اضمحلال الديمقراطية الهندية - دوريات أجنبية - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 10:05 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

اضمحلال الديمقراطية الهندية

نشر فى : الثلاثاء 23 مارس 2021 - 8:10 م | آخر تحديث : الثلاثاء 23 مارس 2021 - 8:10 م

نشرت مجلة فورين أفيرز مقالا للكاتب ميلان فشناف تناول فيه أسباب تراجع الديمقراطية فى الهند... نعرض منه ما يلى:

أصبح لابد من النظر عن كثب إلى النظام السياسى الهندى بعد صدور تقريرين حديثين حول الديمقراطية العالمية، تراجعت فيهما مكانة الهند كدولة ديمقراطية؛ فخفضت منظمة «فريدوم هاوس» من تصنيف الهند من دولة حرة إلى شبه حرة، أما عن منظمة VــDem فقالت إن الهند لم تعد مؤهلة لتصنف كدولة ذات «نظام ديمقراطى انتخابى» بل «نظام سلطوى انتخابى» مثلما الحال مع تركيا والمجر.
يشير هذا التراجع إلى العديد من التطورات السياسية المقلقة فى الهند مثل؛ وجود هيمنة هندوسية على السياسة، وتركز القوة فى أيدى السلطة التنفيذية، وتضييق الخناق على المعارضة السياسية ووسائل الإعلام... يرتبط جزء كبير من هذه التغييرات بشخصية مودى، رئيس الوزراء، فعلى الرغم من الانتقادات الموجهة إليه، فإن له شعبية، ولكن كل هذا تداعياته على الديمقراطية الهندية كبيرة.
تباهت الهند بعد استقلالها بنموذجها الديمقراطى الليبرالى التعددى الذى يتقبل التنوع العرقى والإثنى والدينى واللغوى، ولكن هذا النموذج يقع تحت التهديد الآن. فبعد حصوله مرة أخرى على الأغلبية البرلمانية عام 2019، ذهب مودى وحزبه فى اتجاه الحكم القائم على الأغلبية. فقامت الحكومة فى نفس العام بإلغاء الحكم الذاتى لولايتين ذات أغلبية مسلمة ــ جامو وكشمير ــ مع قطع الإنترنت عن المنطقتين واحتجاز زعماء المعارضة فى كشمير. أقر قانونا يوفر الحصول السريع على الجنسية للمهاجرين من الدول المجاورة بشرط ألا يمارسوا الدين الإسلامى، حتى لا يفسد الدين المواطنة والانتماء للهند العلمانية. وفى كثير من الأحيان، وقع المسلمون ضحية لأعمال عنف طائفية أو عمليات قتل جماعى. وشجع كل هذا خطاب الحزب الحاكم المناهض للأقليات.
تم تركيز السلطة بشكل كبير لم يسبق لها مثيل، وهذا التركيز له أبعاد متعددة. فتتركز السلطة فى أيدى رئيس الوزراء على حساب الوزراء، وتهيمن السلطة التنفيذية على التشريعية... اكتسح حزب بهاراتيا جاناتا السلطة فى عام 2014 بعد الاحتجاجات الواسعة التى حدثت فى جميع أنحاء الهند لمحاربة الفساد عامى 2012 و2013. ولكن عندما حصل على السلطة، تفشى الفساد مرة أخرى وألغى الحزب لجنة المعلومات التى تشرف على قانون الحق الشامل فى الحصول على المعلومات فى الهند.
يظهر التآكل الديمقراطى بشكل كبير فى معاملة الحكومة للمعارضة. فى عهد مودى أظهرت الدولة بشكل متكرر ازدراءها للمعارضة وسعت إلى تصوير المعارضين على أنهم «مناهضون للقومية». قامت الحكومة الفيدرالية والعديد من حكومات الولايات بقمع الأكاديميين والنشطاء والصحفيين المعارضين. زاد توجيه اتهامات بارتكاب جرائم الفتنة لإسكات المعارضين، وخاصة فى الولايات التى يحكمها حزب بهاراتيا جاناتا. ويقف مودى فى قلب هذه التغيرات. وعلى الرغم من أن حكومته لم توف بوعودها الاقتصادية، إلا أن شعبيته مازالت كبيرة.
***
هناك عدة عوامل تفسر شعبية مودى الفريدة. أولا، مودى يجسد رد فعل عكسيا للأغلبية الهندوسية على عقود من السياسات العلمانية غير المتسقة. بعد الاستقلال، حدثت معركة أيديولوجية بين العلمانيين والقوميين الهندوس انتصر فيها العلمانيون وأرست رؤيتهم الأساس لجمهورية الهند الجديدة... دافع العلمانيون فى الهند عن نهج تحافظ فيه الدولة على مسافة مبدئية من الشئون الدينية. يمكن للحكومة أن تتدخل فى الأمور الدينية ــ مثل مساعدة المؤسسات التعليمية التى تديرها الطوائف الدينية ــ ولكن عليها أن تقوم بذلك بطريقة منصفة. ولكن مع مرور الوقت، أصبح حزب المؤتمر والأحزاب العلمانية الأخرى يصورون أنفسهم على أنهم حكام محايدون ولكن فى الوقت نفسه يتعاملون مع المجتمعات الدينية كـ«بنوك للأصوات الانتخابية» يستخدموها للفوز بالانتخابات. استخدم مودى رفض هذا النوع من الحكم كأداة للوصول إلى الحكم، إلى جانب اقتناعه بأن النظام العلمانى جعل الهندوس أقلية فى الهند. انتقد العديد من الهنود ــ والقوميين الهندوس تحديدا ــ العلمانية باعتبارها تعبيرا ملطفا لما أطلقوا عليه «استرضاء الأقلية».
