تأزم الأوضاع مع بلد الجوار - امال قرامى - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 4:43 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تأزم الأوضاع مع بلد الجوار

نشر فى : الثلاثاء 23 يونيو 2015 - 10:50 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 23 يونيو 2015 - 10:50 ص

تعيش الدبلوماسية التونسية منذ الثورة، وضعا حرجا باعتبار اختلاف التوجهات السياسية من حكومة انتقالية إلى أخرى، وتعدد التصورات بشأن تدبير السياسة الخارجية. ولئن انتقد المرزوقى أشد انتقاد حين قطع العلاقات بين تونس وسوريا، وتدخل أكثر من مرة فى الشأن المصرى، فإن الباجى قائد السبسى، ومن ورائه وزير الخارجية الطيب البكوش، لم يكونا بمنأى عن حملات الانتقاد. فقد اعتبر قرار فتح قنصلية فى طرابلس قرارا متسرعا، ونُظر إلى اعتراف الحكومة التونسية بحكومتى طرابلس وفجر ليبيا على أساس أنه محاولة «لمسك العصا من الوسط» وطريقة براغماتية فى التعامل مع الوضع الليبى المتردى لا تتلاءم مع بلد يسعى إلى بناء دولة عتيدة.

وقد حاولت الحكومة الدفاع عن هذا الخيار الصعب، مبررة تعاملها مع سلطتين بأنه من أجل حماية مصالح التونسيين. ولكن سرعان ما تأزمت العلاقات بين تونس وفجر ليبيا، وذلك بعد أن ألقت السلطات التونسية القبض على المتهم. وكان رد فجر ليبيا احتجاز عدد من التونسيين. ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل استمر مسلسل احتجاز الرهائن، ليصل الأمر إلى اختطاف كل موظفى القنصلية وإخضاع الحكومة لعملية مقايضة جعلتها تبادر بتسليم المتهم.

***

تشير هذه الأحداث إلى تخبط السياسية الخارجية، وعدم قدرتها على التعامل مع الأزمات بالحرفية المطلوبة فى زمن الأزمات، مما يستوجب التفكير فى صياغة استراتيجية جديدة تخص تطوير أداء وزارة الخارجية، وتأهيلها لمعالجة ملفات أشد تعقيدا نظرا إلى خطورة الوضع الإقليمى. وبالإضافة إلى ذلك كشف تعامل الحكومة مع الأحداث الأخيرة، أن أسلوب الابتزاز الذى سار عليه فجر ليبيا قد حقق مبتغاه، وأننا انتقلنا من تعامل الحكومات فيما بينها وفق الأعراف والقوانين الدولية التى تنظم وجود البعثات الديبلوماسية، وتضمن حماية الموظفين إلى وضع تضطر فيه الحكومة التونسية إلى الخضوع لإرهاب المجموعات المسلحة. والواقع أنها ليست المرة الأولى التى تعتدى فيها الجماعات المسلحة على السيادة التونسية، وتنال من هيبة الدولة، فقد سبق وأن اختطف موظفان من قبل. ولكن تداعيات الحدث الأخير أكثر حدة، باعتبار أن عملية التفاوض وتسليم المتهم أقامت الدليل مرة أخرى على أن محنة دفاع القضاة عن استقلالية القضاء طويلة، وتتطلب نضالا شرسا لاسيما أن تدخل السلطة السياسية فى القرارات القضائية ما عاد مستورا.

***

وليس يخفى أن هذا الحدث يتزامن مع الحملات التى تطالب بالصرامة فى تطبيق القانون، ومكافحة حالات الإفلات من العقاب، وإعادة الاعتبار إلى سلطة القانون، وعلويته، والتأكيد على دولة القانون، فضلا عن مقاومة الفساد المستشرى فى كل القطاعات. كما أن هذه الأحداث تأتى فى الوقت الذى ترتفع فيه أصوات «الندائيين» ومن والاهم منادية بإعادة الاعتبار إلى هيبة الدولة التى تم «الاعتداء» عليها فى حكومة الترويكا.

ولئن زعم راشد الغنوشى، أن الاعتراف بفجر ليبيا والتعامل معه كفيل بأن يحمى التونسيين من خطر داعش، فإن الأحداث الأخيرة أكدت بما لا يدع مجالا للشك، أن الخطر يتجاوز تنظيم داعش فما يحدث فى ليبيا، علامة دالة على غياب مفهوم الدولة، وعودة إلى المنطق العشائرى من جهة، وسيطرة التنظيمات المسلحة على الواقع من جهة أخرى. وعلى هذا الأساس يغدو قرار وزارة الخارجية بغلق القنصلية وتحذير التونسيين من السفر إلى ليبيا، ودعوة المقيمين بها إلى العودة مفهوما، وإن جاء متأخرا.

***

ليس ما حدث مع فجر ليبيا إلا اختبارا من ضمن سلسلة من الاختبارات التى تمر بها الدبلوماسية التونسية، وعليها أن تثبت قدرتها على فهمها للسياق التاريخى التونسى «الإصلاحات الهيكلية، هشاشة الوضع الأمنى» من جهة، والوضع الإقليمى من جهة أخرى، كما يتعين عليها ابتكار الحلول الملائمة، ومراعاة المصلحة الوطنية والوفاء بالتزاماتها.

التعليقات