الاتفاق الإماراتى ــ الإسرائيلى - إبراهيم عوض - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 5:47 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الاتفاق الإماراتى ــ الإسرائيلى

نشر فى : السبت 22 أغسطس 2020 - 8:20 م | آخر تحديث : السبت 22 أغسطس 2020 - 8:20 م

على الرغم من أن الاتفاق بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل على التطبيع التام للعلاقات فيما بينهما، المعلن عنه فى بيان أمريكى ــ إماراتى ــ إسرائيلى يوم 13 أغسطس الماضى لم يكن مفاجأة كاملة من واقع العلاقات العلنية والسرية بين البلدين لأكثر من عقدين مضيا، فإن وقعه كان هائلا فى العالم العربى. ليس ثمة غرابة فى ذلك فلأكثر من مائة عام، وخاصة منذ الأربعينيات من القرن العشرين، كان الصراع العربى الإسرائيلى، وفى القلب منه القضية الفلسطينية، هو جوهر السياسة فى المنطقة العربية والشرق الأوسط والمحدد للمواقف من كل الصراعات الأخرى.
ولقد انقسم المعلقون العرب والمهتمون منهم بالصراع السياسى فى المنطقة العربية والشرق الأوسط فى ردود فعلهم على الإعلان. ذهب البعض إلى تأييد متحمس للاتفاق واستبشر به خيرا على العرب برمتهم، بما فى ذلك الشعب الفلسطينى نفسه، الذى حملوه وانقساماته المسئولية عن تراجع قضيته عن قلب الصراعات فى المنطقة. من هؤلاء من صار يقدم على الصراع العربى الإسرائيلى صراعا عربيا تركيا، أو عربيا إيرانيا، أو حتى عربيا إثيوبيا. وهم ربما قدموا الصراعات الداخلية العربية مثل صراع الدول الوطنية مع مختلف تعبيرات الإسلام السياسى، أو الصراع مع الفقر والتخلف ومن أجل التنمية على الصراع العربى الإسرائيلى.
آخرون تحرجوا من أن يكون التطبيع على حساب القضية الفلسطينية والشعب الفلسطينى، فأولوا ما يرد فى الاتفاق عن تعليق ضم إسرائيل للأراضى المقامة عليها مستوطنات فى الضفة الغربية لنهر الأردن على أنه يعنى أنه ما إذا رجعت إسرائيل عن «التزامها» بتعليق الضم فإنه يمكن للإمارات بدورها أن تتراجع عن الاتفاق و«يا دار ما دخلك شر».
المتحدثون باسم الشعب الفلسطينى وفريق ثالث من المحللين العرب هاجموا الإمارات ونددوا بالاتفاق واعتبروه طعنة للشعب الفلسطينى وخروجا على الإجماع العربى المتمثل فى المبادرة العربية للسلام التى تنص على الاعتراف والتطبيع الكامل فى مقابل انسحاب إسرائيل من الأراضى الفلسطينية والعربية الأخرى التى احتلتها فى سنة 1967.
***
عناصر الاتفاق صارت معروفة بحيث لا توجد حاجة لاستعراضها. نبدأ تعليقنا على الاتفاق والنقاش الدائر بشأنه بأن الاتفاق ليس بالطبع اتفاق سلام كما حلا للرئيس الأمريكى وغيره أن يسموه فليس بين الإمارات وإسرائيل حالة حرب أصلا. ما كان هناك منذ نشأة دولة الإمارات فى سنة 1971 هو تضامن اتخذ أشكالا متعددة مع الشعب الفلسطينى ومع الدول العربية المتنازعة مع إسرائيل. والاتفاق ليس بشأن القضية الفلسطينية، ولا تعليق ضم الأراضى الفلسطينية السبب فى عقده. لو كان، لعُدَ اتفاقا تعسفيا فعلا وخدعة وقعت فيها القيادة الإماراتية. ليس الأمر كذلك. هل يكون المقابل للاعتراف وتبادل التمثيل الدبلوماسى واتفاقيات التعاون فى جميع المجالات، من خطوط الطيران المباشرة إلى التجارة والسياحة والاتصالات والبحث العلمى والأمن والاستثمار وغيرها، دعك من إنارة برج خليفة فى دبى بألوان العلم الإسرائيلى، هل يكون المقابل لكل ذلك هو مجرد تعليق ضم الأراضى التى تقع عليها المستوطنات وهو تعليق ذكر البيان أن الرئيس الأمريكى هو من طلبه؟ وعلى أى حال لم يقل أحد فى الإمارات أن تنفيذ الاتفاق رهين بتعليق الضم، بافتراض أن هذا أصلا مقابل مجزٍ. أما رئيس الوزراء الإسرائيلى، فلقد أعلن من جانبه أنه لا رجعة عن الضم وإنما المسالة مسألة توقيت. ولننتهى من هذا التأويل، هل يمكن لأحد أن يتصور رجوعا فى الاتفاق بعد أن تتشعب العلاقات بين البلدين وتتعقد؟
