نحو فهم دور الصين فى عالم متحول - يوسف الحسن - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 9:49 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نحو فهم دور الصين فى عالم متحول

نشر فى : الثلاثاء 21 سبتمبر 2010 - 9:51 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 21 سبتمبر 2010 - 9:51 ص

 هى محاولة لفهم الصين الجديدة، وهى تعيد تكييف مفاهيم سياساتها الوطنية والخارجية، وتنشط على المسرح الدولى، على أساس واقعى، يعترف بالقطبية الأحادية الراهنة، ويدعم علاقات ثنائية معها، ويجاهد لدعم علاقاته مع الدول النامية، ويسعى لتحقيق أهداف الصين الاقتصادية الكبرى، بعد أن أصبح اقتصادها ثانى اقتصاد فى العالم، فى ظل قلق وامتعاضات دول صناعية كبرى. خاصة أن الصين تبدو فى تحركها فى مناطق مزدحمة بالمنافسين، تسعى لإعادة تأسيس نفسها كقوة عالمية كبرى، بعد أن عانت من المهانة الغربية على مدى قرنين من الزمان.

لكن هل سيكون هذا السعى الصينى سهلا وسلسا؟ هذا ما سنحاول فهمه، من خلال طرح عدد من الأسئلة والإشكاليات التى يمكن أن توفر لنا مفاتيح مناسبة لفهم دور الصين الجديدة فى عالم متحول.

يبدو فى الوقت الراهن أن السيادة العالمية أو القيادة العالمية مشكلة أكبر مما يعتقد المرء، فمتطلبات هذه القيادة أصبحت مختلفة، والأخطار الجديدة مغايرة عما سبق، وتحتاج لأدوات جديدة.

من ناحية أخرى، فإن تأسيس مجموعة العشرين G20 ، إثر ظهور الأزمة المالية العالمية، هو مؤشر ساطع عن حاجة العالم إلى أطر جديدة للقيادة العالمية، ليس لتعزيز الديمقراطية، بل للبحث عن قوى دولية إضافية لتحمل الأعباء والأكلاف العالمية.

هل الصين مهتمة الآن بلعب دور القائد فى العالم؟
بمعنى تحمل اكلاف والتزامات هذا الدور، بدءا من إعادة تشكيل النظام الجيوبوليتيكى العالمى والانضمام إلى عضوية المؤسسات الدولية القيادية، بما يعزز نظاما دوليا تعدديا أكثر فعالية وتوازنا. وانتهاء بدفع الأثمان التى تبرر هذه العضوية الكاملة، والمساهمة الفعّالة فى القضايا الدولية «الخشنة»، مثل الحدّ من مخاطر الانتشار النووى، وتمكين النظام القانونى الدولى من ترسيخ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، وحق الشعوب فى تقرير مصيرها وحماية البيئة والتغير المناخى، وتمويل هذه البرامج الدولية..الخ؟

هل هى راغبة فى لعب هذه الأدوار القيادية؟ خاصة أنها لم تعد دولة نامية، بعد أن حققت أهدافا اقتصادية كبرى، وقبلت القواعد الدولية، بعيدا عن «الأدلجة الرمزية»، وانخرطت فى أنماط متنوعة من التعاون الإقليمى الدولى، وابتعد خطابها السياسى الداخلى عن إعادة إنتاج «ذهنية الضحية» التى سيطرت لعدة عقود، وتركز الآن فى خطابها الداخلى على تشكيل «ذهنية القوة العظمى».

إن كثيرين فى العالم، يفهمون أن الصين تسعى إلى علاقات خارجية دون مشاكل، وذلك لأن متطلبات التنمية الصينية كبيرة وموارد الصين محدودة، وبالتالى فإن أى مشاكل مع العالم الخارجى ستؤدى إلى تعطيل خطط التنمية. وهذا يعنى، أن العالم مطالب بحل مشاكله بنفسه، وأن الصين لا تستطيع أو غير راغبة أن تقدم شيئا فى هذا المجال، بما فى ذلك تجاه القضايا العربية الشائكة، والتى لا يعرف الرأى العام الصينى الكثير من تفاصيلها. ولا تشكل هذه القضايا أى ضغوط على الحكومة الصينية، على عكس قضايا أخرى تهم الصين، مثل استقرار شبه الجزيرة الكورية. صحيح أن الشرق الأوسط، أصبح مهما للصين، لارتباطه بإمدادات النفط والغاز الضرورية لاستمرار خطط التنمية الصينية. لكن مشاكله المعقدة، والاستقرار فيه، تضع الصين أمام إشكالية كبيرة، تحتاج إلى مبادرات فعالة لا عزلة وانكفاء.

