ماذا يريد خالد يوسف؟ (1) - خالد محمود - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 1:25 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ماذا يريد خالد يوسف؟ (1)

نشر فى : الأربعاء 20 مايو 2009 - 8:51 ص | آخر تحديث : الأربعاء 20 مايو 2009 - 8:51 ص

 ما حدث مع فيلم «دكان شحاتة» هو اغتيال لبراءة السينما والحياة معا، فالضجيج والشو الإعلامى والصدام الرقابى حول بعض مشاهد الفيلم، وكذلك تصريحات وشعارات مخرجه خالد يوسف التى سبقت العرض جعلتنى ــ كمتفرج ــ أشاهد الفيلم بأفكار مسبقة، وهو الخطر الذى يؤثر بالفعل على حياد مشاعرك وأحاسيسك واستقبالك للعمل، بل ربما تفقدك هذه الشوشرة «دهشة المشاهدة ومتعتها».

فقد ذهبت لمشاهدة دكان شحاتة وأنا مثقل بهموم وشعارات مخرجه من حالة الاضطهاد التى يعانيها على المستوى الشخصى فى أفلامه، وأيضا بصيحاته الإعلامية حول طغيان الظلم الاجتماعى والغباء السياسى وانهيار القيم وانفلات الأوضاع وفقدان الأمان، وكنت أظن وأنا أمام شاشة العرض أن الصورة السينمائية سوف تتخلى عن لغة الشعارات هذه وتبحر بى إلى عالم آخر شفاف تتجسد معه متعة الفرجة حتى لو كانت القصة، التى يطرحها تجعلك بحق تتحسر على واقع وتخشى المستقبل، لكن متعة الفرجة هذه تلاشت فى بعض أوقات المشاهدة بإصرار المخرج على وضع كثير من المشاهد على خلفية شعار وحدث سياسى يرافقها كظلها مثل انتخابات الرئاسة وإضراب القضاة وحادثة بنى سويف وقطار الصعيد واغتيال السادات وطمع إسرائيل، كل هذه الأحداث جاءت مسايرة لرحلة شحاتة فى بحثه عن الوفاق الاجتماعى والتسامح، الذى قضت عليه ملامح الجشع والطمع حتى بين الأخوات، ولو قلل المخرج من هذه النزعة السياسة قطعا كان لـ«دكان شحاتة» مذاق أحلى، فالفيلم يحمل فكرة جريئة وصادمة وصادقة لكشف التغيير فى سلوك المجتمع عبر 30 عاما، وبالتحديد فى الفترة بين 1983 حتى 2012، هذه الفكرة تتمحور حول اغتيال البراءة أو انتحارها لأن بطلنا شحاتة الذى تعرض لظلم شديد من إخوته كان سلبيا فى مواجهة هذا الظلم، وقد دفع حياته ثمنا لطيبته وتسامحه، وكان يمكن أن يتلاشى هذه النهاية لو نفض غبار السكوت وثأر لاغتصاب حقه فى الأرض والعرض..

ولكنها النهاية التى بنى عليها المؤلف ناصر عبدالرحمن والمخرج خالد يوسف فكرة الانتفاضة الجديدة، التى يقوم بها الجياع والمتشردون والمقهورون لتطيح بكل ما هو أخضر ويابس على أرض هذا الوطن، وكأنه ثأر جديد لاغتيال البراءة وانهيار مبدأ التمسك بالعائلة التى انفرط عقدها، وذلك حينما قال «البرص» بلطجى الحى «ابقى مره لو خليت حد فيهم عاش».

أنا أتصور أن مشهد النهاية الذى تنبأ بانهيار المجتمع وتفشى ظاهرة العشوائية فى الانتقام من الجميع ومن كل شىء وبدت فيه كل أطراف الشعب تلتحم مع بعضها «المرتزقة والمقهورين والمتطرفين والأمن» جاء بلا تطور درامى منطقى مقنع، حتى إن كان هذا المبرر هو اختزال البراءة المهدرة لكل أفراد الوطن فى شخصية شحاتة الذى شعر بالغربة فى وطنه، وهو المبرر الذى لا أتفق معه، فشحاتة الذى جاء به أبmه من الصعيد بعد رحيل أمه «الزوجة الثانية» ليكبر وسط أخوته من زوجة أخرى راحلة أيضا، ظل طوال الرحلة يعانى من حقد أخيه الأكبر وغيرته من تفضيل أبيه لشحاتة عليه، لدرجة أنه يسرق حقوقه فى الدكان ويلفق له تهمة يدخل على إثرها السجن بل يتزوج من خطيبته.. كل ذلك بعد رحيل الأب، ورغم ذلك يتمسك شحاتة بالبحث عن الوصال مع العائلة للخوف من الوحدة إلى أن يقتله أخوه خشية من أن تفر زوجته، التى نالها بالإكراه.

إذا كانت الصورة الجميلة لملحمة دكان شحاتة فقدت كثيرا من شفافيتها السينمائية بالتشويش السياسى والأيديولوجى المقحم بشكل مباشر من باب التأريخ لخطايا المرحلة فإن الأداء المميز لعمرو سعد ومحمود حميدة وغادة عبدالرازق والتجربة المبشرة لهيفاء وهبى والذين قدموا شخصيات عميقة تنبض بحياة، وضعتنا فى مأزق وطن جديد يطرح كثيرا من التساؤلات، فى مقدمتها ماذا يريد خالد يوسف؟!

وللحديث بقية

خالد محمود كاتب صحفي وناقد سينمائي
التعليقات