«جى بى مورجان» كاد يحرز دورى السوبر الأوروبى - معتمر أمين - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 12:49 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«جى بى مورجان» كاد يحرز دورى السوبر الأوروبى

نشر فى : الجمعة 23 أبريل 2021 - 8:35 م | آخر تحديث : الجمعة 23 أبريل 2021 - 8:35 م
ليفربول، مانشستر سيتى، مانشستر يونايتد، أرسنال، تشيلسى، توتنهام، برشلونة، ريال مدريد، أتلتيكو مدريد، إنتر ميلان، ميلانو، ويوفنتوس، قادوا انقلابا شاملا فى عالم الكرة لم يستمر لأكثر من 48 ساعة، بعد إعلانهم عن إنشاء دورى السوبر الأوروبى. وهى ليست بالفكرة الجديدة ولكن الحديث عنها يجرى فى أروقة الملاعب لفترة تزيد على العشر سنوات. ثم بعد عام فى ظل جائحة كورونا والخسائر الفادحة التى حققتها اللعبة، شعرت الأندية الكبرى بأنها تعانى ماليا، فمعظمهم مديونون بأرقام كبيرة، ومعظمهم يواجهون تحدى شراء لاعبين جدد، مما عظم من متاعب النوادى الكروية. فى حين هذه النوادى تحقق أرباحا بالمليارات لوكالات الإعلان، واتحادات اللعبة المحلية، والإقليمية، والدولية، الذين يحصدون نسبة معتبرة من عوائد المباريات. ولقد حاول العديد من النوادى إصلاح المنظومة لكى تكون أكثر ربحية لصالح الأندية لكن بدون فائدة. ومن ثم جاء الاتفاق بإطلاق دورى السوبر.
تقام البطولة السوبر التى لم تر النور بنظام المسابقة على شكل دورى بمشاركة 20 فريقا، 15 منها بتصنيف «المؤسس» و5 فرق أخرى متغيرة كل موسم تشارك بالدعوة، بناء على الأداء الموسمى لها فى بطولاتها المحلية. أما الفرق الأصلية فهى ثابتة. وهو نظام يشبه طريقة تنظيم الدوريات الكبرى فى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يقام دورى كرة السلة الأمريكى على هذا النحو. ولا عجب فى موضوع التشابه عندما تعرف أن شركات وبنوكا استثمارية كبرى أمريكية هى فى الواقع الممول، أو التى كادت تمول المشروع بسخاء فى حال إطلاق الدورى السوبر. وكان يتزعم هذه الشركات البنك الاستثمارى العملاق جى بى مورجان. والأخبار تتحدث عن 450 مليون يورو سيحصل عليها كل فريق «مؤسس» يشارك فى البطولة بمجرد موافقته على الاشتراك. ثم يحصل المركز الأول على عائد حوالى 250 مليون يورو، وهو أكثر من ضعف ما يحصل عليه فى البرميم ليج أو التشامبين ليج.
***
على الفور تبارت الجهات المعنية فى الهجوم المضاد. وكان أولها الجهات الرسمية، من اتحادات الكرة المحلية، إلى الاتحاد الأوروبى لكرة القدم، إلى الفيفا نفسها. مع رفع سقف العقوبات لتصل إلى حرمان النوادى من الاشتراك فى الدوريات الأوروبية، وحرمان اللاعبين من اللعب فى كأس العالم. ثم بحسبة بسيطة لم تأخذ من أى عاشق كروى أكثر من دقائق، فطن إلى أن الخاسر هو اتحادات اللعبة وليست النوادى الكبرى. فالنوادى تملك أكبر قاعدة جماهير، وبها أفضل لاعبو العالم، وأى بطولة بدون هذه النوادى لن تجد حظا من متابعة الجماهير. ثم إن شركات الإعلانات الأوروبية قد تواجه معضلة كبرى. فهى مالكة الحقوق الحصرية للإعلان، لكن الدورى الذى تعلن تلك الوكالات من خلاله فقد أهم الأندية التى تلعب فيه. ومن ثم ستضيع مليارات الدولارات من تلك الوكالات وستذهب إلى وكالات أخرى تملك حقوق البث والإعلان فى الدورى الجديد. أم حسبت أن «جى بى مورجان» يأتى بمفرده بدون شركات أخرى مستفيدة ومنها فيسبوك وديزنى وغيرهما الكثير.