كيف تنظر الصين إلى الوضع الإقليمى الآسيوى حولها، الذى يحمل تغيرات عميقة فى هيكل توزيع القوة؟
بعد الحرب العالمية الثانية، كانت قوى الصين واليابان وكوريا، مدمرة تماما، لكن اليوم، تغير الوضع، فأساطيل البحرية الكورية واليابانية والهندية والصينية هى رموز ساطعة لتوازن القوى الصاعدة. وهذا يعنى أن آسيا اليوم، والصين فى قلبها، عائدة إلى مبدأ التعددية الكلاسيكية القطبية، بما يحمله من إشكاليات أمن وتعاون.

تبدو الصين فى هذا المشهد الآسيوى، نشطة للغاية، تسعى لتوسيع نفوذها، بحثا عن الأسواق لمنتجاتها، وعن الثروات المعدنية والطاقة والنفط، لخدمة نموها الاقتصادى. كما تبدو للمراقب غير ما بدت عليه أمريكا كقوة تروج لقيم وأنماط حكم وحياة وأيديولوجية وتستخدم القوة العنيفة والعدوانية لفرض أنموذجها. وإنما تبدو الصين كقوة ناعمة اقتصادية، توسع مصالحها بشكل طبيعى لكن فى الوقت نفسه تعمل الصين بهدوء على بناء قوة بحرية هائلة، وتخرج إلى أعالى البحار، وهذا يعنى أن لها مسئوليات إقليمية، لها تبعاتها واشكالياتها.

وهذا المشهد، يقودنا إلى تساؤل حول الضمانات وبوليصات التأمين التى تملكها الصين لمواصلة نموها الاقتصادى فى المستقبل. هل ستشكل اتفاقيات التعاون والصفقات التجارية التى عقدتها، إضافة إلى تنامى قوتها البحرية أساسا لهذه الضمانات؟ أم أن قلق هذا التمدد والذى وصل إلى الهند واليابان بشكل خاص، سيطرح إمكانية إعادة الاصطفاف لقوى آسيوية مع أمريكا لتحقيق نوع من التوازن مع القوة الصينية الصاعدة؟ كما يقودنا إلى سلسلة مخاوف أخرى من إمكانات وقوع مواجهات اقتصادية خطيرة بين القوى الصناعية الكبرى، نتيجة تمدد الصين الاستراتيجى، فى مناطق جديدة فى آسيا الوسطى والبلقان، وفى أفريقيا أيضا، حيث تبدو فى عيون شركات وحكومات غربية، وكأنها «تغتصب» أفريقيا للحصول على المصادر الطبيعية، ولا تعنيها الشعارات السائدة فى هذا العصر عن «الشفافية والحكم الرشيد»، وحظر التعاون مع الديكتاتوريات والدول الفاشلة فى أفريقيا». ومن المؤكد أن هذه النظرة العوراء الغربية، تتجاهل دور الغرب فى القرنين الماضيين فى نهب أفريقيا واستعباد شعوبها، وحمايتها للأنظمة العنصرية والديكتاتورية.

فى مثل هذه التحديات والمنافسات والنزاعات فى مناطق استثمارات الصين وأسواقها وحركة أساطيلها البترولية فى المحيطات، تطرح التساؤلات حول السياسات المتوقعة للصين فى أزمات الشرق الأوسط (العراق/السودان/فلسطين المحتلة/والخليج العربى وغيرها). خاصة إذا ما عرفنا أن هناك توسعا كبيرا للشركات الصينية فى الحقول النفطية العالمية، وأسباب هذا التوسع معروفة، من بينها:
تقادم حقول النفط الصينية، وحاجة الصين إلى الاستيراد لمواجهة الاستهلاك الداخلى المتزايد (الاستهلاك الداخلى الآن نحو ثمانية ملايين برميل يوميا، فى حين إنتاجها من النفط الخام هو نحو ثلاثة ملايين برميل يوميا) من النفط الخام.

وقد فازت الشركات الصينية بحصة الأسد فى مناقصات النفط العراقى عام 2009. وهناك استثمارات صينية ضخمة تجاوزت قيمة التجارة الثنائية الصينية العربية مبلغ المائة وعشرة بلايين دولار فى العام الماضى، وتشارك المؤسسات الصينية فى تنفيذ مشاريع تنموية فى السعودية بأكثر من 12 بليون دولار. وفى الجزائر بنحو 20 بليون دولار فى مشاريع إنشائية.

وفى المحصلة، فإن هذا التوسع الصينى فى الشرق الأوسط يلقى على الصين مسئوليات كبرى تجاه الاستقرار وتسوية النزاعات فيه. كما يضع الصين أمام مسئوليات التعامل مع قضايا الأمن الإنسانى فى المنطقة.