***
ببساطة، الاتفاق يعكس اقتناعا بأن التعاون الوثيق مع إسرائيل هو من مصلحة الإمارات وأنها يمكن من وراء هذا التعاون أن تستفيد بالتلاقح بين الإمكانيات الإماراتية من موارد نفط وبنى أساسية وكذلك معرفية بنتها وعلاقات خارجية نمتها من جانب، والتقدم العلمى والتكنولوجى والاقتصادى الإسرائيلى وعلاقات خارجية هى أيضا طورتها فى العقود الثلاثة الأخيرة، من جانب آخر. ليس دليل أفضل على ذلك من الإشارة فى البيان الثلاثى إلى أن البلدين هما بين الأكثر تقدما فى منطقة الشرق الأوسط وفى سياقات أخرى قيل أنهما الأكثر تقدما على الإطلاق. ومع ذلك يثور سؤال، ما هى المصلحة التى تبغيها الإمارات من وراء التعاون الوثيق مع إسرائيل؟ وإن بقيت موارد النفط هى الأساس فلقد نمت الإمارات اقتصادها ونوعت فيه ومستوى معيشة المواطنين ومتوسط دخلهم الفردى بين الأعلى فى العالم وهى ترد فى واحد من التصنيفات على أنها أول دولة عربية من حيث القوة الناعمة. لا يمكن أن يكون الهدف إلا تنمية قوتها المادية والرمزية والخروج بهما إلى المنطقة العربية أو الشرق أوسطية، وربما إلى ما عداهما، والمتابع يعلم أن الخروج إلى المنطقة قد بدأ فعلا منذ عقد من الزمان على الأقل. فى أى خروج إلى العالم ومحاولة التأثير فيه القوة المادية تستخدم لبناء القوة الرمزية وبث الأفكار والنموذج هو الهدف النهائى والأهم، وهو الضامن للمصالح المادية. المعضلة الكبرى هى أن نموذج الإمارات غير قابل للتصدير. نظام الحكم المُتَمَحوِر حول الأسرة أو الأسر الحاكمة، والاقتصاد الذى ترفده موارد نفط هائلة، والوطنيون الذين يتعدون عشرة فى المائة من السكان بالكاد، وقوة العمل التى يشكل غير الموطنين أكثر من تسعين فى المائة منها، هذه كلها عوامل فريدة لا يمكن أن تشكل نموذجا لأى دولة وطنية فى المنطقة أو فى العالم. وليس بالطبع فى تفكير الإمارات أن يؤدى التعاون مع إسرائيل إلى أن تستفيد من نموذجها، وعلى أى حال فنموذج الدولة التى تحتل أراضى الغير وتشرِد سكانها وتحاصر من بقى منهم وتميز بين نفس مواطنيها على أساس الدين، ليس نموذجا يحتذى به أو هو قابل للتصدير.
***
للإمارات الحق، باعتبارها دولة ذات سيادة، فى أن تحدد اختياراتها السياسية على أساس ما تراه أنه مصلحتها الوطنية، أيا كان الرأى فيما إن كانت هذه مصلحة فعلا أم لا، وللأمانة فإن مصر والأردن سبقا إلى ذلك، وإن كان يميزهما أنهما دولتا مواجهة كانتا فى حالة حرب مع إسرائيل التى احتلت أراضٍ فى كل منهما. النتيجة التى تستخلص من ذلك هى أن على الدول العربية أن تنظم العلاقات فيما بينها ومع غيرها على نفس الأساس الذى استندت إليه الإمارات فى إرساء دعائم تعاونها الوثيق مع إسرائيل وهو أنها دول ذات سيادة ليس لأحد أن ينازعها فى اتخاذ قراراتها. ولكن التنبه واجبٌ إلى أنه على هذا الأساس ما الذى يحول دون أن يوثق العراق علاقاته بإيران، وأن تستدعى حكومة الوفاق فى طرابلس تركيا إلى ليبيا، وأن تحذو قطر حذوا شبيها، وأن تدعو سوريا كلا من روسيا وإيران إلى الدفاع عن النظام فيها؟ ولشديد الأسف أن لاستقلال الدول باتخاذ قرارها ما يبرره فالعرب لم يتفقوا قط على ماهية المصلحة العربية العليا ولا الأمن القومى العربى، ولا ابتكروا طريقة لتحديدهما، وهم اكتفوا برفعهما كشعارات وتناولهما بكلام مرسل لا طائل من ورائه.
