مبادرة أوباما لتسوية أزمة الشرق الأوسط (ثورة كوبرنيقية).. ولكن؟ - سعد محيو - بوابة الشروق
الإثنين 28 أبريل 2025 2:29 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

مبادرة أوباما لتسوية أزمة الشرق الأوسط (ثورة كوبرنيقية).. ولكن؟

نشر فى : الأحد 24 مايو 2009 - 9:07 م | آخر تحديث : الأحد 24 مايو 2009 - 9:07 م

 ما طبيعة «المبادرة الكبرى» للسلام فى الشرق الأوسط التى ينوى الرئيس الأمريكى أوباما إطلاقها قريبا؟

سنعرف التفاصيل خلال أيام حين يحط أوباما الرحال فى القاهرة فى 4 يونيو المقبل. بيد أن الخطوط العامة، لهذه المبادرة، كما فلسفتها، باتت واضحة للعيان.

فهى أساسا ذات منظور إقليمى- دولى، أى أنها تقارب أزمة الصراع العربى- الإسرائيلى انطلاقا من «الكل» العربى- الإسلامى نزولا إلى «الجزء» الفلسطينى والإسرائيلى. وهذا ما كشف عنه كل من الملك الأردنى عبدالله الثانى ووزير الخارجية البريطانى ديفيد ميليباند، حين تحدثا عن «حل الـ57 دولة»، الذى يقوم بموجبه العالم الإسلامى برمته بالاعتراف بإسرائيل، مقابل موافقتها على إقامة دولة فلسطينية والانسحاب من باقى الأراضى السورية واللبنانية المحتلة.

أما فلسفة المبادرة فهى تكمن فىما وصفه وولتر رسل ميد فى «فورين أفيرز» بـ «الثورة الكوبرنيقية» (نسبة إلى كوبرنيقوس الذى اكتشف أن الأرض تدور حول الشمس لا العكس) التى ينوى الرئيس الأمريكى إدخالها على المقاربات الخاصة بمفاوضات الشرق الأوسط: بدل أن تكون إسرائيل والإسرائيليون هم محور هذه المقاربات، تكون فلسطين والفلسطينيون هما هذا المحور.

المحاور الرئيسية لدراسة رسل ميد:

إدارة أوباما ستحدث «قطيعة كوبرنيقية» مع الطريقة التى تقارب بها القضية الفلسطينية. ففى الماضى كان صنّاع السياسة الأمريكيون لديهم مقاربة حيال العملية التفاوضية متمحورة حول إسرائيل، لكن الآن على إدارة أوباما أن تضع السياسات الفلسطينية والرأى العام الفلسطينى فى قلب جهودها لعملية السلام.

هذا لن يعنى إدخال أى تغيير على أهداف الولايات المتحدة وعلى العديد من سياساتها. فعلاقاتها مع إسرائيل ستبقى قوية لا بل ستتعمق. لكن، وعلى رغم ضعفهم العسكرى وتفككهم السياسى، لا يزال الفلسطينيون يمسكون بمفتاح السلام فى الشرق الأوسط. ولذا، إذا ما كانت الولايات المتحدة تأمل فى خلق بيئة أكثر أمنا لإسرائيل، فعليها أن تبيع السلام إلى خصوم الدولة العبرية.

لكن، ماذا تعنى المقاربة المتحورة حول الفلسطينيين لا الإسرائيليين؟
إنها تعنى، وفقا لدوائر فريق أوباما الشرق أوسطى، أمرين متلازمين:
الأول، الاعتراف من جانب كل الأطراف، وفى مقدمتهم إسرائيل والأمم المتحدة، بالظلم التاريخى الذى وقع على الفلسطينيين العام 1948 حين طُرد نصفهم من بلادهم وحُوّلوا إلى لاجئين.

والثانى، التعاطى مع كل الفلسطينيين بلا استثناء، بما فى ذلك الخمسة ملايين لاجئ فى لبنان سوريا والأردن وباقى مناطق الاغتراب، والعمل على إيجاد حلول شاملة لهم. وهذا يمكن أن يتم عبر مبادرة الولايات المتحدة إلى تأسيس هيئة دولية تدرس كل المطالب المتعلقة بالصراع العربى – الإسرائيلى التى سيتقدم بها ليس فقط اللاجئون الفلسطينيون بل أيضاَ اليهود الشرقيون الذين هاجروا من الدول العربية.

رأسمال الصندوق يجب أن يتراوح من 55 إلى 85 بليون دولار، تكون مساهمة الولايات المتحدة فيه كبيرة، لكن المساهمة الأكبر يجب أن تأتى من إسرائيل.

فى الوقت نفسه، يمكن اتخاذ خطوات عدة حيال مسألة حق العودة بالنسبة إلى الفلسطينيين. فأولئك الذين يختارون عدم ممارسة هذا الحق أو أن الاتفاقية النهائية بين الدولة الفلسطينية وإسرائيل تقيّد حقهم، يجب أن ينالوا تعويضات مهمة من هذا الصندوق. علاوة على ذلك، يجب أن يتم العمل لضمان ألا يبقى أى فلسطينى من دون هوية أو دولة، وأن كل الفلسطينيين يجب أن يتمتعوا بحقوق اقتصادية وسياسية واجتماعية كاملة.

وهذا يعنى ضرورة بلورة برامج لدمج الفلسطينيين فى الدياسبورا فى المجتمعات التى يعيشون فيها الآن، والسماح لهم بالهجرة من/وفى داخل الشرق الأوسط، وتوفير فرص مناسبة لهم.

بيد أن الجهود لتوفير مستقبل للفلسطينيين يجب ألا تقتصر على الدول العربية، بل يجب أن تشارك فيها الولايات المتحدة وكندا وأستراليا والدول الأوروبية التى يجب أن تكون مستعدة لمنح الفلسطينيين تأشيرات هجرة. أما سوريا والأردن، اللتان تقدمان إلى الفلسطينيين حقوقا وضمانات، فيجب أن تحصلا على تعويضات كاعتراف من الأسرة الدولية بجهودهم السابقة.

***

العقدة الإسرائيلية

كما هو واضح، المبادرة الأمريكية التى قد يطرحها أوباما تبدو طموحة للغاية وواقعية للغاية. فهى تنطلق من أصغر التفاصيل المتعلقة بوضع اللاجئين الفلسطينيين فى أقصى المنافى، لتصل إلى توفير اعتراف 57 دولة إسلامية بالدولة العبرية إذا ما اعترفت هذه الأخيرة بالدولة الفلسطينية التى باتت ولادتها «مصلحة قومية أمريكية»، كما قال أوباما.

لكن، ما موقف العرب والإسرائيليين منها؟

العرب فى معظمهم سيصفقون بحماسة لهذه المبادرة، خاصة أنها تتضمن فى تضاعيفها خطة السلام الشامل التى أقرتها قمة بيروت العربية العام 2002. لكن الصورة ليست على هذا النحو بالنسبة إلى إسرائيل التى ستكون على الأرجح العقدة الرئيسية فى منشار أوباما.

فأينما يممنا وجهنا، سنجد الدولة العبرية بالمرصاد لأى تقدم فى الإستراتيجية الدبلوماسية الأمريكية الجديدة لا يصب فى مصالحها الإستراتيجية هى، هذا إذا لم تعمل حتى على نسفها من أساسها.

فقد بات سرا معروفا أن تل أبيب استنفرت الكونجرس الأمريكى وباقى اللوبيات المؤيدة لها فى مجلس الأمن القومى والبنتاجون، لإجبار إدارة أوباما على وضع الأولوية الإيرانية قبل الفلسطينية، وعلى تحديد فترة زمنية للحوار مع إيران يجب ألا يتجاوز ستة أو تسعة أشهر كحد أقصى. كما أنها وضعت لائحة شروط قاسية حول طبيعة أى اتفاقات قد تبرمها واشنطن مع طهران، فى مقدمتها رفض قبول الأسلحة النووية الإيرانية كأمر واقع.

كما أن نتنياهو أبلغ أوباما علنا خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن رفضه لخيار حل الدولتين فى فلسطين، بعد أن استبدل مبدأ مقايضة الأرض بالسلام بما يسميه «السلام الاقتصادى». هذا لن يعنى أنه لن يتفاوض وفق ما تريد واشنطن، لكنه سيفعل ذلك وفق ما تشتهى سفن المستوطنين فى الضفة الغربية: أى التفاوض من أجل التفاوض.

وحتى فى مجال السلام السورى ــ الإسرائيلى، الذى يُجمع كل من الجيش الإسرائيلى وواشنطن على أنه ضرورى لتغيير خريطة الصراع الاستراتيجى مع إيران، تبدو العقدة الإسرائيلية أكثر وضوحا. فنتنياهو لا يستطيع حتى ولو أراد (وهو لا يريد) إعادة الجولان، لأن ذلك سيفجّر حكومته اليمينية المتطرفة من داخلها. كل ما يستطيع فعله هو ما سيفعله مع الفلسطينيين: التفاوض من أجل التفاوض.

كيف سيكون رد فعل إدارة أوباما على هذه المواقف الإسرائيلية الاعتراضية؟

كل المؤشرات المتدفقة من واشنطن تشى بأن العلاقات بين الطرفين ستشهد توترات، وتجاذبات، وأحيانا «خناقات» قد تكون علنية. لكن، هل سيكون ذلك كافيا لتمكين الولايات المتحدة من توفير النجاح لإستراتيجيتها الإقليمية الجديدة؟
حتما لا.

فمن دون ضغوط أمريكية وعلنية مباشرة على الدولة العبرية، لن يكون واردا أن تتوقف هذه الأخيرة عن لعب دور المثبط والمعرقل لكل تقارب أو انفتاح أمريكى على العالمين العربى والإسلامى. ومن دون وقف أسرلة (من إسرائيل) كل المواقف الأمريكية فى الشرق الأوسط، لن يكون أى حديث عن تغيّر ما فى السياسة الأمريكية أكثر من همس خافت وسط صحراء الربع الخالى.

لكن، هل أوباما قادر حقا على مجابهة إسرائيل أو حتى الضغط عليها، تحت شعار أولوية المصالح الأمريكية؟

ربما، إذا ما استطاع تحييد الجحيم الذى ستُشعل إسرائيل أواره فى وجهه، والذى لا يبعد عن البيت الأبيض سوى بضعة أمتار.. الكونجرس الأمريكى!

سعد محيو  كاتب لبناني
التعليقات