أبعاد موقف ألمانيا من الحرب الأوكرانية - رخا أحمد حسن - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 10:07 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أبعاد موقف ألمانيا من الحرب الأوكرانية

نشر فى : الثلاثاء 21 فبراير 2023 - 8:10 م | آخر تحديث : الثلاثاء 21 فبراير 2023 - 8:10 م
لقد واجه صناع القرار فى ألمانيا، ومازالوا، مواقف بالغة التعقيد والحساسية من أجل تجاوز قرارات معينة بشأن موقف ألمانيا ومشاركتها فى الحرب الأوكرانية، وذلك منذ أن بدأت الحرب فى 24 فبراير 2022 وحتى الآن. ويرجع ذلك إلى تعدد الآراء داخل ألمانيا، واعتبارات عضويتها والتزاماتها فى كل من حلف شمال الأطلسى (الناتو) والاتحاد الأوروبى من ناحية، وحرصها على استمرار سياستها التى بدأت منذ سبعينيات القرن العشرين حتى الآن، بالاتجاه نحو الشرق ودعم علاقاتها مع روسيا، ومخاوفها من أن يؤدى الاستمرار فى مزيد من التصعيد فى الحرب الأوكرانية بما يهدد باتساع نطاقها والتأثير السلبى للغاية على الأمن والاستقرار والمصالح الأوروبية.
ويلاحظ وجود خلافات فى كل مراحل الحرب الأوكرانية بين برلين وواشنطن، خاصة ما يتعلق بمطالبة ألمانيا بإمداد أوكرانيا بالأسلحة. ففى البداية، حاولت ألمانيا التمسك بسياستها بعدم إمداد مناطق الصراعات بأسلحة، إلى جانب عدم اتجاهها إلى بناء جيش ألمانى بالغ القوة بأحدث الأسلحة، رغم أن الجيش الألمانى يعد من أقوى الجيوش التقليدية فى أوروبا. واتبعت ألمانيا هذه السياسة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، أو بمعنى أدق منذ انضمامها إلى حلف الناتو فى منتصف خمسينيات القرن العشرين. لذا فقد اقتصرت المساعدات الألمانية لأوكرانيا فى بداية الحرب على اللوجستيات وتجهيز المستشفيات والخدمات الأخرى التى تحتاجها القوات الأوكرانية، خاصة وأن التحالف الألمانى الحاكم المكون من الحزب الديمقراطى الاشتراكى، والحزب الديمقراطى الحر، وحزب الخضر، كان متوافقا على هذا الموقف من الحرب الأوكرانية. ولكن بدأ الموقف يتغير نتيجة للتصعيد فى الحرب من ناحية والضغوط الأمريكية الأوروبية من ناحية أخرى، وتغير موقف حزب الخضر إلى تأييد تقديم الدعم العسكرى لأوكرانيا، ورغم استمرار بعض الآراء المعارضة لذلك فى الحزب الديمقراطى الاشتراكى، إلا أنه حرصا على تماسك الائتلاف الألمانى من ناحية والاستجابة للمطالب الأمريكية والأوروبية من ناحية أخرى، حدث هذا التحول الكبير فى السياسة الألمانية بإمداد منطقة صراع فى أوروبا بالأسلحة. وكانت برلين حريصة دائما عقب كل مرة تمد فيها أوكرانيا بالأسلحة أن توضح أن هذه الأسلحة هى للدفاع عن الأراضى والشعب الأوكرانى، ويجرى الاتصال بروسيا لتأكيد أن ألمانيا لا تسعى للدخول فى حرب معها، وإنما تساعد دولة أوروبية للدفاع عن نفسها.
