مبارك تحت القبة - طلعت إسماعيل - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 4:11 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مبارك تحت القبة

نشر فى : الإثنين 20 فبراير 2017 - 10:35 م | آخر تحديث : الخميس 23 فبراير 2017 - 9:29 م
«الديمقراطية فى مصر تعنى أن تنتخب مبارك أو أن تنتخب مبارك» تلك كلمات اطلقها الفقيه القانونى الراحل يحيى الجمل في خريف 1993 فى إحدى القاعات الرئيسية تحت قبة جامعة القاهرة خلال ندوة عقدت بدعوة من رئيس الجامعة آنذاك الدكتور مفيد شهاب.
كان الدكتور شهاب، ورغبة منه فى إحداث تفاعل بين الجامعة والمجتمع قد بدأ فى تنظيم موسم ثقافى يدعى إليه كبار المثقفين والمفكرين لتناول القضايا المهمة بالتحليل والمناقشة المعمقة بحضور أعضاء من هيئة التدريس ورموز العلم والأدب.
وذات يوم ملبد بالغيوم والرياح المتربة دشن الدكتور شهاب أولى جلسات الحوار، وعلى ما أذكر، حيث كنت حاضرا بصفتى الصحفى المختص بشئون الجامعات بجريدة العربى، كان موضع اللقاء يدور حول قضية التطور الديمقراطى فى مصر، حيث كان يجلس على المنصة إلى جوار رئيس جامعة القاهرة، عالم الاجتماع الشهير الدكتور سعد الدين إبراهيم، والفقية القانونى الراحل يحيى الجمل.
الدكتور سعد الدين إبراهيم الذى كان فى بداية خلافه مع نظام حكم مبارك، الذى أفرد له خلال فترة سابقة مساحة واسعة فى الإعلام، وصلت إلى منح عالم الاجتماع برنامجا على شاشة التليفزيون المصرى يناقش فيه عددا من القضايا السياسية والاجتماعية التى كانت تشغل الرأى العام وقتها.
جوهر الخلاف، لعل كثر يتذكرونه، جاء بعد أن غاص سعد الدين فى الورقة القبطية وقضايا الأقليات بأكثر مما يجب، فكان العقاب الذى دفعه إلى مغادرة مصر فى بعض الفترات.
وفى الندوة التى دعا إليها الدكتور شهاب فاض الدكتور سعد الدين بالشرح والتحليل فى موضوع الندوة، وتحدث عن الديمقراطية فى مصر والدول الغربية، ووضع المجتمع المصرى مقارنة بمجتمعات أخرى سبقته أو تلته فى التحول الديمقراطى.
وعندما جاء الدور على الدكتور يحيى الجمل دخل الرجل فى منافسه مع مشاركه فى الجلسة شارحا وموضحا بعض الجوانب التى كانت مفيدة للنقاش، لكن يبدو أن الحماسة زدات عن حدها، ولأن موعد الاستفتاء على إعادة انتخاب مبارك كان يلوح فى الأفق، قال الدكتور الجمل إن الديمقراطية فى مصر تعنى «أن تنتخب مبارك أو أن تنتخب مبارك».. هنا ضجت القاعة بحالة من الضحك الهستيرى، وبعد أن هدأ الحضور كرر الدكتور الجمل العبارة نفسها، فانفجر الضحك من جديد.
عقب انتهاء الندوة حملت أوراقى وآلة تسجيلى وعدت إلى الجريدة لكتابة وقائع ما جرى فى هذا اليوم العاصف والذى أعتقد أنه سبب حرجا للدكتور شهاب، كون الدكتور الجمل قد تجاوز الخطوط الحمر فى نقد رئيس الجمهورية.
فى اليوم التالى لنشر الندوة فوجئت باستدعاء من الأستاذ محمود المراغى رئيس تحرير العربى، رحمه الله، وهو ممسك بورقة مكتوبة بقلم رصاص، تحتوى على انكار من الدكتور الجمل لما نقلته عنه بشأن الديمقراطية وانتخاب «مبارك أو مبارك »، وهو كلام كنت قد وثقته بالصوت والصورة، لكن يبدو أن ضغوطا مورست على الفقيه القانونى فسارع إلى كتابة رد، تفهم الأستاذ المراغى أسبابه، رغم أنه لم يصمد أمام أدلتى وبراهينى.
قد يسأل البعض: لماذا تتذكر مثل هذا الواقعة هذه الأيام؟، وهو سؤال طرحته على نفسى عندما تداعت وقائع ذلك اليوم فى مخيلتى ووجدتنى منساقا إلى رغبة دفينة لرواية وقائعها.. لم أجد تفسيرا سوى فى التعديل الوزارى الأخير الذى جلب لنا عددا من رجال مبارك إلى صدارة المشهد.
فنحن على ما يبدو أمام الاختيار بين «رجال مبارك أو رجال مبارك»، عند أى تعديل وزارى أو تشكيل حكومة أو إجراء تغييرات فى المناصب القيادية الكبيرة، بعد أن أخذت اسماء رجاله تتسلل إلى حياتنا اليومية باعتبارهم خلاصة الخبرة الفنية، وكأن التدهور الذى وصلنا إليه لم يكن بفعل أيديهم المدمرة.
التعليقات