الصين فى حاجة إلى النفط والغاز والأسواق والاستثمارات العربية. والوطن العربى بحاجة إلى توطين تكنولوجيا متقدمة، وتأهيل عمالة ماهرة واستثمارات جديدة فى الصناعة والطاقة المتجددة، كما أنه بحاجة إلى تعاون مشترك مع الصين لإنهاء مصادر التوتر ومواجهة اختلال التوازن فى النظام الدولى وغياب العدالة فيه وبلورة ديناميكية مختلفة للعلاقات العربية الصينية عمّا كانت عليه فى السابق.

هل هناك نمط حداثى صينى، بديل عن النمط الغربى؟
دعنا هنا، نبحث فى المعطى الثقافى والحضارى، وهو البعد الذى يفلت عادة من حواراتنا حينما نستحضر الصين كقوة عالمية صاعدة فى القرن 21، ونتساءل فى محاولة للفهم عن طبيعة النمط الصينى الحداثى اليوم، وبخاصة أننا نقرأ أن هناك محاولات من نخب صينية، لإعادة تأهيل التراث الكونفوشيوسى، الذى يشدد على الكفاءة، ولا يهتم بالحرية.

ولاشك أن الصين اليوم، قادرة على تحقيق إنتاج صناعى وفير، وضخ استثمارات هائلة فى اقتصاديات أفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا الوسطى، إلاّ أن مسألة السيادة العالمية، والقيادة العالمية، تتطلب قدرات وإمكانات إضافية، وهى عوامل أساسية فى تحقيق التفوق، وأهمها إنتاج الأفكار والابتكار والتقدم العلمى وتقديم أنظمة متقدمة فى الإدارة والحكم والثقافة والفكر. بمعنى آخر، فإن التحدى أمام الصين، سيكون فى تطوير حضارة ذات نفوذ أخلاقى وعلمى وثقافى، يأسر مخيال شعوب العالم، فأوروبا سيطرت على العالم منذ عصر النهضة ،من خلال (التفوق العلمى والابتكار، وتنظيم المجتمعات وأفكار التنوير، ومازال العالم يعيش على إرث هذه النهضة، رغم استخدام القوى الأوروبية الامبريالية، كل وسائل القوة المسلحة، ودبلوماسية البوارج والبارود فى الهيمنة والسيطرة على ما وراء البحار لعقود طويلة.

هل أصبحت الصين قوة عظمى فعلية؟
إن المصدر الأساسى لمعلوماتنا عن الصين، هو مراكز الأبحاث الأمريكية والغربية بشكل عام. ومعظمها يميل إلى تضخيم دور الصين، بهدف إبقاء عامل المنافسة فى ذروته داخل المجتمعات الغربية، والمحافظة على إنتاجية عالية، فضلا عن هدف تضخيم الخطر الصينى.
لكن مصادر محايدة، تتحدث عن التنمية فى الصين، بشكل مغاير، حيث ترى أن التنمية ما زالت غير متوازنة، ففى حين تبدو المقاطعات الساحلية أكثر نموا، فإن المقاطعات الداخلية تشهد نموا مماثلا للنمو فى العالم الثالث. وتعانى من نقص حاد فى الرعاية الصحية وماء الشرب الآمن، والتعليم الجيّد. وهناك مئات الملايين يعيشون فى مستوى الفقر، وعلى هامش الحداثة. كما يميل المجتمع الصينى نحو الشيخوخة وبخاصة مع تأثيرات سياسة الابن الواحد، حيث ترتفع تكاليف الرعاية الصحية.

كما أن هناك عوامل داخلية تؤثر فى استقرار الصين، وتماسك مجتمعها، من بينها بروز طبقة وسطى، ومتطلباتها بحق المشاركة السياسية، فى ظل نظام ديموقراطى ليبرالى. وبوجود حركات انفصالية إثنية. ويرجح البعض أن صعود الصين إلى مسرح العالم سيحدث دائرة مفرغة فى القدرة التحكمية للدولة فى مجتمعها.

كيف ستعالج الصين هذه الظواهر، ومن بينها ظاهرة «التباين الطبقى الشديد» الناشئة فى ظل الانفتاح والإصلاح وتجربة اقتصاد السوق، وما هو مصير الثقافة الصينية التقليدية خاصة وان النخب الصينية الجديدة ليست معزولة عن العالم الغربى، وغير ذلك. حينما سأل كيسنجر وزير الثقافة الفرنسى أيام ديجول أندريه ما لرو، عن الأسلوب الأمثل لفهم الصين؟ أجابه ما لرو: «إن أمريكا تحتاج الى عشرة قرون كى تفهم الصين وأهلها.

«صين اليوم تحتاج، ونحتاج معها إلى فهم متبادل، فى سياقات مختلفة ومقاربات مغايرة عما سبق».

يوسف الحسن  مفكر عربي من الإمارات
التعليقات