التجديد الناقص! - خالد سيد أحمد - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 1:27 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التجديد الناقص!

نشر فى : الجمعة 23 نوفمبر 2018 - 11:55 م | آخر تحديث : الجمعة 23 نوفمبر 2018 - 11:55 م

مساء يوم الاحتفال بذكرى المولد النبوى الشريف، أطل علينا أحد مقدمى برامج التوك شو، غاضبا ثائرا منفعلا للغاية، قائلا بكل حدة وعنف: «أرجوكم جاوبوا على أسئلة الرئيس.. كيف هى صورة الإسلام اليوم فى الخارج؟».

هذا الرجل، الذى لا يمت بصلة للإعلام سواء من قريب أو بعيد، كان يناقش مثل غيره من مقدمى برامج التوك شو فى ذلك المساء، ما حدث صباحا فى الاحتفال بذكرى المولد النبوى، عندما تحدث الرئيس السيسى عن ضرورة تكثيف الجهود لإعادة قراءة التراث الفكرى لنقتبس منه ما يتلاءم مع متطلبات العصر، وكذلك مواجهة من يدعون إلى التطرف والإرهاب وأيضا عن سلوكيات المسلمين اليوم، وكيف أنها بعيدة كل البعد عن صحيح الدين.

جميع البرامج فى ذلك اليوم، عزفت لحنا واحدا تقريبا، حيث ألقت جام غضبها على كتب التراث، وحملتها مسئولية الصورة المشوهة للإسلام اليوم، واتهمتها بالمساهمة فى تغذية أفكار المتطرفين والإرهابيين الذين يكتوى بنارهم شعوب «أمة محمد» وكذلك دول العالم، وطالبت بضرورة تنقيتها وتجديد الخطاب الدينى ليواكب مقتضيات العصر، ويزيل الصورة السلبية التى تلتصق بهذا الدين العظيم.

لا أحد يستطيع المجادلة فى ضرورة تجديد الخطاب الدينى، بل نعتبرها «فرض عين» على جميع علماء المسلمين فى كل وقت وكل زمان، حتى نضخ دماء جديدة فى شرايين هذا الدين، ونمنحه حيوية دائمة تتلاءم وتتواكب مع مقتضيات العصر الذى يعيش فيه، لكن اختزال الصورة السلبية للإسلام اليوم فى الأفكار والاجتهادات التى تتضمنها كتب التراث فقط، لهو من قبيل «كلمة الحق التى يراد بها باطل».

هناك عوامل كثيرة أخرى مسئولة بشكل مباشر عن تشويه صورة الإسلام فى وقتنا الحالى، منها «الديمقراطية الغائبة» والحكم المستبد فى الكثير من دول العالم الإسلامى، والذى أشعل الكثير من الحرائق التى حولت الأوطان المستقرة إلى خراب وركام، ودفعت مواطنيها إلى الوقوف فى طابور اللاجئين فى الدول الأخرى، هربا من بحور الدم والدمار، وبحثا عن الأمان والطمأنينة والحياة الكريمة.

ما يشوه صورة الإسلام حقا، قمع بعض الحكومات فى بلاد المسلمين لمعارضيها لمجرد اختلافهم معها فى الرأى أو التوجه أو حتى فى السياسات المتبعة، بل وسجنهم وإذلالهم وسحقهم، وفى بعض الأحيان «تجزئة أجسادهم» من دون رادع أو خوف من العقاب، وكأن الله منحهم الحق فى إحياء البشر أو نزع الحياة منهم طالما خرجوا عن الخط المرسوم لهم.

الذى يشوه الصورة كذلك، إصرار بعض الحكومات فى عالمنا الإسلامى على إفقار شعوبها، سواء بالنهب المنظم والدائم لثروات الشعوب، أو بالتوزيع غير العادل لها، أو بالتوجهات الاقتصادية الخاطئة التى تطحن عظام السواد الأعظم من المواطنين، وتدخل الآلاف منهم يوميا فى دائرة الفقر والعوز والاحيتاج.

أيضا انتهاك الدستور والقانون، والوطنية الزائفة، وتدجين الإعلام، وغياب قواعد العدل والرقابة والشفافية والمحاسبة، وتحويل الدول إلى ما يشبه «العزب الخاصة» ومنح حق إدارتها لـ«أهل الثقة» والإقصاء العمدى لـ«أهل الخبرة» من قبل حكومات العديد من دول العالم الإسلامى، يلعب دورا فى تشويه الصورة.

هذه العوامل جميعا هى المسئولة عن تشويه صورة الإسلام اليوم فى الخارج، وبالتالى إذا أرادت الدول الإسلامية تجديد الخطاب الدينى فقط لمعالجة هذا التشوه، فإنه سيكون بمثابة تجديد ناقص وتجميل زائف، لن يكون له أى مردود يذكر، ولا يتعدى كونه أكثر من مجرد عملية طلاء خارجية لمنزل آيل للسقوط فى أى لحظة.

ما يبنغى عمله فعلا، هو إطلاق عملية إصلاح شاملة لتجديد الخطاب الدينى والسياسى والاجتماعى والإعلامى فى دول العالم الإسلامى كافة، والدول العربية على وجه الخصوص، من أجل إحداث تغيير حقيقى على الأرض، يجعلنا نواكب متطلبات العصر الذى نعيش فيه ونساهم فى تشكيل ملامحه، وبالتالى نستعيد تأثيرنا الحضارى السابق، مما يجعلنا قادرين على إعطاء انطباع حقيقى عن الدين الذى يجمعنا ونقدمه للآخرين فى أفضل صورة.. غير ذلك ليس أكثر من مجرد «حرث فى البحر!».

التعليقات