ولكن يلاحظ أنه فى كل مرة تقرر ألمانيا تقديم أسلحة لأوكرانيا، يتخذ القرار ببطء أو بتروٍّ شديد، ومثال ذلك الموافقة على إرسال دبابات ليوبارد 2 الألمانية إلى أوكرانيا، حيث اشترط المستشار الألمانى أولاف شولتس أن ترسل واشنطن دبابات أبرامز الأمريكية، وقد تحقق مطلبه. وتتضح أهمية الموافقة الألمانية على إرسال دبابات ليوبارد 2 فى أنها باعت أعدادا كبيرة منها لعدة دول أوروبية وأعلنت عن موافقتها على أن تقوم هذه الدول بإمداد أوكرانيا ببعض ما لديها من هذه الدبابات. وذلك رغم أن الخبراء العسكريين يرون أن الدبابات أيا كان نوعها ودرجة تقدم تجهيزاتها وقوة نيرانها، فإنها فى نهاية الأمر سلاح دفاعى أكثر من كونه سلاحا هجوميا إلا إذا كانت المعارك مقصورة فقط على الدبابات من الجانبين المتحاربين، وهو أمر غير قائم فى حرب أوكرانيا لاستخدام جميع أنواع الأسلحة، خاصة الطيران والصواريخ طويلة المدى من جانب روسيا وعدم إمكانية التدخل المباشر لدول الناتو التى تحارب بالوكالة وتضع أوكرانيا فى مواجهة غير متكافئة مع روسيا، وأن ما تحصل عليه من أسلحة يطيل أمد الحرب ولا يحسمها أو ينهيها.
●●●
ويلاحظ أن ألمانيا قاومت منذ البداية فرض عقوبات شديدة على روسيا، ورفضت على مدى نحو شهرين فرض عقوبات إخراج البنوك الروسية من نظام سويفت العالمى، وقاومت لعدة أشهر فرض عقوبات على صادرات روسيا من البترول والغاز، واستغرقت فترة غير قصيرة حتى تعلن وقف العمل فى نقل الغاز فى مشروع «نورد ستريم 2» مع روسيا والذى تم الانتهاء من إنجازه فى عهد حكومة أنجيلا ميركل، وكان جاهزا لإيصال الغاز الروسى مباشرة لألمانيا. وقد تكلف هذا المشروع أموالا كثيرة ووقتا ساهمت ألمانيا بمعظمها، وكانت تعلق عليه آمالا كبيرة وسبق أن رفضت ميركل طلب الرئيس ترامب وقف هذا المشروع وتعويض الغاز الروسى بالغاز الأمريكى، وذلك لأن الغاز الروسى أقرب وأرخص بكثير. لذا كانت الحرب الأوكرانية فرصة مواتية لواشنطن لوقف هذا المشروع، بل وتقليل اعتماد ألمانيا على البترول والغاز الروسى.
ويحرص المستشار الألمانى أولاف شولتس على التنبيه دائما من أنه لا يجب اتخاذ إجراءات من شأنها تأجيج الصراع فى أوكرانيا أكثر مما هو عليه بما قد ينتهى بتورط حلف الناتو فى هذه الحرب الدائرة رحاها. ويرى الحلفاء الغربيون فى هذا التروى والحذر الألمانى ترددا يعود إلى علاقة ألمانيا فى التقارب مع روسيا والتى بدأت بوادرها مع سياسة ألمانيا للاتجاه نحو الشرق فى عهد المستشار فيلى برانت فى بداية السبعينيات من القرن العشرين وكان مهندسها السياسى إيجون بار، وهى تقوم على فكرة أنه بالتقارب وتربيط المصالح الفعلية المشتركة تخفف من حالة العداء والاحتقان فى العلاقات مع موسكو، وأنه كلما زادت العلاقات التجارية والاقتصادية تقل الخلافات لصالح التقارب. واستمرت كل الحكومات الألمانية المتتالية فى اتباع هذه السياسة سواء كان يقودها الحزب الديمقراطى الاشتراكى أو الاتحاد الديمقراطى المسيحى. وقد شهدت فترة حكم أنجيلا ميركل التى امتدت نحو 16 عاما تطورا كبيرا فى العلاقات الألمانية الروسية، رغم ما صدر عن موسكو من عدة استفزازات لألمانيا والدول الغربية، منها عمليات ومحاولات الاغتيالات التى قامت بها الأجهزة الأمنية الروسية فى عواصم أوروبية منها برلين لمعارضين روس، وعمليات قرصنة إلكترونية ضد عدد من النواب الألمان، والمستشارة ميركل ذاتها، وقيام روسيا بضم شبه جزيرة القرم بالقوة فى عام 2014، ورد أوروبا بفرض عقوبات على روسيا. واتهام الأوكرانيين المستشارة ميركل بالمهادنة مع روسيا وهو ما جعل ميركل غير محبوبة فى أوكرانيا وحملها كثير من الأوكرانيين جانبا من المسئولية عما وصلت إليه بلادهم بسبب سياستها المهادنة طوال فترة حكمها. وظلت ميركل مصرة على استمرار مشروع «نورد ستريم 2» ورفضت إيقافه والإصرار على أنه مشروع اقتصادى بحت ولا علاقة له بالسياسة، كما أنها لم تكن مؤيدة لفرض عقوبات قاسية على روسيا فى السنوات الأخيرة من رئاستها الحكومة الألمانية، على أساس أن ذلك يلحق أضرارا بالاقتصاد الألمانى. ويتهم الأوكرانيون ميركل بأنها مسئولة عن دفع أوكرانيا إلى توقيع اتفاقية مينسك 2014 التى كانت تهدف إلى إنهاء الحرب فى إقليم دونباس الأوكرانى، دون أن يتحقق هذا الهدف.
