الشىء المؤكد أن أزمة منع المطرب راغب علامة من الغناء فى مصر لن تستمر طويلا.
ليس فقط لأن راغب مطرب ناجح له جمهور كبير، لكن لأن النقابة ستحصل على الغرامة المالية التى ترغب فيها ويتمكن المغنى بعدها من تجديد التصريح واللحاق بحفلات الساحل الشرير.
بدأ المغنى يتبادل مع النقيب مصطفى كامل تصريحات للاستهلاك الإعلامى حول معنى الأخوة والقومية والعروبة وضرورة التعاون العربى المشترك والدفاع عن أخلاقيات المهنة وغير ذلك من الشعارات الجميلة التى تعكس رضا النقيب عن ذاته الوطنية الجريحة.
لكن تلك التصريحات لن تخفى على أية حال الأزمة الحقيقية التى نعانى منها وتكمن فى وجود فئة من القيادات المنتخبة فى قطاعات عديدة لديها إصرار غريب على تقزيم الدور التاريخى لمصر كحاضنة فنية عبر التخفى وراء شعارات زائفة ذات نزعات شوفينية محافظة تستهدف مغازلة المزاج العام واستثمار موقفه السلبى من الفن بوجه عام.
ننسى أن هذا المزاج تمت تغذيته عبر سنوات طويلة بخطابات تنفر من الفن وترغب فى حصاره فى المعانى التى لا ترى فيه إلا ما هو مشين ومبتذل، ولدينا فى تسجيلات المشايخ أكبر الأدلة على ذلك، ويكفى أن نتذكر مقولات الشيخ كشك فى حق أم كلثوم وشادية وعبد الحليم حافظ، وكلها صفات كانت تنزع عن هؤلاء كل الصفات الجمالية والأدوار التى ترتقى بالذوق العام والحس الإنسانى بوجه عام.
فى الشعارات التى يرفعها النقيب وأمثاله من المنتخبين تختلط العاطفة الأخلاقية مع أقصى درجات التطرف فى إثارة الشعور الوطنى واستغلاله فى المحل الخطأ سعيا لحشد جمهور مواقع التواصل الاجتماعى ليكونوا جنودا فى المعركة الغلط.
لدى هذا الجمهور الكثير من الأسباب التى تثير حشده نظرا لما يحاصره من الأزمات الاجتماعية والاقتصادية التى تحد من آماله وتعكنن عيشته، لذلك ما أيسر التورط فى إدانة الفن والفنانين إدانة أخلاقية تقوم على التعميم المخل وتسعى إلى حصار العاملين فيه وإرهابهم بالشعارات الأخلاقية المحافظة التى تستهزئ بمهنتهم فهم أصحاب (الهشك بشك).
فى أغلب الأحيان تستهدف هذه النوعية من الحملات الفنانين العرب المقيمين فى مصر لأن ابتزازهم أسهل، كما أن الوطنية المحلية تستعمل كفزاعة سرعان ما تحقق أهدافها خصوصا حين يتطرف البعض ويطالب بترحيل بعضهم كما حدث مؤخرا مع فنانة كبيرة مثل هند صبرى أو المطالبة بالمنع من العمل كما فى حالة راغب علامة.
يعرف الجميع أن مشهد تقبيل راغب راسخ وقديم ومتكرر وقد شاهدته قبل عشرين عاما فى حفل زواج حضرته فى أحد الفنادق الكبرى قبل زمن التواصل الاجتماعى. شاهدت المطرب الشهير محاطا بفتيات ونساء جميلات حرصن أيضا على تقبيله «عينى عينك» والتقاط الصور معه وهذه ليست مشكلة راغب أو مسئوليته على أية حال.
وقد سمعته ورأيته فى أكثر من لقاء تلفزيونى يسخر من تساؤلات دارت حول ما يجرى معه على المسرح.
الشىء الذى لا خلاف عليه أن لدى النقابة أولويات أهم بكثير من ملاحقة قبلات النساء لراغب علامة فالأعضاء يواجهون أشباح البطالة بعد انتشار الدى جى وتوقف معظم استديوهات التسجيل عن العمل بعد توافر البرامج التى تحسن الصوت بفضل الطفرات التكنولوجية ولا يكفى لحل مشاكل هؤلاء السياسات التى تتبعها النقابة فى تهديد الفرق المستقلة بمنع أفرادها من الهواة من العمل دون الحصول على تصاريح مدفوعة مسبقا، وهذه التصاريح باب كبير من أبواب الفساد يطرقه كل محتاج.
تكشف أزمة راغب عن ضيق أفق عام وتناقض مجتمعى صارخ فى موقف الناس من الفن والفنانين فالغالبية تسعى خلف النجوم وتلاحقهم فى المناسبات وتحاول التقاط الصور السيلفى مع بعضهم وهى نفسها الوجوه التى تستهدف الفنانين بالشائعات وتتهمهم بالرذيلة والكسب الحرام وترتاح لأول مشكلة يخطئ فيها فنان لأنها توفر الدليل القاطع على فساد أخلاقه أو (قلة تربيته).