلن وصفات المعمول عبر وسائل التواصل الاجتماعى ويقارن السميد فى أستراليا بذلك الذى يبيعه البقال التركى فى ألمانيا، وصوت الأم يأتيهن برسالة صوتية من حلب ليذكرهن بضرورة دعك السميد بالسمنة برفق ودون عجن، ثم أهمية أن يترك الخليط لليوم التالى ليتشرب السميد السمن كله.
• • •
اتصالات عبر تطبيقات خداعة تشعر الفرد أنه فى بيت العائلة وهو بعيد، قد ينضم أفراد العائلة المتفرقون للاتصال فتتقاطع الأصوات والقصص لدقائق، هو وقت مقتطع من حياة لم تعد تضم أجيال العائلة الثلاثة فى غرفة جلوس واحدة تحت صورة الجد المتوفى.
• • •
فى شهر الأعياد والربيع هناك رغبة بالخفة، خفة الروح وخفة القصص وخفة الأحداث. هل من الممكن فعلا فرض هدنة على العالم فنتنفس قليلا بعيدا عن الضوضاء، إلا تلك الضوضاء التى تحدثها أم تطبخ لغداء العائلة فى العيد، وأطفال يكسرون البيض وجد وجدة يوزعان العيدية. زحمة فى البيت وشبابيك مفتوحة على سماء صافية ورائحة الثوم من المطبخ وعطور جديدة استخدمها الشباب هذا العام إذ فجأة تحولوا من أطفال إلى مراهقين. هناك إذا رغبة بفتح الشبابيك على يوم كل أخباره سعيدة وألوانه فرحة وضوضائه موسيقية.
• • •
إبريل شهر يتردد وفى التردد ألتقط أنفاسى. جاءت العاصفة الأخيرة قبيل عيد الفصح فغسلت المدينة، ثم جاءت ليلة القدر فغسلت القلوب. بدأت شجرة البرتقال تنفش أغصانها بدلال، فى جواب منها على قصيدة اتهم فيها الشاعر ت.س إليوت شهر نيسان أنه أقسى الشهور، فى إشارة منه لقسوة من لا تزهر حياتهم فى الربيع بينما الحياة من حولهم كلها فرح وألوان.
• • •
لنبقى مع محمود درويش ونتردد مع إبريل لحظات فنلاحظ الخطوط فى وجوه كبار العائلة والغمازات فى خدود أطفالها. ربما نتوقف أمام محل بيع الفلافل ونقبل قرصا أحب البائع أن نتناوله. الخروج من البيت فى الربيع كالخروج إلى الحياة، أقفز بين أشعة الشمس ثم أتفاداها فأمشى فى ظل الجهنمية التى انفجرت بلونها الأحمر وملأت مدخل العمارة بالبهجة.
• • •
أتخيل يوما ربيعيا بامتياز، أفتح شباكى لأنظر إلى سماء المدينة الزرقاء، وأتتبع شجر الليمون فى المدينة التى أعيش فيها، ثم أقطف منها حبتين أفرك يدى بهما فأشعر بالربيع يدخل إلى رئتى. أقرر أن أفرض هدنتى على نفسى، أن أتوقف عن التعليق، أن أتعرف على من حولى من جديد دون ثقل ما يربطنى بهم. إن تعرفت على أبى أو أمى أو زوجى اليوم للمرة الأولى، كيف ستكون العلاقة؟ إن لم أراقب أطفالى عن قرب ورأيتهم للمرة الأولى اليوم ماذا سيثيرون فى داخلى؟ الربيع هو شهر الخفة والتخلص من الثقل، فى الجسد وفى البيت وفى العلاقات.
• • •
إبريل هو شهر التردد وروائح الخبز والثوم والفلافل، شهر الأعياد والألوان والبدايات الجديدة. ليعود علينا إبريل هذه السنة وكل سنة وهو محمل برائحة العيش الطازج، فلا شىء يعنى الحياة أكثر من قطعة الخبز الساخنة.

كاتبة سورية

تمارا الرفاعي كاتبة سورية
التعليقات