قد اتسمت مواقف المستشار شولتس منذ بداية الحرب الأوكرانية بألا تكون ألمانيا ضمن من يدعون إلى مزيد من التسليح والعمليات العسكرية، والميل نحو الوسطية أخذا فى الاعتبار المصالح الألمانية الحقيقية على المدى البعيد، وأمن واستقرار أوروبا بالابتعاد عن التصعيد ومخاطر التورط فى حرب غير مرغوب فيها. هذا إلى جانب عدة اعتبارات أخرى لا تقل أهمية من بينها العلاقات الألمانية مع روسيا، ورؤيتها بأن التهدئة مع موسكو تخدم المصالح الأوروبية ويحل التعاون محل المواجهة. ومن ناحية أخرى، فإن ألمانيا ليست دولة نووية، وإن كانت الحرب الأوكرانية دفعتها إلى رصد نحو مائة مليار يورو لتقوية الجيش الألمانى، إلا أنها تظل، مثل أغلبية الدول الأوروبية أعضاء الناتو، معتمدة على المظلة النووية للناتو والتى تسيطر عليها واشنطن فى المقام الأول. كما أن الاقتصاد الألمانى متداخل بدرجة كبيرة مع الشركات الأمريكية عابرة القارات، وذلك منذ مشروع مارشال الأمريكى لإعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية حتى الآن. هذا إلى جانب ما يحيط بالقوة الاقتصادية والقوة العسكرية الألمانية التقليدية من مخاوف من جانب الدول الأوروبية من السيطرة الألمانية على الاتحاد الأوروبى، وتهرب الدول الأوروبية من تنفيذ مشروع إقامة قوات أوروبية مشتركة موازية ومتعاونة مع قوات الناتو، وذلك تخوفا من السيطرة العسكرية الألمانية. لذا فإن السياسة الألمانية تسير على خطوط متوازية تأخذ كل هذه العوامل فى الاعتبار وتسعى للتوفيق بينها قدر المستطاع.
●●●
يرى بعض أعضاء الحزب الديمقراطى الاشتراكى الذى يقود الائتلاف الحاكم حاليا أنه لا ينبغى التركيز بصورة أساسية على إمداد أوكرانيا بالسلاح، وإنما لابد من مقاربة سياسية اقتصادية وليست عسكرية فقط، ويدعون إلى إطلاق مبادرة غربية خلف الأبواب المغلقة لضمان نجاحها. ويرون أنه إذا كانت الولايات المتحدة نجحت فى الحرب العالمية الثانية، فيلاحظ أن الحروب فى فيتنام، وأفغانستان، والعراق لم تحقق نجاحا، ومن ثم فإن الحلول العسكرية ليست هى الوحيدة أو الصحيحة.
ومن ناحية أخرى فقد رد بوتين على إرسال دبابات «ليوبارد 2» الألمانية لأوكرانيا قائلا أنه لن يرسل دبابات إلى حدودهم، لكن لديه الوسائل للرد، ولن ينتهى الأمر باستخدام الدروع، وأنه يجب على الجميع فهم ذلك. وواضح أنه يوجه تحذيرات ليس فقط إلى ألمانيا وإنما أيضا إلى كل الدول الأوروبية التى ترسل الدبابات الألمانية لأوكرانيا. وهذا ما يجعل المستشار الألمانى شولتس حريصا على استمرار تواصله مع الرئيس بوتين للإبقاء على الحوار بينهما.
رخا أحمد حسن عضو المجلس المصري للشئون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة.
التعليقات