الأمريكيون يفقدون الثقة فى الديمقراطية وفى أنفسهم - صحافة عالمية - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 8:19 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الأمريكيون يفقدون الثقة فى الديمقراطية وفى أنفسهم

نشر فى : الأربعاء 19 أكتوبر 2016 - 9:05 م | آخر تحديث : الأربعاء 19 أكتوبر 2016 - 9:05 م
نشرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية تحليلًا لـ«ناثانيل بيرسلى» الأستاذ بكلية الحقوق بجامعة ستانفورد وجون كوهين كبير الباحثين بـ SurveyMonkey (أحد المواقع المتخصصة باستطلاعات الرأى) حول الانتخابات الأمريكية المقبلة التى ستجرى نوفمبر القادم وما كشفته هذه الانتخابات ــ وإحدى استطلاعات الرأى، عن مواطنى المجتمع الأمريكى وفقدانهم الثقة بديمقراطية بلادهم وإعلان بعضهم عن عدم تقبلهم نتائج الانتخابات المقبلة، بل وفقدانهم الثقة بشكل عام فى بعضهم البعض.

يستهل الكاتبان «بيرسلى وكوهين» المقال بأنه قد بات واضحًا الآن للجميع بأن حملة الانتخابات الرئاسية ليست فقط مجرد اختيار لرئيس ــ بعد أن كان هناك فى السابق مجرد شك فقط ــ بل هى أكبر كثيرًا من ذلك؛ كالقيم التى توطد الديمقراطية الأمريكية والقيم الأخرى التى تساعد على تدهورها وتراجعها. فى ذلك السياق يتضح وجود عدد كبير من الأمريكيين ممن فقدوا الثقة بديمقراطيتهم حتى وإن جاءت عبر الأحزاب بل ومن المتوقع ألا يقبل العديد من الأمريكيين نتائج هذه الانتخابات.

من جهة أخرى يشير المقال إلى استطلاع رأى تم إجراؤه عبر الإنترنت من خلال موقع SurveyMonkey على حوالى 3229 مواطنًا أمريكيًا ممن لهم حق التصويت فى الانتخابات المقبلة وذلك فى الفترة من 6 إلى 8 أكتوبر والذى جاءت نتائجه على النحو التالى:

أكد 40% أنهم فقدوا الثقة وأصبحوا لا يؤمنون بالديمقراطية الأمريكية. فيما أكد 6% منهم أنهم قد فقدوا الثقة تمامًا فى النظام ككل. وبشكل عام فقد أكد بالكاد أكثر من النصف وبنسبة 52% بأن لديهم ثقة فى الديمقراطية الأمريكية. والجدير بالذكر أن أغلب الذين أجرى عليهم الاستطلاع قد انتهوا من إجرائه قبل يوم 7 أكتوبر؛ أى قبل ظهور فيديو للمرشح عن الحزب الجمهورى «دونالد ترامب» والذى أعلن خلاله عن تفاخره بالتحرش بالنساء والذى اعتبره كثيرون إهانة للنساء بل وتشجيعا على الاعتداء الجنسى عليهن. ولكن الإجابات التى جاءت على ذلك الاستطلاع بعد ظهور ذلك الفيديو يصعب تمييزها عن نظيرتها التى تمت الإجابة عليها قبلها بيوم حيث ظهور ذلك الفيديو. وعلى نحو أكثر تفصيلًا فقد أكد أكثر من 6 من كل 10 مصوتين ممن يدعمون المرشحة عن الحزب الديمقراطى «هيلارى كلينتون» بأن لديهم يقينا وإيمانا بالديمقراطية الأمريكية، أما فيما يتعلق بأغلب ممن يؤيدون ترامب فقد أكدت نسبة كبيرة منهم بأنهم قد فقدوا الثقة فى الآلية الأساسية للحكم فى الولايات المتحدة.

***

يستطرد الكاتبان أن السمة المميزة التى تتسم بها الديمقراطية تتمثل فى تقبل الهزيمة وقبول نتائج الانتخابات مهما جاءت مختلفة مع اختيارات البعض؛ فالديمقراطية بعد كل ذلك ليست فقط اختيار أحد القادة وإنما قدرة المواطنين بل وامتلاكهم سلطة الاختيار المطلقة فى تحديد من يصبح الرئيس، وهى تفترض أن من يخسرون اليوم (أى من يخسر مرشحهم) سيستعدون ليوم آخر يقاتلون به فربما يكسب مرشحهم حينها، ومن ثم فذلك كان يؤكد على ثقتهم بالاختيار الذى جاء به ذلك النظام الديمقراطى. أما الآن وخلال هذه الانتخابات أصبحنا أمام إعلان عدد من الناخبين عن نيتهم بعدم قبول نتائج الانتخابات إذا ما جاءت مخالفة للمرشح الذى صوتوا إليه.

ورجوعًا لذلك الاستطلاع فقد طرح به سؤال حول الانتخابات تمثل فى الآتى: هل ستقبل نتائج الانتخابات إذا خسر مرشحك الذى قمت بالتصويت إليه؟ وقد جاءت نسبة قليلة تمثلت فى 31% فقط أكدوا أنهم سيقبلون بالنتائج ولكن 28% تأرجحوا بين بالطبع سيقبلون النتيجة أو لن يقبلوا بها على الإطلاق. وعلى نحو أكثر تفصيلًا فيما يتعلق بمؤيدى ترامب وهيلاري؛ فقد قال مؤيدو ترامب بأنهم سيشككون فى النتائج فى حال فوز كلينتون وذلك على عكس مؤيدى كلينتون الذين قالوا إنهم لن يشككوا فى النتائج فى حال فوز ترامب. ولكن بشكل عام وعلى مستوى مؤيدى المرشحين معًا فقد عبَّر عشرات الملايين من الأمريكيين بأنهم لن يعترفوا بشرعية الرئيس المقبل للولايات المتحدة.

