قمة تجمع البريكس ما بين التطلعات والتحديات - رخا أحمد حسن - بوابة الشروق
الأربعاء 23 يوليه 2025 3:27 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

ما هي توقعاتك لمصير وسام أبو علي في المرحلة المقبلة؟


قمة تجمع البريكس ما بين التطلعات والتحديات

نشر فى : الثلاثاء 22 يوليه 2025 - 7:25 م | آخر تحديث : الثلاثاء 22 يوليه 2025 - 7:25 م

 عقدت قمة تجمع البريكس السابعة عشرة فى البرازيل يومى 6 و7 يوليو 2025. شارك فى القمة الدول المؤسسة والدول المنضمة إلى التجمع فى عام 2024 وإندونيسيا التى ضمت إليه مؤخرا، كما شاركت عشر دول تحت مسمى الدول المشاركة وهم مختارون من بين نحو 35 دولة طلبت الانضمام ولم يبت بعد فى عضويتها. ولم يحضر هذه القمة الرئيس الصينى لأول مرة وقيل بسبب ارتباطات أخرى، واكتفى الرئيس الروسى بوتين بإلقاء كلمته عبر الفيديو كونفرانس وأناب عنه وزير الخارجية، كما أناب الرئيس السيسى رئيس الوزراء د. مصطفى مدبولى. ويتم تداول رئاسة التجمع لمدة عام واحد بين الدول الأعضاء.

يعد تجمع البريكس كتلة اقتصادية وتجارية ضخمة تنتج نحو 40% من إنتاج البترول العالمى، خاصة بانضمام كل من إيران والإمارات العربية المتحدة إلى التجمع. كما يسيطر التجمع على نحو 7,5% من المواد الأرضية النادرة. وتجاوز التبادل التجارى بينهم ما قيمته نحو تريليون دولار أمريكى. ويمثل سكانه أكثر من 40% من سكان العالم، وأكثر من ثلث النمو الاقتصادى العالمى متجاوزة مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى. وتقدمت دول البريكس ما بين 2009 و2023 بطلبات للحصول على نحو 44 مليون براءة اختراع، أى أكثر من نصف جميع براءات الاختراع المسجلة عالميا. وتبلغ قيمة اقتصادات دول تجمع البريكس نحو 28,5 تريليون دولار أمريكي، أو حوالى 28% من الاقتصاد العالمى.

وقد اعتبر تجمع البريكس تحديا للنظام السياسى والاقتصادى والمالى العالمى الذى تقوده الولايات المتحدة الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية، حيث يدعو أعضاء البريكس إلى إنشاء نظام عالمى جديد متعدد الأقطاب، وإلى منح صوت أقوى وأكبر للدول النامية فى الشئون الدولية. لذا فإن شروط انضمام دول جديدة إلى التجمع تتسم بالمرونة النسبية، وتعتمد على مدى موافقة الدول المؤثرة فى التجمع، وأن يلقى الطلب توافقا فى الآراء بالقبول، هذا إلى جانب الوزن الاقتصادى والقدرة على المساهمة فى نمو التجمع، والتمتع بالاستقرار السياسى، والتوجه الجيوسياسى المواتى، وتعزيز التعاون فى مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية والمالية والثقافية. وقد اعترضت الهند على انضمام تركيا حيث تعتبرها متحيزة لباكستان فى خلافاتها وصراعها مع الهند، كما أن السعودية لم تؤكد بعد قبولها الانضمام إلى عضوية البريكس هى والأرجنتين مراعاة لعلاقاتها مع كل من الولايات المتحدة والدول الغربية.

• • •

ثمة تباين فى الاتجاهات والآراء داخل تجمع البريكس. تسعى كل من الصين وروسيا إلى أن يكون التجمع قوة مضادة للهيمنة الغربية، بالنظر إلى الصراع الاقتصادى والتجارى بين واشنطن وبكين من ناحية، والدعم الأمريكى الغربى لأوكرانيا فى الحرب الروسية الأوكرانية والعمل على استنزاف روسيا اقتصاديا وعسكريا، بينما تهتم كل من الهند والبرازيل بالتعاون الاقتصادى والتجارى مع الولايات المتحدة والدول الغربية بدلا من المواجهة، الأمر الذى قد يؤدى إلى توترات محتملة داخل التجمع. كما أن انضمام المزيد من الدول يشكل بدوره تحديا إضافيا بسبب الالتزامات الجيوسياسية والتجارية بين بعض الدول مثل إيران وجيرانها، والخلافات بين مصر وإثيوبيا حول تأثير سد النهضة الإثيوبى على حصة مصر من مياه نهر النيل، ومدى الالتزام ببعض العقوبات الأحادية المفروضة على إيران، أو على روسيا بسبب الحرب مع أوكرانيا، مما قد يكون له تأثير مباشر أو غير مباشر على العلاقات والتوافقات السياسية ومضى التجمع قدماً نحو أهدافه ومصالحه.

