فرز الميادين وفرز الصناديق - رباب المهدى - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 1:05 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فرز الميادين وفرز الصناديق

نشر فى : الجمعة 25 نوفمبر 2011 - 10:45 ص | آخر تحديث : الجمعة 25 نوفمبر 2011 - 10:45 ص

منذ أن بدأ اعتصام التحرير وبعض محافظات مصر يكبر، على خلفية قتل قوات الأمن للمتظاهريين (مرة أخرى)، انقسم الرأى العام والسياسيون لمعسكرين. الأول وتقوده جماعة الإخوان المسلمين وجزء من المواطنين يرى أنهم ضد الاعتصام لأنه يقود إلى إلغاء الانتخابات البرلمانية وهى خطوة مهمة نحو انتقال السلطة للمدنيين. أما المعسكر الثانى فيرى أن الانتخابات تصبح غير ذات معنى فى ظل سلطة تصر على قتل المتظاهريين والاحتفاظ بجهاز أمنى قمعى وإعلام موجه. وفى تقديرى أن هذة الثنائية أو الاختيار بين الاعتصام أو الانتخابات، هى ثنائية خاطئة بين شكلين ضروريين للفعل السياسى.

 

فالاعتصام يأتى على خلفية عقاب جماعى من المجلس العسكرى وحكومته ضد الشعب المصرى. فعلى مدى أكثر من تسعة أشهر، لم يلتزم المجلس بالتعهد الذى قطعه على نفسه من تسليم للسلطة فى خلال ستة أشهر. بل ولم يستجب لأى من مطالب الثورة سواء الخاصة بإعادة هيكلة أجهزة الأمن لتقوم على حماية المواطنين ــ وليس إرهابهم ــ أو تحقيق خطوات أولية نحو العدالة الاجتماعية أووضع منظومة تشريعية منضبطة لنظام سياسى ديمقراطى. ما حدث هو العكس، ألقى المجلس العسكرى بمسئولية فشله فى إدارة هذه الملفات على عاتق الشعب من «المخربين» و«الفئويين» وأصحاب «الأجندات الأجنبية» فى تكرار سخيف لنموذج مبارك فى إدارة الأزمة (خطاب المشير مثالا).

 

إذن، فالاعتصام ليس فقط مبرر من الناحية السياسية والأخلاقية (على خلفية قتل أكثر من 30 مصريا وجرح المئات) ولكنه ضرورى. والضرورية تأتى من كونه وسيلة مهمة لإجبار المسئولين على تعامل مع ملفى الأمن وانتقال السلطة، خاصة فى ظل وجود نخبة سياسية عاجزة عن أداء دورها فى القيادة. فمنذ سقوط مبارك لم يتحرك المجلس العسكرى إلا تحت الضغط الشعبى.

 

فى هذا الإطار يصبح موقف جماعة الإخوان المسلمين، ومن حذا حذوها فى تجريم الاعتصام، وهو موقف متواطئ ضد هدفى الاعتصام ولأنه أيضا موقف سياسى ستدفع هذه القوى ثمنه على المدى المتوسط والطويل. فهو فرز سياسى بين من يقف مع مطالب الجماهير التى تدفع ثمنها بالدم، ومن يتصور أن اللحظة الثورية هدفها النهائى هو الوصول إلى البرلمان.

 

ولكن على الجانب الآخر، فإن تصوير الانتخابات والمشاركة فيها على أنها وصول للكراسى على جثث الشهداء هذه مغالطة ولبس ليس فى محله. ففى ظل عدم وجود قيادة ثورية تتوافق عليها الجماهير، تصبح الانتخابات مرحلة مهمة للفرز ولتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية. فالانتخابات ليست فقط عملية تصويت، ولكنها معركة فى كل ربوع مصر تتصارع فيها البرامج السياسية بين من يريد تحقيق أهداف الثورة ومن يعمل على إجهاضها.

 

الانتخابات وسيلة أخرى لتوسيع قاعدة الثورة والثوار خارج ميادين التحرير فى القاهرة والمحافظات. وهى بالتأكيد حق للمواطنين لا يجب التنازل عنه أو السعى لتأجيله. وهى فى نفس الوقت أداة للفعل السياسى والمشاركة مثلما هو الاعتصام. أن الاختيار بين انتقال السلطة للمدنين وقد أصبح هدف الاعتصام الأول وبين الانتخابات هو اختيار فاسد لأنه يصور وسيلتين مكملتين لبعضهما وكأنهما فى تضاد.

 

لقد أثبتت ميادين مصر مرة أخرى عافية هذا الشعب الذى انتفض دفاعا عن كرامته ودمه وقد أهدرهما الأمن مرة أخرى، فحشد ونظم نفسه دون تدخل من أى قوى سياسية. ومرة أخرى سبق ما يسمى بالنخبة بل وطرد أغلب رموزها «التليفزيونية» من الميدان. وفرزت القوى السياسية فيما بينها ومن داخلها. فجاء خطاب أحزاب كالوفد والحرية والعدالة أشبهه ببايانات الحكومة. وجاء شباب من جماعة الإخوان المسلمين ضد قرار جماعتهم، ليثبتوا أن حسهم الوطنى أكبر من حسابات قياداتهم. هذا الفرز الذى حدث فى عن طريق المياديين من المهم البناء عليه عن طريق فرز صناديق الانتخابات.

 

كلمة أخيرة، على المجلس العسكرى أن يدرك أن مشكلة المعتصمين ليست مع المشير طنطاوى بشخصه ولا مع الجيش، ولكن مع إدارة المجلس العسكرى للبلاد التى على مدى شهور إراقة دماء المصريين فى ماسبيرو والتحرير، ولم تكلف نفسها حتى عناء الاعتذار أو محاسبة المسئولين. أما فكرة الاستفتاء على وجود المجلس العسكرى فى السلطة، فهى فكرة بائسة. فهذا المجلس لم يأت عن طريق صناديق الاقتراع لنحتكم لهذه الصناديق فى بقائه. وإذا كان المجلس حريصا على حقن دماء المصريين والنزيف الاقتصادى، كما يزعم فعليه الآن وفورا أن يحيل المسئولين عن الجهاز الأمنى من جيش وشرطة عسكرية إلى التحقيق ويفتح باب الانتخابات الرئاسية دون تباطؤ، وليس بعد ستة أشهر كما أعلن.

التعليقات