الحب وطب الأسرة فى زمن العزل - من الفضاء الإلكتروني «مدونات» - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 12:07 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحب وطب الأسرة فى زمن العزل

نشر فى : الإثنين 25 مايو 2020 - 5:50 م | آخر تحديث : الإثنين 25 مايو 2020 - 10:00 م
حكايات في زمن الوباء.. من حكايات موقع "المنصة" عن يوميات الأطقم الطبية في العزل

بداية ظهور حالات كورونا فى مصر كنت بأقضى فترة الزمالة فى طوارئ مستشفى أبوقير كطبيبة أسرة. استمر عملى فى الطوارئ أول شهر من ظهور الوباء، بس اللى كان صعب عليّ جدًا إنى أم لطفلتين صغيرين ومستحيل تبعديهم عنك وتفهميهم إنك راجعة من الشغل مش مأمّنة. كان لازم آخد قرار إنى أبعدهم عنى، وده كان أصعب قرار فى حياتى. كلمت والدتى تاخد البنات عندها.

لما البنات مشيوا حسيت إن أغلب مخاوفى انتهت لأنى متطمنة عليهم، فبدأت أفكر ليه ما أدخلش العزل مع زمايلي؟ أكيد وجودى هناك هيكون مفيد أكتر فى ظل عجز الأطباء وزيادة الإصابات.
***
كان عندى سببين خلونى متمسكة إنى أخوض التجربة؛ الأول طبعًا إنسانى وهو دورى كطبيبة، والتانى والأهم بالنسبة ليّ هو إنى أمحى التنميط اللى بينحصر فيه دور تخصص «طب الأسرة»، بإنه الدكتور الموظف فى الوحدة الصحية وبس.
إحنا دورنا كأطباء أسرة أكبر بكتير من الصورة النمطية دى. أنا تخصص مهم جدًا والدول المتقدمة بتقدر دورنا جدًا، لأننا بنقدر نتعامل مع 70% من الحالات اللى بتيجى لنا بشكل مباشر ومع كل الأمراض غالبًا، ومن غير الحاجة لأخصائى، وده طبعًا بيوفر وقت وجهد وتكلفة للقطاع الصحى. لكن فى مصر دورنا مش مفعّل بشكله الكامل. ودا كان دافع قوى ليّ علشان أخوض تجربة العزل.
بدأت أعرض على زوجى إنى عاوزة أخوض التجربة، وفعلًا كان داعم لى جدًا بالرغم من خوفه، لكن تشجيعه هو اللى خلانى نفسيًا أقوى ومصممة أكمل.
يوم 15 أبريل الصبح نزلت مع زوجى وأصر يوصلنى للمستشفى بنفسه كنوع من التشجيع، وفعلًا وصلت لعزل العجمى، استقبلنى حد من العمال على الباب وسجّل بياناتى ثم طابقها مع الإدارة بالإخطار اللى عندهم، بعدها دخلت المستشفى واستقبلنى زميل من فريق مكافحة العدوى.
***
طبعًا الأول قعدت فى أوضة معزولة وعملولى «رابيد تيست»، علشان نتأكد إنى مش جاية من بره بالإصابة، وأول ما التحليل طلع سلبى بعد حوالى ساعتين، فورًا ضمينا على بعض. تحركنا على تدريب مع زملائنا من فريق مكافحة العدوى، وبدأوا يدربونا هنتعامل إزاى مع الحالات، ونلبس البدلة الواقية ونخلعها إزاى، وطرق الوقاية وتعليمات التعامل مع المرضى ومع بعضنا. وبعدها بساعتين اجتمع بينا الدكتور عمرو عبدالله استشارى العناية المركزة وأول كلامه معانا كان «كلنا هنا زى بعض، اعتبروا نفسكم فى سنة أولى، كلنا بنواجه حاجة جديدة علينا ومش عارفينها ولسه بنتعلم من بعض ومن تجاربنا»، الجملة دى طمنتنى شوية وحسستنى إن فيه فرصة كبيرة إنى أتعلم حاجات كتير.
المستشفى فيها مبنى واحد مقسوم جزأين؛ واحد خارجى ده فيه سكن الأطباء والإدارة، وواحد داخلى ده اللى بتتحجز فيه الحالات. المبنى الداخلى تقريبًا خمس أدوار، كنت مسئولة مع 2 من الطبيبات عن الدور الرابع اللى محجوز فيه 42 حالة تقريبًا.
أول يوم ليّ فى المستشفى بدأنا نتعرف على بعض ونسأل على تخصصات بعض، كل ما كنت بأقول لحد تخصصى طب أسرة كان يبص لى باستغراب، وبأشوف سؤال فى عينهم كده «إيه جايبك هنا؟»، طبعًا مش قادرين يقاوموا الصورة الذهنية عننا رغم إنهم دكاترة زيى، وده كان بيزوّد إصرارى أكتر إنى أثبت هدفى اللى جابنى هنا: إن طبيب الأسرة مهم وكفء إنه يتحط فى موقف زى ده، جايز يكون الأهم، لأنه قادر يتعامل مع أى شيء بيعانى منه المريض فى أى عمر.
وجود السيدات فى أى مكان بيعانى من أزمة إنسانية بيفرق طبعًا خصوصًا لو أمهات، بنبقى قادرين نتفهم شعور اللى قدامنا ومشاعره، وعارفين نتعامل مع قلق ومخاوف الحالات على نفسهم أو أبنائهم، وبنقدر نهوّن عليهم بحاجات بسيطة.
المسنين طبعًا حالاتهم ماتتنسيش، خوفهم وقلقهم كان بيخليهم عصبيين زيادة، بس مجرد ما نبدأ نتكلم كأنهم أم أو أب لينا كانوا بيهدوا ويستقروا.
الإجراءات الوقائية كانت صعبة جدًا، ومرهقة لجسمنا أكتر من ساعات العمل. بدلة الوقاية دى صعبة جدًا، مجرد ما بنلبسها كأننا دخلنا فرن، وكمان الخوذة اللى بنغطى بها وشنا مع الكمامة N95. أنا عندى حساسية عين وبأفضل فى اللبس دا ساعات طويلة والموضوع مرهق، بأخلع البدلة ومش قادرة أشوف كويس ولا أتنفس، والكمامة كانت بتسيب كدمات مؤلمة جدًا على وشنا وبيستمر أثرها لساعات طويلة، غير طبعًا جفاف إيدينا وبشرتنا من كتر الكحول والمعقمات اللى بنستخدمها.
الدعم النفسى ليّ كان هو الطاقة إنى أكمّل خصوصًا بعد بُعدى عن بناتى، بس بالرغم من خوف زوجى على، إلا إنى تفاجأت بدعمه اللى استمر خلال 14 يوما، كان بيجى لحد المستشفى ويقف من بعيد نتكلم فى التليفون بس نبقى شايفين بعض. فى أول يوم رمضان عمل لى مفاجأة حلوة قوى: جه وجاب فانوس رمضان وشوكولاتة كتير، فرحت بيهم قوى وإنه فاكرنى وبيشجعنى.
يوم 28 أبريل بالليل بدأت أستعد للخروج. سلمت الحالات ولميت شنطتى وودعت زمايلى. مشاعر كتير بين الفرحة إنى خلصت الشيفت وبين مسئولية إنى عاوزة أكمل. مشاعر بين بناتى اللى وحشونى، وبين إحساسى بالحالات اللى لسه ماكملتش علاجها، بس مقدرتش أتغلب على إحساس التعب والشوق لبناتى، فمقدرتش أجدد 14 يوم كمان..

النص الأصلى

التعليقات