غاضب من الرئيس - محمد عصمت - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 7:34 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

غاضب من الرئيس

نشر فى : الإثنين 22 فبراير 2016 - 9:30 م | آخر تحديث : الإثنين 22 فبراير 2016 - 10:39 م


حتى الآن، لم يصل لهيب الغضب الشعبى من تدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية لأسوار القصر الجمهورى، فالرئيس السيسى ــ رغم التراجع النسبى فى شعبيته ــ لايزال يحتفظ بقاعدة جماهيرية عريضة تؤيد سياساته، وتستنجد به لحل مشاكلها، ورفع الظلم عنها، إلا أن استمرار الأوضاع تجرى كما هى عليها الآن، سيجعل الغضب من السيسى نفسه، مسألة وقت!

الرئيس الذى قال أكثر من مرة إن الأوضاع الاقتصادية سوف تتحسن فى مصر بعد عامين من حكمه، جاءت حكومته منذ عدة أيام لتنذر الناس بـ«قرارات مؤلمة»، لا تعنى فى حقيقتها إلا انتظار موجة جديدة من رفع أسعار السلع والخدمات الأساسية، لم يعد غالبية المصريين يتحملونها، بل إن الرئيس نفسه عبر بصراحة، منذ عدة أسابيع، عن عدم رضاه عن تضخم فاتورة الدعم الحكومى لفواتير الماء والكهرباء، فى إشارة لا تتحمل إلا تفسيرا واحدا، وهو أن وعد الرئيس بتحسن الأوضاع بعد عامين، أصبح محل شك!

قد يتفهم الكثيرون أن الرئيس قد يكون معذورا فى اضطراره للموافقة على قرارات حكومته باتخاذ قرارات مؤلمة، وقد تكون قلة الاستثمارات الأجنبية التى كان متوقعا وصولها للبلاد، هى السبب فى الشروع فى اتخاذ هذه القرارات، ولكن من يضمن أن هذه القرارات سوف تحقق الرخاء، أو على الأقل تخفف من أعباء المعيشة الصعبة حتى ولو بعد 10 سنوات وليس فقط بعد عامين، خاصة أننا قد جربنا هذه السياسة التى تعتمد على الخصخصة ورفع يد الدولة عن النشاط الاقتصادى منذ عصر السادات، ولا تزال أوضاع المصريين تزداد سوءا عاما وراء عام.

ما لا يمكن فهمه أو تبريره، أن الرئيس الذى يؤمن تماما بالسوق المفتوح، وبالطريق الرأسمالى للتنمية الاقتصادية، وبدور القطاع الخاص فى تحقيق النمو والرخاء، لا يبدو منفتحا بنفس القدر على مفاهيم الحريات السياسية والنقابية وحرية التعبير والحق المطلق فى الإضراب والتظاهر، التى يتبناها هذا النظام الرأسمالى، الذى تتبع حكومات الرئيس المتعاقبة نهجه الاقتصادى، وتسير على هدى ونصائح مؤسساته المالية الكبرى.

وقد جاء الحوار الذى أجرته معه مجلة «جون أفريك» الأسبوع الماضى، ليكشف أن رؤية الرئيس بضرورة الموازنة بين الأمن والحريات، وبأن الديمقراطية لن تتحقق فى مصر بالشكل المأمول إلا بعد 25 عاما، تؤكد ــ حتى لو لم يرد الرئيس شخصيا ذلك ــ انحياز حكمه لمفاهيم سياسية ذات نكهة شمولية، بدعوى أن المصريين لم ينضجوا بعد سياسيا للممارسة الديمقراطية طبقا للنموذج الغربى، أو أن مصر تحارب الارهاب ومضطرة لاتخاذ قرارات استثنائية، أو أنها معرضة لمؤامرة دولية تريد جرنا لمصير سوريا وليبيا واليمن!

وسط دفتى هذا التناقض بين الحرية الاقتصادية والقيود الديمقراطية، يمكن فقط فهم غضب الأطباء من عصا الأمن الغليظة واهدار كرامتهم، وضعف مرتباتهم، ورفضهم للسياسات الصحية للدولة التى تعجز عن تقديم خدمة طبية لائقة لمرضى التأمين الصحى والمستشفيات الحكومية، كما يمكن أيضا فهم غضبة أهالى الدرب الأحمر احتجاجا على قتل سائق برصاص أمين شرطة فى مشاجرة عادية، تحولت بنهايتها الدموية إلى هتافات نارية ضد الحكومة، ممثلة فى وزارة الداخلية.

تحميل أمناء الشرطة، أو بالأحرى العناصر الفاسدة وسطهم، مسئولية هذا الغضب، هو هروب من مواجهة المشكلة الحقيقية، وهو أيضا تواطؤ ممجوج للاستمرار فى نفس السياسة الأبوية التى تحل الأزمات الطبقية والاجتماعية، بالمصالحات العرفية، وتطييب الخواطر، وطبع القبلات على الرءوس، والابتعاد أكثر وأكثر عن دولة القانون والحريات.

شرعية حكم الرئيس السيسى تستند إلى انحيازه لثورة يناير بشعاراتها الواضحة فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية، وبدون ترجمة هذه الشعارات بصدق تام إلى سياسات وممارسات على أرض الواقع، تنفذها كل مؤسسات الدولة، فإن هذه الشرعية ستواجه أزمات حادة، لا أتصور أن المصريين يتحملونها، أو حتى يريدونها الآن!

محمد عصمت كاتب صحفي