***

من السهل ملاحظة تآكل قيم الديمقراطية الأمريكية لهذه الحملة الرئاسية المحبطة للغاية التى يشهدها المجتمع الأمريكى هذه الأيام. ولكن المعضلة ليست ما يتجسد خلال الأحداث والمواقف الجارية بل هى أعمق بكثير من ذلك والتى تتمثل فى أن القيم الاجتماعية التى تعد بمثابة العمود الفقرى للديمقراطية الأمريكية باتت آخذة فى التآكل والانهيار.

جدير بالذكر أن ثقة الأمريكيين فى الحكومة الآخذة فى الانخفاض تشير إلى تناقص الثقة فى المؤسسات ككل وفى كل المجالات. وفى السياق ذاته فقد قامت مؤسسة جالوب (القسم المعنى بقياس الرأى والإحصاءات بها) بقياس مستويات الثقة فى مجموعة متنوعة من المؤسسات الأمريكية؛ كالإعلام والمؤسسة الدينية والمدارس الحكومية والبنوك والنقابات والشركات التجارية الكبرى. وخلال ذلك الاستطلاع الذى صدر يونيو الماضى حظى الكونجرس الأمريكى بأقل نسبة ثقة؛ حيث جاءت نسبة 9% فقط معبرين عن ثقتهم به. وبشكل عام فقد جاءت نسب الثقة بالمؤسسات سواء داخل أو خارج الحكومة فى مستويات منخفضة بشكل صادم لم يحدث طوال التاريخ.

ولكن المثير للقلق ليس ذلك فقط بل إن الأمريكيين باتوا يفقدون الثقة ليس فقط فى الديمقراطية والحكومة والمؤسسات بل وفى بعضهم البعض. وخلال الاستطلاع الذى يدور حوله ذلك المقال فقد أكد 31% أنه من الممكن الثقة بالآخرين، فى حين رأى 67% أنه لابد من التزام الحرص الشديد أثناء التعامل مع الآخر. ولكن ما يثير القلق هنا أن أصغر من أجرى عليهم الاستطلاع هم من قلقوا من التعامل مع الآخرين؛ حيث رأى 79% ممن تتراوح أعمارهم بين 18ــ24 عامًا بأنه يجب أن تكون شديد الحرص من الآخرين، وذلك مقارنة مع 52% ممن قالوا نفس الرأى ولكن أعمارهم تتراوح من 65 عامًا فيما أكثر.

تجدر الإشارة إلى أن التساؤل حول الثقة الاجتماعية يتم طرحه حول العالم منذ عشرات السنوات ولكن مؤشرات الإجابة عن ذلك السؤال فى الولايات المتحدة تضعها فى المرتبة الأخيرة مقارنة بديمقراطيات الدول المتقدمة الأخرى، ولكن مع الصعود المستمر للأحزاب الليبرالية فى أوروبا خلال الآونة الأخيرة يوضح أن نسبة الثقة المتدينة بالديمقراطية فى الولايات المتحدة ليست إلا جزء من اتجاه يسود العالم أجمع.

لتكن الأمور واضحة لابد من التأكيد على أن تدنى الثقة بالديمقراطية قد يكون إنذارا لأمور أكثر خطورة فيما بعد ولكن لابد من الإشارة أيضًا إلى أن هناك أسوأ من ذلك بكثير؛ فمثلًا خلال الحرب الباردة كان عدد من الحكومات الأوروبية سيئة السمعة تتاجر بالديمقراطية من أجل توطيد الديكتاتورية (وهذا بالطبع ما لا يحدث فى الولايات المتحدة). ولكن خلال هذا الاستطلاع لابد من التأكيد على أن من أجرى عليهم الاستطلاع قد دعموا أهم ما يميز الدستور الأمريكى وهو الفصل بين السلطات إلا أنهم عارضوا الحكم من خلال قائد منفرد.

***

يختتم الكاتبان بأن ما يدعو للقلق حقًا هو تشاؤم نسبة كبيرة من مواطنى المجتمع الأمريكى بأنه يمكن تقريب الانقسامات الموجودة بينهم، ورأى 80% (ممن أجرى عليهم الاستطلاع) أن الولايات المتحدة باتت أكثر انقسامًا بشكل لم يحدث منذ أى وقت مضى ومن المرجح استمرار هذه الانقسامات إلى أبعد من ذلك فى المستقبل. وعلى المرشحين الأمريكيين إدراك أن الانتخابات فى حد ذاتها لن تكون قادرة على تقليل هذه الانقسامات، فأولًا وأخيرًا الانتخابات مجرد أسلوب لتداول السلطة وممارسة السياسة. وأخيرًا لابد أن يوضع فى الاعتبار بأن نسبة كبيرة من المواطنين الأمريكيين لن يقبلوا بنتائج هذه الانتخابات حينما تأتى مخالفة لمرشحها الذى صوتت إليه.

النص الأصلى

التعليقات