ولذلك كان الأمر المنطقى أن حكومات الدول المعنية تدخلت بصورة علنية ومباشرة، وخرج رئيس الوزراء البريطانى يعلن رفضه لهذه البطولة التى ستعيد هيكلة كرة القدم فى أوروبا والعالم. فهو يخشى على دورى بلاده وعلى لعبته الوطنية، وعلى تداعيات مثل هذا التغيير. كما خرج مسئولون آخرون من دول عدة ترفض الدورى وتعلن أنها ستفعل كل ما بوسعها لوقف المشروع. لاحظ أن الأندية الرياضية هى فى الحقيقة شركات، ووقعت فى مواجهة مع الدولة، ليس فقط دولة المقر، ولكن عدة دول دفعة واحدة. فالرئيس الفرنسى عارض الموضوع بالرغم أن أندية بلاده لم تدخل من الأساس فى الدورى. ولكنه فهم أن تمرير الفكرة سيجعلها تصل بالقطع إلى بلاده، التى ستعانى من نفس التبعات. أما ألمانيا فلم تشترك ولم تقبل. ومن هذا المنطلق شعرت اتحادات اللعبة أنها قادرة وأن بوسعها فرملة الموضوع، فجرت سلسلة من الاجتماعات على مدار الساعة، كان أهمها فى إنجلترا ثم فى إيطاليا، وعلى أثرها خرجت تسريبات بأن الأندية الإنجليزية ستنسحب من الموضوع، وهو ما كان. وتبعتها الأندية الإيطالية ثم انهار الدورى، وبقيت التبعات.
***
وأول هذه التبعات هو الكشف عن مدى هشاشة نظام اللعبة، التى كادت تصاب بسكتة دماغية بخروج الكبار. وهم لن يتوقفوا عن اللعبة ولكن يغيرون نظام اللعبة، ويعيدون هيكلة كل شيء. فلا كلمة للاتحادات ولكن للأندية، ولا كلمة للدول، ولكن للشركات، ولا كلمة لوكالات الإعلان وحقوق البث، ولكن لجى بى مورجان الذى يستطيع أن يدفع أكثر. والمنطق هنا ليس الطمع، ولكن فكرة النخبة. فالأندية الكبيرة تقول إن العديد من المباريات لا تقدم ولا تثمن من جوع، وهى تحصيل حاصل. فالفرق الكبيرة التى تلاعب فرقا ضعيفة لا تستفيد شيئا بينما تستفيد الفرق الأخرى. بينما ترى الفرق الكبيرة أن تعديل النظام بما يسمح لخمس فرق فقط ممن يتأهلون للعب مع الكبار هو بديل منطقى بدلا من عشرات المباريات فى الدوريات التى هى تحصيل حاصل. لكن ماذا عن رؤساء النوادى الكبرى. كيف تحلوا بسوء التقدير على هذا المستوى! فهل توقعوا أن الأمر سيمر بدون مواجهة مع عشرات الجهات المستفادة والتى ستتضرر أشد الضرر! هل توقعوا ألا يكون هناك رد فعل شرس ينقض عليهم من كل صوب؟
مسألة إعادة هيكلة أو إعادة تشكيل نظام ترسخ عبر سنوات مسألة ليست بالهينة. وفى حين كانت النوادى الكبرى تنادى من داخل النظام لمحاولة تحسينه، جاءت الكورونا وفاقمت من الأوضاع لدرجة دفعت النوادى الكبرى لمحاولة قلب النظام ولو بالمجازفة غير المحسوبة لفرض أمر واقع. وهى هجمة بائسة تعبر عما وصلت إليه أحوال الكرة فى ظل الكورونا والتى ما زالت مستمرة إلى حين. وقد تستمر خسائر الأندية وتتراجع كفاءتها فى الفترة المقبلة إذا طال أمد الجائحة بدون علاج. أما الجماهير التى وصلها الموضوع، وهى أهم متابع للدورى، فلقد انقسمت بين مؤيد ومعارض، ونزل بعضها ووقف أمام الأندية فى وقفات احتجاجية، كرد فعل أولى، وهم لا يملكون من الأمر شيئا. ثم أعلنت النوادى الإنجليزية الانسحاب وتبعتها الإيطالية وردت الهجمة! لكن المشكلة أن الوضع التى عادت إليه النوادى هو الوضع الذى كانت تريد الهروب منه ودفعها للمجازفة. وقد يبدو أن الكرة فى يد الدول وعليها الحل! لكن الواقع أن الكرة فى يد من يملك الأموال. ولو كانت محاولة «جى بى مورجان» هذه المرة لم تمر، فلا تتعجل فالمباراة فى بدايتها.
معتمر أمين باحث في مجال السياسة والعلاقات الدولية
التعليقات