يتطلع العديد من الهنود كذلك إلى مودى لتحقيق حكم مركزى قوى والسيطرة الكاملة على نيودلهى بعد عقود من حكم تحالفات ضعيفة بها انشقاقات. بفضل ما يتمتع به حزبه من أغلبية فى البرلمان، استخدم مودى سلطته لإعادة مركزية السلطة. دافع مودى عن فكرة «أمة واحدة، وهند واحدة» كحل لانقسامات الهند، ظهر موقفه فى قضايا مختلفة من الضرائب إلى الزراعة إلى الانتخابات.
يلعب مودى دورا مشابها فى السياسة الخارجية، فيقدم نفسه مثالا للقائد القوى ذات الأهداف المحددة. لطالما اعتبرت الهند نفسها لاعبا كبيرا فى النظام العالمى، ولكنها لم تكن لاعبا هاما، بسبب تركيزها على القضايا الداخلية من وظائف وتضخم. الناخبون فى الهند احتشدوا وراء وعود مودى بوضع الهند على الخريطة، وفى عالم متعدد الأقطاب يرى مودى أن الهند يمكنها أن تكون لاعبا هاما. فيما يتعلق بأمور تتراوح من احتواء الصين إلى مكافحة تغير المناخ إلى تقديم لقاحات فيروس كورونا، تبنى مودى دورا أكبر للهند على المسرح العالمى. وكمثال على ذلك، عقدت قمة من أسبوعين ضمت قادة أربع دول آسيويةــ أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة – عزموا على التعاون معا لمواجهة الصين.
***
السياسات الشعبوية فى الهند تغيرت بشكل كبير بمجىء مودى. فى 2014 ركز البرنامج الانتخابى لمودى على تصحيح مسار الاقتصاد، أما فى 2019 استندت حملة حزب بهاراتيا جاناتا على جاذبية صورة مودى كزعيم قومى قوى. وبالتالى لم يكن أداء مودى فى المنصب هو المعيار، بل قوة شخصيته والتغيرات التى قد تولدها.
ستكافح الولايات المتحدة والقوى الأخرى لوضع الهند مرة أخرى على المسار الديمقراطى. لم تهتم إدارة ترامب بحقوق الإنسان والحريات الديمقراطية، حتى أن ترامب زار الهند وحضر مناسبات سعيدة مع مودى فى نيودلهى فى وقت اندلعت فيه أعمال شغب طائفية مروعة على بعد أميال قليلة منه. أشارت إدارة بايدن إلى عكس هذا المسار ووضع تحقيق الديمقراطية فى الداخل والخارج كأهداف للولايات المتحدة. ولكن من غير المرجح أن تعلو هذه القيم على مصلحة الولايات المتحدة وهدفها فى تجنيد الهند وموقعها الاستراتيجى لمواجهة الصين. تعد الهند العمود الفقرى لاستراتيجية أمريكا فى آسيا، ولن ترغب الإدارة الجديدة فى تعقيد العلاقات بينهما.
وبالتالى، الرجوع إلى الديمقراطية فى الهند يجب أن يأتى من الداخل. ولكن عيوب المعارضة فى الهند كثيرة. فعلى سبيل المثال، حزب المؤتمر الوطنى الهندى محاط بأزمات القيادة والتكنولوجيا والتنظيم... يواجه حزب بهاراتيا جاناتا عددا من المعارضين وخسر العديد من الانتخابات الرئيسية فى السنوات الأخيرة. تجرى حاليا الحملة الإنتخابية لاستطلاعات الرأى الإقليمية فى خمس ولايات، ومن المحتمل أن حزب بهاراتيا جاناتا وحلفاؤه سيفشلون فى العديد من هذه المنافسات. لكن هذا لن يهدد قبضة الحزب على السلطة... فشلت المعارضة فى فهم أسباب استمرار مودى فى الانتصار. لم تستطع فهم أن مودى زعيم استطاع تسلق أعلى منصب فى الدولة بناء على جدارته، وليس بسبب انتمائه لعائلة معينة. لقد استغل أحلام الدولة فى تغيير ما يسودها من اضطرابات وإحباطات بسبب ما لديها من أعراف سياسية. وقد غرس فى الخطاب السياسى نزعة قومية شرسة تؤكد مساعيه للتغيير. لطالما أن المعارضة تغفل أوجه القصور لديها أو تنكرها، ولا تدرك نقاط القوى الهائلة لدى مودى، فسيستمر تفوقه السياسى بلا منازع، وستستمر الديمقراطية الهندية فى الاضمحلال.

إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلى
http://fam.ag/3resaI1

الاقتباس
الناخبون فى الهند احتشدوا وراء وعود مودى بوضع الهند على الخريطة، وفى عالم متعدد الأقطاب يرى مودى أن الهند يمكنها أن تكون لاعبا هاما. فيما يتعلق بأمور تتراوح من احتواء الصين إلى مكافحة تغير المناخ إلى تقديم لقاحات فيروس كورونا، تبنى مودى دورا أكبر للهند على المسرح العالمى.

التعليقات