الألف واللام.. أداة تعريف أم تحريف؟ - محمد محمود الإمام - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 6:44 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الألف واللام.. أداة تعريف أم تحريف؟

نشر فى : الإثنين 22 سبتمبر 2014 - 7:50 ص | آخر تحديث : الإثنين 22 سبتمبر 2014 - 7:50 ص

ظللت أمدا طويلا أعتقد أن إدخال الألف واللام على اسم يكفى للاتفاق على التعريف به.. فإذا بهما أدخلانى متاهة أوقعتنى فى حيرة من أمرى، عندما ترددت بقوة منذ 25 يناير 2011 ألفاظ فى مقدمتها: الثورة ــ الثوار ــ الشعب ــ النظام ــ الدولة. ففى البداية اعتبر البعض أن ما حدث هو مجرد حركة احتجاجية أو انتفاضة فئوية، لا تلبث أن تتوارى كسابقات لها بعد أيام. ثم اتضح أن الأمر كان ثورة شعبية ضد نظام افتقد كل مقومات الكلمة، بحيث أصبح اسما لغير مسمى. وتفرع عن ذلك مصطلح «الثوار»، وهو ما يعنى أننا بصدد بلد ضم مجموعتين: الأولى شملت كل من شارك فيما أطلق عليه «النظام»، والثانية تريد استبداله، ولكن أعضاءها غير محددين، مما أشاع شعورا بأن هناك مجموعة ثالثة لا هى هنا ولا هى هناك. وسرعان ما اتضح أن هناك خلافا حول مقومات الانتماء إلى ذلك النظام، وخلافا أعمق حول تصنيف المشاركين فيه، ومغزى كلمة «إسقاط النظام» لكل من الفئات المنتسبة إليه. وزادت الحيرة عندما اتخذت الصيحة صيغة «الشعب يريد إسقاط النظام»، لأن إدخال الألف واللام على كلمة «شعب» يعنى أن المقصود هو المجموع بلا استثناء. ولكننا فسرنا الأمر بأن المقصود هو الغالبية التى ترفض استمرار تسلط المجموعة الأولى على النظام.

•••

حتى الخمسينيات كان الحديث عن «الأمة» المصرية. وفى ثورة 1919 رفع سعد زغلول شعار «الحق فوق القوة، والأمة فوق الحكومة». وعندما علا صوت الدعوة القومية العربية، أُطلق مصطلح «أمة» على مواطنى بلدان الوطن العربى جميعا، واقتصر مصطلح «شعب» على أبناء البلد الواحد. ولكن الاستخدام القرآنى للفظ أمة يظهر أنها تضم شعوبا وقبائل، وأن ما يميزها عن غيرها هو منظومتها السلوكية المستلهمة من عقيدتها الدينية، إلى أن وصلت البشرية إلى خير أمة، خلت من قبلها الأمم. فإذا كانت الأمم إلى زوال، فإن «الشعوب» تظل باقية، ولو ذهب أفرادها جميعا وحل غيرهم محلهم. وهذه هى صفة اسم الجنس، وفى المقدمة يأتى لفظ «الإنسان» الذى ينطبق على كافة الخلق منذ آدم حتى تطوى الأرض ومن عليها.

ومع ذلك جرى العرف على وصف متعلقات العامة بأنها «شعبية»، فيشار إلى الأحياء الشعبية تمييزا لأحياء الخاصة (الأعيان، وأهل الأحياء الراقية)، فكأنما قصد بالإشارة إلى «الشعب» فى هتافات الثوار أبناء الفئات الكادحة، ليكون النظام هو شق آخر يشمل من يتحكمون فى مصائر شعب قرر لفظ «النظام» كتشكيل: فهل يعنى هذا بالضرورة التخلص أو على الأقل إقصاء أعضائه جميعا عن دولة المستقبل؟ يقودنا هذا إلى مصطلح الدولة الذى يبدو أن المقصود به لا يقتصر على المجتمع الذى يضم فئات الشعب كافة، بل والمؤسسات التى يتكون منها النظام. واختلفت الآراء بشأنها، فهناك من يريدها دينية، وهناك من يفضلها وطنية، بحكم أن الدين لله والوطن للجميع. وعندما تجددت الثورة ونجحت فى إبعاد الدولة الدينية، إذا بفريق يقحم عبارة «حكم العسكر»، عودة إلى القاعدة الملفوظة وهى التمييز بين «الحكام والرعايا» والتى يصر على التمسك بها النظام الإخوانى الذى يستميت فى محاولة الانفراد بالحكم، ولو بالتنكر لأسس الدين الحنيف، ومن ثم انطبق عليهم الخطاب الموجه إلى الأعراب (الحجرات: 14) «قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان فى قلوبكم». وفى غمرة هذا التخبط فى مفردات الشعب والدولة، انطلقت أصوات تنكر على الثوار وطنيتهم، وأضفت على الكثير منهم صفات تلصق بهم تهمة خيانة الوطن، فوقفت الألف واللام عاجزة عن الذود عن من كانوا يوما فى مصاف القديسين.

