حبوب مسكّنة لكن.. - سمير العيطة - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 6:09 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حبوب مسكّنة لكن..

نشر فى : الأحد 23 أغسطس 2020 - 8:35 م | آخر تحديث : الأحد 23 أغسطس 2020 - 8:35 م

فى ظلّ جحيم جائحة الكوفيد ــ 19 تحوّلت جميع الاجتماعات الدوليّة إلى لقاءات افتراضيّة عبر الانترنت. رغم ذلك، ورغم تفشيّ كبير للوباء فى سوريا ودول جوارها، أصرّت الأمم المتحدة على عقد لقاء اللجنة الدستوريّة السوريّة «فيزيائيّا» فى جنيف هذه الأيّام. فما الداعى لهذه المخاطرة الصحيّة من قبلها وقبل الدولة السويسريّة والدول الراعيّة؟
صحيحٌ مرّت شهورٌ طويلة على الاجتماع الأخير، وبالتالى قد يبدو تأخير الاجتماع أكثر بمثابة غياب الاهتمام الدوليّ فى حلّ الصراع السوريّ. وصحيحٌ أيضا أنّ اجتماعا «فيزيائيّا» فى مثل هذه الظروف يقلّل من أعداد «الوفود المرافقة» للأطراف التى كانت تتعدّى غالبا أعداد المشاركين السوريين. لكن ما الجديد ليخلق الأمل فى تقدّمٍ ما؟
***
السلطة فى سوريا أجرَت «انتخابات» برلمانيّة كما هو مرسومٌ لها بمجلسٍ يتغنّى بأمجادها وتستعدّ للانتخابات الرئاسيّة العام القادم للتجديد إلى ما لا نهاية لـ«سوريا الأسد». بالمقابل تعانى هيئة التفاوض «المعارضة» من أزمات فى داخلها ومع جمهور كلّ من مكوّناتها ممّا أفقدها الحدّ الأدنى من الرصيد الشعبيّ. ووفد «المجتمع المدنيّ» ليس بأفضل حالا. ولا أحد فى جميع هذه الوفود يمثّل حقّا القوى المسلّحة المهيمنة على الأرض والدول الداعمة لها. فقط جاء «الوفد الحكومى» بضغطٍ من روسيا وإيران، ووفد «المعارضة» بضغطٍ من تركيا، فى حين عملت الولايات المتحدة على «تدريب» من تعتبرهم «معارضين» على التفاوض.
كلّ المواضيع يُمكن أن تؤدّى إلى انقسامات كبيرة بين الحاضرين، خاصّة وأنّ اهتمام أغلبهم الأساسيّ هو التصريحات للصحفيين أكثر من التفاوض. وكلّ القضايا العالقة، من التطوّرات الحاليّة على الأرض، من قضايا المعتقلين والمخطوفين، إلى الإجراءات الأحاديّة الجانب الأمريكيّة والأوروبيّة، بما فيها قانون قيصر، وإلى قطع المياه عن الحسكة، وإلى التعاقد بين «الإدارة الذاتية» وشركة أمريكيّة، وإلى خصخصة سدّ فى عفرين لصالح شركة تركيّة، يذهب باتجاه انقسامات أكثر. وكذلك الموقف من تصوّر المنظومة السياسيّة لسورية المستقبليّة بين جمهوريّة رئاسيّة أم برلمانيّة إلى الدولة المدنيّة ــ أى العلاقة بين الدولة والدين ــ إلى معنى اللا مركزيّة. وخاصّة الموقف من المرحلة الانتقاليّة المنصوص عليها فى القرار 2254 التى تأتى بـ«حكمٍ ذى مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية».
***
على الصعيد الإقليميّ والدوليّ، تبدو الأمور أفضل. إذ لم تتقوّض التفاهمات بين روسيا وتركيا وإيران التى تجسّدت فى الأستانة، رغم ما حدث فى ليبيا، بل برز انفراج فى الهدنة التى أُعلنت مؤخّرا. كما أنّ الولايات المتحدة عملت على تحييد دول الخليج حيال الملفّ السوريّ ووضع ورقة «المعارضة» شبه كليّا بيد تركيا. ومهما كان التهويل الإعلامى بقانون قيصر، واضحٌ أنّ قوائم «المعاقبين» لا تأتى حقّا بجديد، مثلها مثل إجراءات القانون بحدّ ذاته. ولا يبدو أنّ الولايات المتحدة ذاهبة فعليّا إلى تحويل سوريا إلى «مستنقع» لروسيا.
إنّ المسئولين فى الولايات المتحدة يعون جيّدا أنّ سوريا قادمة على كارثة إنسانيّة، بعد فقدانها أمنها الغذائى والصحيّ وأنّها ــ وجزئيّا الاتحاد الأوروبى ــ سيتمّ تحميلهما مسئوليّة ذلك، بقدر ما ستحمّل السلطة القائمة والحرب، من جرّاء الإجراءات الأحاديّة الجانب (العقوبات) وبعد فقدان سوريا إحدى رئتيّ تنفّسها فى لبنان (الرئة الأخرى هى تركيا).