***
نصل إلى ما قيل عن أن الاتفاق مفيد للعرب ويحقق مصالح لهم. دعك من مصلحة فلسطين، فيبدو أن من ضمن ما يفسر الاتفاق استنتاج وصل إليه البعض وهو أنه لا مجال للعدالة ولإنصاف شعبها بالتزامن مع تحقيق السلام مع إسرائيل. ولكن كيف يحقق الاتفاق مصالح الجزائر وتونس ومصر والعراق مثلا بدون التشاور معهم أو حتى التعرف على الأولويات التى تريد كل منها أن توليها الإمارات وإسرائيل رعايتهما؟ أم هل أن مصلحة المنطقة هى فى أن تحصد دولها المزايا التى ستتساقط عليها من التعاون الإماراتى الإسرائيلى، بشكل يشبه ما تدعيه نظرية التساقط فى علم الاقتصاد؟
أيا كان رد فعلها الأولى عليه فهل تقبل أى من الدول الأربع المذكورة وغيرها فى المديين المتوسط والبعيد هذه المقاربة للاستفادة «بمزايا» الاتفاق؟ هذه المقاربة تعنى ببساطة أنها ستكتفى بفتات تتفاوت قيمته بينما يذهب نصيب الأسد إلى صاحبى الاتفاق، بما يعزز من قوتهما، خاصة إسرائيل، ويضيف إلى الاختلال الجيوسياسى الموجود مزيدا من الاختلال فيتأثر توزيع القوة والمكانة والنفوذ فى المنطقة. وهل ترضى هذه الدول بأن تكون بمجرد المتلقية للخطة الاستراتيجية التى وعد البيان الثلاثى أن الولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات ستجود بها على المنطقة؟
على الدول العربية الراغبة فى ذلك أن تنشىءالتعاون بينها من جديد على أساس بناء مصالح مشتركة لها وتبادل ما هو موجود منها، فلا بد أنه اتضح لمن كان يرفض رؤية ذلك أن الاشتراك فى الهويات ليس كافيا للعمل المشترك بين الدول ذات السيادة.
أما الشعب الفلسطينى فبعد أن استنكر الاتفاق وأدانه، عليه أن يتحرك. إن كان العرب عاجزين عن مساعدته وإن كان المزيد منهم على وشك التعاون مع إسرائيل، فإن أمامه خيار الدفاع عن قضيته والترويج لها على أنها قضية إنسانية، بمعنى قضية قيم سياسية وحقوقية إنسانية يستدعى إلى رفع لوائها المجتمعين السياسى والمدنى الدوليين، وليس هذا شيئا جديدا تماما فللقضية الفلسطينية أنصار كثيرون بالفعل فى المجتمع المدنى الدولى وكذلك فى المجتمع السياسى على المستوى الدولى وعلى المستوى الوطنى لعدد كبير من الدول. ولكن على الشعب الفلسطينى أن يتنبه إلى أن هذا المنهج يتطلب منه أن ينظم نفسه بشكل مختلف وأكثر رقيا عن تنظيمه فى ظل المقاربة العربية للدفاع عن حقوقه. وعليه أن يتغلب على انقساماته المأخوذة عليه، رغم أن جانبا كبيرا جدا منها تقع مسئوليته على الدول العربية نفسها لأنها تعكس الانقسامات بينها وفى داخلها هى ذاتها. فى المقاربة الدولية الجديدة يمكن أن يشكل العرب الراغبون وهم كثيرون، على مستوى الدول والمجتمعات المدنية، قوة مساندة للشعب الفلسطينى طالما هم غير قادرين على أن يكونوا فى الطليعة.
أما مصر، أكبر الدول العربية سكاناُ، وأسبقها تحديثا، وأقدمها وجودا فى النظام الدولى الحديث، فعليها أن تعد العدة للتعامل مع الآثار المتوسطة وبعيدة المدى للاتفاق على وضعها الجيوسياسى فى المنطقة العربية والشرق أوسطية.
هذا يعنى أن عليها بالتوازى مع ذلك أن تعنى بالتنمية الحقة، بالتعليم وبالبحث العلمى وبصحة المواطنين فيها، وببناء اقتصاد منتج وكفء وحديث يشغل الناس ويرفع مستويات المعيشة فيها، ويكون أساسا لأدوار بناءة تلعبها من أجل السلام والعدل والتقدم فى المنطقة.
أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة

إبراهيم عوض أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة
التعليقات