كما أن التفاوت الكبير من حيث القوة الاقتصادية والسياسية وتعداد السكان بين الدول أعضاء تجمع البريكس يجعل إمكانيات تحقيق التوافق والسعى نحو الاندماج محكوم بحدود معينة صعب تجاوزها، ويتضح ذلك عند مقارنة الصين وروسيا بكل من جنوب أفريقيا، و إيران، أو مقارنة البرازيل بإثيوبيا. وثمة تأثير آخر للتباعد الجغرافى بين دول التجمع واعتبارات الموقع الجغرافى ومتطلباته الاستراتيجية والجيوسياسية والارتباط بالمجموعة الإقليمية والتزامات التعاون معها، فالصين قوة كبرى لها سياسات عالمية وتحتل المركز الثانى فى الاقتصاد العالمى وهى تختلف عن إيران وما تواجهه من عقوبات وتحديات دولية وإقليمية. وإذا أخذنا البرازيل مثالا، فهى أكبر دولة فى أمريكا الجنوبية والكاريبى ولها ارتباطات والتزامات تجاه هذه المجموعة الإقليمية.

ويعد تجمع البريكس بمثابة ملاذ ومظلة إلى حد ما بالنسبة لأعضائها من الدول التى تواجه حروبا وعقوبات اقتصادية، مثل روسيا وحربها فى أوكرانيا وفرض عقوبات أمريكية أوروبية على صادراتها من البترول والغاز وعدم التزام معظم أعضاء البريكس حرفيا بتطبيق هذه العقوبات عليها بدرجات متفاوتة. وإيران والعقوبات المفروضة عليها بسبب ملفها النووى واعتبار معظم دول البريكس أنها عقوبات أحادية غير ملزمة لجميع الدول، واستنكار دول التجمع العدوان الإسرائيلى الأمريكى على إيران ومنشآتها النووية. ولكن التزام كل من الصين وروسيا بتقديم مساعدات عسكرية لإيران لعدم تضمين الاتفاق الاستراتيجى بين كل منهما وإيران بندا عن الدفاع المشترك، وربما لأن الهجوم كان خاطفا قصير الأمد وقد يطرأ تغيير على هذين الموقفين إذا تعرضت إيران لحرب طويلة.

• • •

وسبق أن اقترح قادة دول تجمع البريكس منذ فترة إطلاق عملة خاصة بالتجمع للتخفيف أو التخلص من سيطرة الدولار الأمريكى باعتباره حتى الآن العملة الدولية الرئيسية، ولكن ظل تحقيق تقدم فى هذا المجال بطيئا للغاية، بسبب معارضة بعض أعضاء التجمع، خاصة الهند خشية من الهيمنة الاقتصادية الصينية، لأن اليوان الصينى معتمد عملة دولية من صندوق النقد الدولى. وتحاول دول البريكس تقليل اعتمادها على الدولار الأمريكى باستخدام العملات المحلية للدول الأعضاء فى التبادل التجارى فيما بينهم، وأنظمة دفع بديلة لنظام سويفت SWIFT المدعوم أمريكياً وأوروبيا.

وقد توعد الرئيس الأمريكى ترامب أنه سيفرض رسوماً جمركية عالية جداً على دول تجمع البريكس إذا أصدروا عملة دولية خاصة بهم بهدف إضعاف هيمنة الدولار الأمريكى، كما سيفرض زيادة جمركية بنسبة 10% على أى دولة فى التجمع تؤيد إصدارهم عملة دولية جديدة. وأعلن ترامب أنه قد يفرض نسبة 50% جمارك على الواردات الأمريكية من البرازيل التى أعلنت أنها لن تلجأ إلى تخفيض أو وقف التبادل التجارى مع الولايات المتحدة الأمريكية وإنما سيتم مراجعة هذه الرسوم الجمركية فى مرحلة لاحقة. وترى أغلبية دول البريكس أن تهديدات ترامب بزيادة الرسوم الجمركية لن تتم فى المستقبل المنظور، وربما طوال مدة رئاسته الحالية لعدم إمكان إصدار عملة دولية للبريكس خلالها.

