الرئيس المصرى والرئيس الألمانى - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 4:33 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الرئيس المصرى والرئيس الألمانى

نشر فى : الخميس 23 أغسطس 2012 - 9:00 ص | آخر تحديث : الخميس 23 أغسطس 2012 - 9:00 ص

كنت أجلس أمام التليفزيون أشاهد وأستمع إلى خطبة الرئيس مرسى فى جامع عمر بن عبدالعزيز يوم الخميس 16 أغسطس بمناسبة نهاية شهر رمضان مع الصديق د.ق. ثروت قادس والذى يعيش فى ألمانيا منذ 44 عاما وعضو مجلس إدارة الاتحاد العام للمصريين بالخارج وقد دار الحوار بيننا حول كيفية وصول د.مرسى إلى رئاسة جمهورية مصر بخلفيته الدينية (الدعوية) وإذ به يفاجئنى بأن رئيس ألمانيا الحالى السيد/ يواخيم جوك بدأ راعيا (قسا) لكنيسة إنجيلية بألمانيا الشرقية (أى داعية) وذلك قبل سقوط حائط برلين عام 1989، وقد سار فى نفس الطريق الدينى وكان له دور سياسى فى اتحاد الألمانيتين وانتهى رئيس الجمهورية ألمانيا الاتحادية وباستعراضنا لحياة الرئيسين رغم اختلاف الحضارة والثقافة والشعوب فإننا لاحظنا أن هناك تشابها كبيرا بين الاثنين وأيضا هناك اختلافات بينهما بحكم نفس العوامل ولنبدأ بأوجه الشبه بينهما ولننتهى بأوجه الاختلاف.

 

أولا: أوجه الشبه بين الرئيسين:

 

 

 

البدايات (الحس الدينى):

 

لقد بدأ الرئيس يواخيم جوك كطالب فى الدراسات اللاهوتية (الفقهية) وتخرج ليكون قسا راعيا (داعية دينى)، ولقد انخرط الدكتور مرسى فى الدعوة الدينية من خلال انضمامه لجماعة الإخوان المسلمين والتى بدأت منذ ثمانين عاما على يد الداعية حسن البنا والذى وضع شعارا لها «الإسلام وطننا والقرآن دستورنا والرسول زعيمنا» وكل عضو يقسم على الولاء للجماعة وهو يبايع المرشد بالسمع والطاعة فى كل ظروف الحياة مهما كانت المعاناة والضغوط، لينشر الدعوة لله بكل إخلاص وحماس وهذا المعنى نجده ــ تقريبا ــ فيما يسمى عهد النذر لكل متفرغ للدعوة الدينية المسيحية ويدعى خادما لله إذ يقول: «أتعهد أمام الله بأنى أنذر نفسى للخدمة الدينية دون نظر للكسب المادى، وأن أقوم بهذا متكلا على نعمة الله فى كل ظروف الحياة ومعاناتها وضغوطها، طالبا فقط مجد الرب».

 

ومن الواضح هنا فى الاثنين اتفاقهما فى الحس الدينى أو الاتجاة الروحى فى الحياة فى مطلع شبابهما وقد امتلأ الاثنان بالحماسة وبنظرة رافضة للآخر المختلف باعتبارة لا يؤمن بما يؤمنان به وأن عليهما واجب دعوته للتوبة وهذا الآخر يمكن أن يكون مسلما فى حالة الرئيس مرسى لكنه لا يقيم فرائض الله أو مسيحيا فى حالة رئيس ألمانيا لكنه ليس له علاقة روحية بالله وبالطبع يندرج معنى الآخر بعد ذلك إلى المختلف دينيا أو مذهبيا.

 

المسيرة (مفاهيم جديدة):

 

بدأ الرئيس الألمانى وهو راعى فى إحدى الكنائس يقرأ بعض الكتب التى تتحدث عن دور الداعية الدينى فى إصلاح المجتمع المحيط سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وتأثر ببعض اللاهوتين الذين نّظروا لدور رجل الدين فى العمل السياسى والاجتماعى، وقام بالتحاور معهم حتى إقتنع إن دور رجل الدين لا يقتصر على الدعوة الدينية البحتة بل إن الدين نفسه يحتوى على العمل على الإصلاح المجتمعى من كل الجوانب وهكذا بدأ مسيرة دعوية جديدة بجوار دعوته الروحية بالدعوة للإصلاح السياسى والاجتماعى، وبدأ ينادى أن الله يريد ألمانيا متحدة، وإن هذه إرادة الله، وان الشر هو الذى قسم ألمانيا إلى قسمين وأننا يجب أن نحارب هذا الشر لنتحد بحسب فكر السيد المسيح، أما مسيرة الرئيس مرسى فقد بدأت من الأساس على أن الإسلام دين ودنيا لكن هذا الفكر دخل فى منحنيات كثيرة وتفاسير متعددة اتجهت عند البعض بالدعوة بالموعظة الحسنة وعند البعض الآخر بالعنف لتغيير الحكم، أى الخروج على الحاكم بل وصلت إلى تكفير الحاكم المسلم فى حالة عدم تطبيق الشريعة وذلك بحسب فكر سيد قطب، ومن الواضح أن د. مرسى ينحو نحو التوازن فهو لم يكن من القطبيين داخل الجماعة كما أنه يؤمن بتغيير الدنيا من خلال الدين. وهكذا اتفق الاثنان فى أن إصلاح الدنيا لا يتناقض مع الدين ولقد بدأ الاثنان بالدين وانتهيا باحتراف السياسة.

