الإسلام كما أدين به 9 ــ القضاء والقدر ج ــ كل من عند الله - جمال قطب - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 6:43 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإسلام كما أدين به 9 ــ القضاء والقدر ج ــ كل من عند الله

نشر فى : الخميس 25 فبراير 2016 - 10:40 م | آخر تحديث : الخميس 25 فبراير 2016 - 10:40 م
ــ1ــ
الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره، حلوه ومره، قليله وكثيره، بعيده وقريبه، ظاهره وباطنه، ومحبوبه ومكروهه، وحسنه وسيئه، وأوله وآخره، فكل ذلك قدر خلقه الله وقدره تقديرا، ثم قضاه وأمضاه فى الزمان والمكان والظروف التى حددها جل جلاله، فكل ذلك من عند الله سبحانه وتعالى حيث إن كل الحوادث السابق الإشارة إليها مخلوقة وحادثة، ولا خالق إلا الله، فهل إذ قال المؤمن ((..كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ..)) يكون قد تنصل من مسئوليته؟ أو يكون ــ حاشا لله ــ قد نسب الشرور والمفاسد إلى الله؟ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا..

ــ2ــ
القرآن الكريم ببيانه الواضح يعلم المؤمن حقيقة القضاء والقدر وذلك حينما يشير إلى أمرين مختلفين أولهما هو: خلق الأشياء، أما الآخر فهو فعل تلك الأشياء وتعاطيها وارتكابها واكتسابها. فموضوع خلق كل شىء من المصالح والمفاسد، فليس هناك أدنى شك أن الخلق والإيجاد هو عمل إلهى خالص، فلا دخل فى الإيجاد والخلق لغير الله لكن التدخل البشرى واستعمال تلك المخلوقات هو تصرف بشرى محض يفعله الإنسان حسب تصوره وبكامل إرادته وباختياره وإصراره، وهكذا نفهم قول الله تعالى ((.. وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ...)). فمعنى «من عند الله» أى خلقها الله وحده، فالخلق كله من عند الله وحده، وتجىء الآية التالية فتقول: ((مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ..))، وهذه الآية فى غاية الوضوح إذ لا تتحدث عن خلق الحسنة وخلق السيئة، بل تتحدث عن السبب المباشر فى اكتساب الحسنة أو السيئة، فالآية تقرر أن فعل الطائع للحسنة جاء من اصطفائه وإنصاته إلى دين الله وحكم الله ففعل الحسنة باشر ميله إلى حكم الله ((..فَمِنَ اللَّهِ..))، أما ارتكاب السيئة فذلك من استسلامه لهوى نفسه ورغباته وشهواته ((..فَمِنْ نَفْسِكَ)).

ــ3ــ
وما يغفل عنه أهل المعصية أن كل شىء فى المخلوقات قد خلقه الله صالحا لاستعمال الخير والشر، وأبرز الأمثلة على ذلك أن الله خلق الحديد للناس يبنون به المنشآت، ويصنعون منه الأثاث والأدوات، حيث إن ذبح الأنعام لأكلها لا يتم إلا بالسكين وكذلك إعداد بعض الأطعمة، لكن هناك من البشر من يحمل نفس السكين فيقتل بها إنسان دون سبب، فهل خالق الحديد والسكين مسئول عن استعمالها أم أن المسئولية خاصة بذلك الذى استعمل السكين فى غير ما صنعت له؟ وكذلك فمن الحديد ومواد أخرى تصنيع السيارات والطائرات التى تيسر الانتقال والسفر لكن عدم اتباع التعليمات وتجاوز السرعة المقررة وإهمال الصيانة كل ذلك تقصير واضح من البشر فعلى من تقع مسئولية الحوادث؟ لا شك أنها تقع على عاتق المهمل الذى أهمل تعليمات الصيانة أو القائد الذى تجاوز تعليمات القيادة..
هكذا يوقن المؤمن أن خلق جميع الأشياء من عند الله وحده لكن إحسان الاستخدام هو نتيجة لطاعة الإنسان لربه وللشرع والعقل أما إساءة الاستخدام فهى نتيجة لميل الإنسان إلى هواه ورغباته وحماقته..

ــ4ــ
لذلك فأول ما ينبغى الالتفات إليه فى تعلم «القضاء والقدر» أن يدرك المؤمن الفرق الجوهرى الكبير بين خلق الأشياء وبين استعمال تلك الأشياء، فكما تثبت آيات سورة النساء أن الكافرين كانوا يراوغون الرسول صلى الله عليه وسلم حينما قالوا له ((.. وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ...)) يريدون بهذا معارضة الرسول واتهامه بأنه سبب الشر الذى يحيط بهم فتصدى لهم القرآن الكريم مبينا أن خلق جميع الأحداث والأشياء مصدره واحد هو الله وحده، ثم لقنهم درسا أن الحسنات التى يفعلونها هى بإلهام من الله وشرعه، أما المساوئ والقبائح فهى نتيجة لهدى أنفسهم ومعصمهم للشرع ((.. مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِك...))
يتبع ،،،،،
جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات