"هو ليه عمو حط الصرصار في الرز باللبن؟"
تابع سيف بشغف مرحلة خروج طبق الرز باللبن من الثلاجة، وكشف الغطاء عنه متوقعًا أن أقدمه له، ولكن "الولد مزاجه اتعكر" بعد اكتشافي لوجود جسم غريب في الطبق، الذي اشتراه الجد من أحد المحال الشهيرة التي لديها فروع منتشرة بالقاهرة والجيزة.
سؤال سيف عن كيفية وصول الصرصار لطبقه المفضل لم يتوقف، حاولت تقديم إجابات سهلة لعقله الصغير، "لأن عمو اللي عمله مش نضيف". ليه؟، سأل الطفل مرة أخرى، فقلت: "لأنه مش بينضف المحل بتاعه، فالصراصير بتبقى موجودة وتروح للأكل"، فأجاب "طيب ياللا البسي هدومك وتعالي نزعق له جامد".
في كل الأحوال كنت سأتخذ إجراءً تجاه المحل، إما بمكالمة تليفون أو الذهاب إليه، والكلام مع مدير الفرع الذي اشترينا منه الحلوى، وتقديم شكوى مكتوبة أو على الأقل تعلية صوتي في وجود الزبائن، فخيالي لا يستوعب أن هذه الحشرة كان يمكن أن تصل لمعدة طفلي وربما وصل مثلها أو ما يشابهها إلى بطون أطفال في مثل سِنّه.
لكن كلمات سيف أشعرتني أنه يتخذني درعًا للحصول على حقه من الرجل الذي حرمه من متعته الصغيرة الكبيرة، وتساءلت عن الأشياء التي لم أرها، فقد اكتشفت وجود الحشرة، لكن ربما دخل في عملية صنع المنتجات، التي تخرج من المحل الشهير، عشرات الملوثات التي لا يمكنني رؤيتها واكتشافها بسهولة.
تواصلت بفضل أحد زملائي مع مدير مباحث تموين المحافظة التي أسكن فيها وأتحفظ على نشر اسمها، حفاظًا على حماية مصدري.
طلب مني مدير المباحث الفاتورة التي تثبت شراء طبق الرز بلبن من المحل، الحقيقة دائمًا أحتفظ بالفاتورة الخاصة بالملابس، الحقائب، الأحذية، والأجهزة، لكن لم يخطر على بالي على الإطلاق، أهمية الاحتفاظ بفاتورة المأكولات أو المشروبات. لم أجد أي إثبات لشرائي الرز بلبن من هذا المحل، لكني ظللت محتفظة بالحرز بصرصاره.
توجهت للقاء حضرة الضابط، وحرصت على مشاركة طفلي في هذه الزيارة، لعله يتعلم درسًا في سنوات عمره الأولى، واستقبلنا بود شديد في مكتبه، ورحب بالطفل الشقي الذي قال له "أنت Police man زي اللي شفته في الـ story" "، أعتقد أن مهنتي ووساطة زميلي منحتني مقابلة ودودة بعكس الطبيعي الذي يحدث مع المواطنين العاديين.
تعرفت خلال اللقاء على بعض الخلل الذي أدى لأن تكون مصانع المأكولات والحلويات والمشروبات الكبرى بلا أي رقابة.
المشكلة الأولى: في عدد الضباط المسؤولين في الإدارة، والذي لا يمكن أن يغطي كل المنشآت بأي حال من الأحوال، فالعدد لا يتجاوز 5 ضباط بمحافظة مركزية بها ملايين السكان والمناطق العشوائية.
المشكلة الثانية: إن قلة العدد أدت لترتيب أولويات لدى القطاع بأن "مصانع بير السلم" غير المرخصة هي الأَولى بالرقابة والحملات والمحاضر، وبالتالي يكون من الطبيعي أن تظل الصيدليات الشهيرة ومحلات الأطعمة والمشروبات المعروفة خارج نطاق اهتمامهم ما لم تأتهم شكوى محددة بخصوص مكان معين.
" دور جهاز حماية المستهلك تلقي الشكوى فقط، يستلمها منك ويبعتها لنا احنا" قال الضابط الذي لم يتوقف عن التدخين طيلة الجلسة، موضحًا أن الضبط والتفتيش من سلطة مباحث التموين فقط.
ماذا لو خصمت الدولة من ميزانيات الأمن المركزي ومصروفات الرقابة على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، غير المجدية في أي حرب مزعومة على الإرهاب، وأبدت اهتمامًا بالأمن المجتمعي وحماية المواطنين من الغش التجاري؟
اعلم تمامًا أن شكواي الخالية من إثبات شراء طبق الأرز بلبن من المحل الشهير، لن تكون مجدية بمعاقبته، لكنني أعوّل على أن زيارة قصيرة للمحل ودخول مطبخه، قد تكون كافية لكشف ما هو أبشع من الصرصار "اللي نكد على سيف وخلاه مش عارف ياكل الرز بلبن".