والاهتمام الإقليميّ والدوليّ يصبّ اليوم فى اتجاه لبنان. ليس فقط من قبل فرنسا بل أيضا من قبل روسيا وتركيا وإيران؛ إذ أضحت الأوضاع فى هذا البلد كارثيّة، ولها امتدادات اجتماعيّة وسياسيّة واسعة فى الخارج من جراء مغتربيه، الذين يتجاوز عددهم أضعاف عدد المواطنين اللبنانيين المقيمين فى لبنان. فى الأفق اللبنانيّ، الانهيار الماليّ أسوأ من ذلك الذى حدث فى اليونان وخساراته تتخطّى ما يستطيع حتّى صندوق النقد الدوليّ أن يساعد على معالجتها، حتّى لو أجريت إصلاحاته المعهودة. والانهيار السياسيّ يوازى انفجار بيروت فى دويّه، لا حلّ له على مستوى المنظومة السياسيّة «التوافقيّة» القائمة، رغم تهديد الرئيس الفرنسيّ بضرورة ترسيخه فى «حكومة مهمّة إنقاذيّة» قبل الأوّل من سبتمبر القادم. بعيدا عن الطروحات الفارغة عن ضرورة «حياد» لبنان، وكأنّ الاستعصاء هو خارجيّ قبل أن يكون داخليّا، هناك مخاطر حقيقيّة فى أن تتّجه الأمور فى لبنان نحو تجدّد الحرب الأهليّة وتداعيات ذلك على اللاجئين السوريين الذين يشكّلون ثلث السكّان.
مخاطر هذا الانفجار الاجتماعى وكذلك مخاطر الكارثة الإنسانيّة فى لبنان بعد توضيح مصرفه المركزيّ أنّه لن يتمكّن من تمويل استيراد المواد الأساسيّة طويلا تشكّل فرصةً لتدخّلات خارجيّة تتخطّى ما كان يعيشه البلد فى ظلّ «النأى عن النفس». تدخّلات لكسب نفوذٍ أكبر قد تأخذ، كما فى سورية، إلى تأجيج الصراع وتحويله إلى السلاح، وتدخّلات قد تؤدّى إلى توافقات لهول ما سيؤدّى إليه انفجار الصراع على لبنان وسوريا.. وربّما أبعد من ذلك.
منظور هذه المخاطر ربمّا يدفع الدول اللاعبة الرئيسة إلى إيقاف الجنون القائم وإحداث انفراجٍ ما ولو بشكلٍ محدود على صعيد الصراع فى سوريا من خلال اجتماعات جنيف. وقد تتقدّم الأمور إجرائيّا أو أن تُفرَضَ على الجميع ورقة مبادئ، كما حدث بالنسبة للحالة اللبنانيّة عبر تفاهمات الطائف والدوحة. هكذا بانتظار إيجاد حلحلة للاستعصاء اللبنانى الحالى وتبيان نتائج الانتخابات الرئاسيّة الأمريكيّة القادمة.
إلاّ أنّ هذا لن «يسكِّن» الأمور سوى لمدّة قصيرة. إذ إنّ الأزمة الاقتصاديّة اللبنانيّة ستأخذ إلى تضاعف حجم المساعدات الإنسانيّة الضروريّة، للبنان ولسوريا فى الداخل وبلدان اللجوء على السواء، إلى مبالغ ستتخطّى كلف إعادة الإعمار الحقيقيّة. خاصّة إن بقى الاقتصادان فى حالة شللهما الحالى. فكم وإلى متى يمكن لأوروبا والولايات المتحدة وغيرها أن تقدّم مساعدات إنسانيّة بهذه الأحجام لاقتصادات جانحة (وفاسدة أيضا على كافّة الجهات) فى ظلّ أزماتها الاقتصاديّة الذاتيّة هى أيضا؟ وبما فى ذلك دول الخليج، التى بدأت تعيش فى ظلّ انخفاض أسعار النفط والأزمة الاقتصاديّة التى أدّت إليها الجائحة إلى عجوزاتٍ كبيرة فى ميزانيّاتها وجمودا فى مشاريعها واستنزافا لصناديقها السياديّة.
***
هكذا حتّى لو حدث انفراجٌ آنيّ فى الملفّ السوريّ على مستوى توافقات «دستوريّة» عامّة، تبقى هناك معضلة أساسيّة هى ذاتها التى تواجه لبنان اليوم. كيف الوصول إلى منظومة حكم انتقاليّة تعالج أزمات البلاد السياسيّة كما الاقتصاديّة؟ وكيف تكون هذه المنظومة ذات مصداقيّة وحياديّة تجاه جميع الأطراف الداخليّة قبل الخارجيّة وقادرة على إعادة بناء الحركة الاقتصاديّة والسلم الأهليّ والحياة السياسيّة كى يكون لأيّة تفاهمات حول دولة لها سيادة من معنى؟
فى مسارى سوريا ولبنان، المتلازمين أم لا، ولكن المترابطين بحكم الواقع، يبقى السؤال الحقيقيّ هو ما يريده الشعبان كل منهما لبلده ودولته.. وفى النهاية لمستقبله؟ ومن يحمل المسئوليّة فى كلّ منهما لتحقيق الكرامة.. إن لم تكن الطموحات؟

سمير العيطة رئيس التحرير السابق للوموند ديبلوماتيك النشرة العربية ــ ورئيس منتدى الاقتصاديين العرب
التعليقات