•••

يرتبط بما تقدم الحوار حول القاعدة التى يقوم عليها النظام الاقتصادى للدولة التى تحقق شعارات اكتسبت قوتها ــ ويا للعجب ــ من تجردها من الألف واللام: «عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية». ومع ذلك فإن هذه القوة عجزت عن أن ترجح كفة جانب أو آخر، عند ظهور الألف واللام فى الحديث عن القطاعين الخاص والعام، ليتواصل جدل عشناه عقودا متتالية، بعد أن شغل العالم قرونا عدة بدرجات متفاوتة من الحدة. فعندما قامت ثورة 23 يوليو 1952 أعلنت العزم على القضاء على الإقطاع والاحتكار، وهما أسوأ صيغ القطاع الخاص فى الزراعة والصناعة. فقد نشأ الإقطاع باستيلاء محمد على الذى تنسب إليه نشأة الدولة الحديثة فى مصر، على الأراضى من المماليك المغتصبين، واستخدامها أداة فى شراء مؤازرة فئة بعينها لحكمه. وقام فى نفس الوقت بإنشاء القناطر الخيرية لتنشيط الزراعة كى توفر إيرادات تمول مشروعه التوسعى الذى سانده بالترسانة لكى تزود قواته المحاربة بالسلاح. فكان دور الدولة بارزا مزج بين القطاعين الخاص والعام لكى يشاركا فى فرص أتاحتها استراتيجية محددة المعالم والأهداف. وعندما أجهضت القوى الاستعمارية مشروعه، تراجع الاقتصاد، وأصبح مرتعا للجاليات الأجنبية. ومع ذلك تمخضت الإنجازات السابقة عن جدوى لإقامة أول سكك حديدية خارج أوروبا، وعن نشأة جهاز مصرفى أجنبى ربطه بالاقتصاد العالمى. وتم حفر قناة السويس لترتفع أهمية مصر عالميا.

ثم قام الإنجليز خلال فترة الاحتلال بتطوير زراعة القطن والتحكم فى الرى لأنه محصول تقارب مدة زراعته الثمانية شهور. وساندت ذلك بمركز لبحوث القطن، وإحكام الرقابة على مياه النيل، وهو ما استدعى إنشاء استراحات لمفتشى الرى، كان السادات يتنقل بينها للاستجمام مدعيا أنه لم يحمل الدولة تكلفة إقامتها، وإن تحملت تكلفة تجهيزها لتليق برئيس الدولة. وبينما نجح طلعت حرب فى تجميع مدخرات المصريين وإنشاء صناعات لها فرص نجاح عالية للدول النامية عامة، ومصر بوجه خاص، تعرض لتضييق الخناق عليه من البريطانيين. وركز القطاع الخاص على صناعات تلبى احتياجات كبار الملاك، فكان على حكومة الثورة أن تنشئ مجلسا للإنتاج، بينما يسرت لرأس المال الأجنبى لكى يساهم فى دفع عجلة التصنيع، ولكنه أحجم، رغم أن السد العالى كان قادرا على تزويدها بطاقة كهربائية رخيصة. وأعقب العدوان الثلاثى تمصير للشركات والبنوك الأجنبية، وتولت إدارتها مؤسسة اقتصادية، حتى لا يعود إليها رأس المال الأجنبى من خلال إدارات مصرية لا تملك القدرة على حمايتها منه. ووضعت الخطة القومية الأولى على أساس مختلط، ولكن منشآت مصرية، خاصة فى قطاعات التشييد ومواد البناء رأت فيها فرصة للكسب السريع، فكان على الدولة أن تدفع بالقطاع العام، بقرار أمكن تسخير أجهزة الدولة لتعزيز قدراته والرقابة عليه. وعندما اتجهت الدولة إلى التخلص منه ثبت أن القطاع الخاص لا يملك المعرفة اللازمة ولا المدخرات الكافية للنهوض بالوحدات القائمة، ناهيك عن فتح مجالات جديدة تواكب الثورة التكنولوجية. فما هو مغزى الألف واللام لهذين القطاعين؟

محمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق
التعليقات