• • •

وقد صدر عن قمة ريو دى جانيرو بيان ختامى يتضمن العديد من الموضوعات المهمة من وجهة نظر قادة تجمع البريكس والتى تتلخص فى النقاط التالية:

     •     الاحترام المتبادل والمساواة فى السيادة، والتضامن والديمقراطية والانفتاح والشمول والتعاون والتوافق بين دول التجمع.

     •     التعاون السياسى والأمنى والاقتصادى والمالى.

     •     تعزيز السلام ونظام دولى أكثر شمولاً وعدلاً، متعدد الأطراف ومتجدد.

     •     إعلان إطارى بشأن تمويل المناخ، وبيان بشأن الحوكمة العالمية والذكاء الاصطناعى، وإطلاق شراكة البريكس للقضاء على الأمراض الاجتماعية ودعم الرعاية الصحية.

     •     دعم القانون الدولى ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة ودورها المحورى لصون السلام والأمن الدوليين وتعزيز التنمية المستدامة، وحماية الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع.

     •     ضمان مشاركة وتمثيل أكبر وأكثر فاعلية للأسواق الناشئة والدول النامية والبلدان الأقل نمواً فى أفريقيا وأمريكا اللاتينية والكاريبى فى عمليات صنع القرارات العالمية.

     •     تعزيز دور المرأة خاصة فى الدول النامية، وفى المناصب الرئيسية فى المنظمات الدولية.

     •     ضرورة إصلاح الأمم المتحدة بما فى ذلك مجلس الأمن ودعم دور الدول النامية ودول البريكس.

     •     ضرورة أن يكون للدول النامية دور يتفق مع وزنها الاقتصادى فى كل من صندوق النقد الدولى والبنك الدولى بحيث يكونان شبكة أمان مالى للدول الضعيفة فى ظل حالة عدم اليقين والتقلبات السائدة حاليا، وضرورة مراجعة حصص المساهمين فى الصندوق والبنك الدوليين لتعزيز التعدد والحوكمة.

     •     القلق من الإجراءات الأحادية بفرض جمارك وزيادتها لأنها تشوه التجارة وتتعارض مع قواعد منظمة التجارة العالمية وقد تؤدى إلى زيادة الفوارق الاقتصادية.

     •     إدانة فرض عقوبات اقتصادية أحادية لأنها تؤثر سلبياً على حقوق الإنسان والتنمية.

     •     التأكيد على أهمية الدور المحورى لمنظمة الصحة العالمية وضرورة زيادة تمويلها.

     •     أهمية حوكمة الذكاء الاصطناعى وتقليل مخاطره وتلبية احتياجات دول الجنوب العالمي، وبما يخدم أهداف التنمية المستدامة والنمو الشامل مع احترام السيادة الوطنية.

     •     الأمل أن تسفر الجهود الحالية عن تسوية الأزمة الأوكرانية باتفاق سلمى، وإدانة الضربات الإسرائيلية الأمريكية ضد إيران، ودعوة إسرائيل إلى سحب قواتها من سوريا، والتأكيد على أن غزة والضفة الغربية كيان واحد تحت سيطرة السلطة الفلسطينية.

وواقع الأمر أنه رغم كل ما يحيط بتجمع البريكس من تحديات، سواء من داخل التجمع ذاته لتباين بعض المواقف بين أعضائه، أو من خارجه، فإن دول البريكس، وفى مقدمتها الصين وروسيا، حريصة على استمرار ونمو التجمع باتباع سياسات توافقية تعظم المصالح المشتركة وتغلبها على أى اختلافات سعيا لأن يكون لها دور فعال فى الشئون الإقليمية والدولية الاقتصادية والسياسية ومعالجة عدم التوازن الحالى فى موازين العلاقات الدولية على حساب دول الجنوب العالمى. 

 

 

رخا أحمد حسن عضو المجلس المصري للشئون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة.
التعليقات