 

الوصول للقمة:

 

لقد وصل الاثنان إلى قمة السلطة فى بلديهما عام 2012 لكن الفارق بينهما أن د. مرسى هو أول رئيس من الإخوان المسلمين فى بلد يطبق النظام الرئاسى بينما لم يكن رئيس ألمانيا هو أول داعيه دينى يصل لقمة السلطة الألمانية وإن كانت ألمانيا تطبق النظام البرلمانى، وهذا لا يعنى أن تأثيره السياسى منعدم لكن العكس هو الصحيح فهو له تأثير واضح فى اتخاذ القرارات المصيرية من خلال تأثيره على البرلمان وعلى المستشارة كذلك لا يصدر أى قانون بدون توقيعه ويمتلك حق الفيتو على أى قانون أو قرار.

 

ثانيا: أوجه الاختلاف بين الرئيسين:

 

 

 

مدى وكيفية استخدام الدين فى السياسة:

 

لقد مارس الرئيس الألمانى نشاطه السياسى والدينى فى بلد يفصل تماما بين الدين والسياسة، ولا يوجد هناك أى خلط من أى نوع فى هذا الشأن فليس من المسموح له أن يستخدم نصوصا من الكتاب المقدس فى خطبه وتوجهاته ذلك لأنه عندما وصل إلى الحكم وفى طريقه الطويل تعلم من الذين سبقوه أن عليه أن يدرك أن المجتمع الألمانى مجتمع متعدد فيه المسلم والمسيحى واليهودى والألمانى والتركى، وأيضا فهم أنه رئيس لكل الألمان على اختلاف توجهاتهم ولذلك يحظر عليه أن يتمسح بدين معين لأنه هنا يفصل نفسه عن شعبه الذى لا يدين بنفس الدين أو المفاهيم التى يتبناها أما هذا الأمر بالنسبة للدكتور مرسى فهو من عوامل نجاحه لأنه يدرى أن معظم الشعب المصرى يميل إلى التدين الظاهرى أى العبادات والذى لا ينعكس فى حياتهم اليومية ومعاملاتهم، وهذة النوعية من الشعوب وبسبب سطحيتها الدينية تميل إلى التأكيد على الدين من خلال النصوص الدينية وتمسكهم بالفرائض والقشور والمعانى الروحية السامية التى تظهر فى إيثار الآخر المختلف والأضعف على الذات وهى المقاصد العليا للدين والشريعة ولذلك ولكى يكتسب أى رئيس مصرى أو عربى شعبية عليه أن يتمسح بالدين على الطريقة الشعبية بالإفراط فى استخدام النصوص الدينية والمقدمات الطويلة التى تبين مدى تقواه الشخصى.

 

 

 

مدى وكيفية استخدام دور العبادة فى السياسة والدعاية:

 

بسبب التطور الحضارى للشعب الألمانى وتمرسه الطويل خلال معاناته فى الحرب العالمية الأولى والثانية تحت حكم هتلر والتطلع إلى الدولة المدنية الحديثة أصبحت دور العبادة للعبادة فقط لكن يمكن استخدامها لمعارض فنون تشكيلية أو إقامة حفلات موسيقية (سيمفونيات أو كونشرتات.. إلخ) وهى أمور تسمو بالحس الإنسانى وتهذب النفس الإنسانية لكن من المستحيل أن يستخدم أى سياسى دور العبادة للدعاية لحزبه أو برنامجة السياسى أو الشخصى، وإذا حاول فسوف يجد معارضة من رجل الشارع العادى، أما فى مصر فإن دور العبادة تستخدم فى السياسة بلا ضابط أو رابط رغم كل القوانين التى صدرت لتمنع مثل هذة الممارسات والفارق هو وعى الشعب بالسياسة والثقافة العامة وقدرته على عدم خلط الأمور.

 

●●●

 

وهكذا عزيزى القارئ نرى أن الشعوب هى القادرة على التحكم فى مسيرات رؤسائها بقدرتها على فهم معنى الدولة المدنية الحديثة، وهكذا كان الشعب الألمانى بمثابة الفرامل للرئيس حتى لا يستغلة دينيا أو يشوة وعيه بأى شكل من الأشكال بينما كان الشعب المصرى بمثابة دواسة البنزين للرئيس لكى يدوس بقوة على الحس الدينى لديهم والمفاهيم المشوهة لخلط الدين بالسياسة فيكتسب شعبية كاسحة. فمن المستحيل أن يفرز شعب واع رئيسا متغيبا والعكس صحيح.

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات