درس سرقة ثورة «يناير»! - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 10:02 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

درس سرقة ثورة «يناير»!

نشر فى : السبت 25 يناير 2020 - 10:10 م | آخر تحديث : السبت 25 يناير 2020 - 10:10 م

كنت واحدا من الذين تواجدوا فى ميدان التحرير مساء يوم الثلاثاء ٢٥ يناير ٢٠١١، وكان معى معارف وأصدقاء كثيرون، أعرف يقينا أنهم ليسوا إخوانا أو سلفيين، وحياتهم لا توحى بالمرة بأنهم من «العملاء الممولين»!.
أتذكر جيدا أننى غادرت مقر جريدة الشروق حينما كان مقرها فى شارع محمد كامل مرسى بالمهندسين، وحينما وصلت ميدان التحرير، التقيت مصادفة بأحد أعضاء مجلس شورى جماعة الإخوان، وقال لى نصا إن الجماعة خانت المتظاهرين، ونسقت مع نظام مبارك. وبعد قليل بدأ يسلم على متظاهرين، قال لى إنهم من الإخوان، لكنهم نزلوا على مسئوليتهم الشخصية وليس فى إطار التنظيم.
لا أعرف حقيقة هل كان ما يقوله لى هذا الرجل صحيحا، أم فى إطار التقية السياسية المعروفة عن الجماعة!!.
أقول ذلك لأن العديد من قادة الجماعة، وفى تصريحات منشورة فى الصحف المصرية قبل ٢٥ يناير بقليل، قالوا ساخرين ما معناه: «كيف نتظاهر مع مجموعات لا نعرف انتماءاتها أو ولاءاتها؟!».
أغلب الظن أنهم مارسوا التقية، وأعطوا التعليمات لأعضاء الجماعة بالنزول فرادى، فإذا نجحت الثورة ركبوها، وإذا فشلت قالوا للنظام «نحن لم ننزل ولم نشارك فى هذه المؤامرة»!.
هل كان الإخوان ينسقون مسبقا مع المجموعات التى خططت ونسقت وأعدت للثورة؟!.
ربما، لكن المؤكد أن الجماعة نجحت بمهارة شديدة فى سرقة الثورة بالكامل وتأميمها ولاحقا فى إفشالها. وللموضوعية فقد تم ذلك بصورة قانونية عبر صناديق الانتخاب.
ما فعلته الجماعة، كان سببه الرئيسى أن نظام حسنى مبارك قتل الحياة السياسية بالكامل، وأمم الأحزاب ودجنها.
أحد أكبر جرائم حسنى مبارك أنه ترك هذه الجماعات المتطرفة تعمل وتنمو وتتشعب وتتعمق، حتى تمكنت من السيطرة على مفاصل المجتمع.
هو ظاهريا كان يحظر جماعة الإخوان وتنظيمات السلفيين، وعمليا تركهم يسيطرون على المجتمع بأكمله تقريبا، فى حين أنه نظريا كان يعترف بالأحزاب المدنية، وعمليا حاصرهم وشتت قواهم، ولم يدع لهم أى فرص حقيقية للعمل السياسى، حتى لا ينافسوا على السلطة.
وهكذا حينما جرت الانتخابات النيابية نهاية عام ٢٠١١ استطاعت الجماعة، ومعها بقية التيارات الدينية المتطرفة، من السيطرة على أكثر من ثلثى مقاعد مجلس الشعب والشورى عبر الصناديق وجنوا ما راكموه خلال حكم مبارك من التوغل فى معظم مجالات الحياة.
بدهاء شديد تمكن الإخوان من دق العديد من الأسافين بين الدولة وشباب الثورة، تركوهم يفتعلون الخناقات والصراعات والصدامات، بل ويزايدون عليهم، فى الوقت الذى كانوا إما يعقدون الصفقات مع الدولة أو يحشدون أنصارهم ليوم معلوم فى الصناديق.
الجميع ابتلع الطعم للأسف الشديد، خصوصا أن بعض الشباب كان شديد السذاجة أو شديد السطحية والضحالة، أو لا يعرف ماذا تعنى السياسة، وهكذا انشغلت التيارات الثورية بالكعكة رغم أنهم لا يملكونها، وظنوا أن كل شىء صار لهم، وهم لا يشعرون أن هناك من خطف منهم كل شىء.
سيقول البعض، ولكن كل ما تتحدث عنه من الماضى، فما الداعى لتكراره؟!.
الدرس الأساسى أنه كلما تم تجفيف الحياة السياسية من القوى الشرعية والمدنية والمجتمع المدنى، كلما كان ذلك فى صالح كل الجماعات المتطرفة.
أفضل خدمة تقدمها الدولة لهؤلاء المتطرفين والمتشددين هى أن تؤمم الحياة السياسية والحريات والإعلام.. هذه هى أفضل بيئة خصبة لعودتهم كى يطلوا بوجههم من جديد.
وبالتالى فالقضية الرئيسية أن تفتح الدولة الأبواب والنوافذ للقوى السياسية والمدنية والأهلية كى تعمل فى النور، وفى إطار القانون والدستور، إذا حدث ذلك فلن يعود المتطرفون لكى يسيطروا على المشهد مرة أخرى، وحتى لو ظهروا سيكونون على هامش المجتمع، وليس القوة الأساسية فيه. أما إذا ظللنا ندور فى نفس الحلقة المفرغة، فللأسف الأمر سيكون مجرد مسألة وقت حتى نعيد إنتاج قصة ٢٥ يناير من جديد، لكن ربما بصورة أسوأ وأكثر عنفا.
لعنة الله على من اختطفوا ثورة ٢٥ يناير وأوصلوها إلى هذه النهاية البائسة.

عماد الدين حسين  كاتب صحفي