عن الشجاعة والشفافية - عمرو خفاجى - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 11:18 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن الشجاعة والشفافية

نشر فى : الأحد 26 أبريل 2009 - 6:00 م | آخر تحديث : الأحد 26 أبريل 2009 - 6:00 م

 أعرف أن هناك فى الغرب فى العالم المتقدم ليست كل الأمور جيدة، وليس كل ما يفعلونه هو الصواب.. وأعرف أن الغرب يخطئ أيضا ويحمى الخطايا أحيانا.. وأعرف كذلك أن هنا لدينا الكثير من الأشياء الجيدة التى تزداد يوما بعد يوم على حساب الكثير من الأمور السيئة.. إلا أنه بين الحين والآخر أكتشف أن هناك أمورا فى بلاد الغرب لا نقوى عليها فقط نتوقف طويلا أمامها.. ونتمنى أن تصيب أهل الحكم فى بلادنا.. على سبيل المثال، وخلال خطاب تنصيبه قال أوباما مواجها الأزمة المالية: «ترفض قلوب وعقول الرجال المخلصين، ممارسات تجار النقود وسماسرة المال، وسأطردهم كلهم من معبد الحضارة الأمريكية».. هكذا صرخ الرئيس الأمريكى بشجاعة لأن الأمور لم تعد تحتمل، وعندنا أصبحت بعض أمور المال لا تحتمل أيضا، لكن لا يوجد لدينا من يحتمل أن يصرخ مثل تلك الصرخة أو يواجه بمثل هذه الشجاعة أصحاب المصالح من تجار النقود وسماسرة المال، لأن معبد الحضارة المصرية اختلط فيه البيزنس بالسياسة، والتشريعات بالنقود، والحكومة بالمعارضة.. ومن قبلهم الصالح بالطالح والحق بالباطل.. فبات المعبد مليئا بسحابات الفساد وغيوم الغش والتدليس، وغبار الأكاذيب التى لا يخجل أحد من ترديدها صباح مساء.

والمؤلم، أن من يكذبون هم من يتحدثون عن الشفافية لدحض الفساد ووأد الغش والتدليس ولإزالة الأكاذيب.. والمؤلم أكثر أن هذه الشفافية، الكلمة التى يرددها الجميع ويستخدمها الكافة.. لا يعمل بها أحد ولا يستعملها مسئول ولا يقترب منها مدير أو وزير.

مثلا فى مصر.. لا تعرف لماذا جاء فلان أو لماذا خرج.. وما مؤهلات من سيشغل هذا المنصب وما لديه من أفكار وحلول.. وما خبراته بل أحيانا لا تعرف حتى أسماءهم، لذا حينما تابعت قصة تعيين عضو جديد فى لجنة السياسة النقدية ببنك أوف إنجلاند «البنك المركزى البريطانى» وهى اللجنة المسئولة عن أمور النقد فى بلاد الإنجليز، البنك البريطانى نشر على موقعه الإلكترونى أن البنك بصدد تعيين عضو جديد بلجنة السياسة النقدية وأن هذا العضو اسمه بول فيشر وسيكون من بين مهامه الإدارة التنفيذية للأسواق المالية، وبعد التعريف بالعضو الجديد وضع البنك عشرة أسئلة حول آراء وأفكار وطرائق الحلول للمشكلات المتوقعة سيجيب عنها السيد فيشر وحدد البنك الساعة الثانية عشرة ظهرا من يوم 15 أبريل لتلقى إجاباته عن هذه الأسئلة، التى سينشرها البنك على موقعه أيضا بعد أسبوع من تلقيها.. وهكذا من يريد أن يتابع من المواطنين ماذا سيفعل العضو الجديد فى أمور اقتصادهم، يستطيع أن يتابع وبكل دقة وشفافية.. وهكذا تكون الشفافية بالفعل، ليس الشفافية المتداولة فى أسواق السياسة والإعلام عندنا والتى غالبا لا تتجاوز حروف الكلمة.

الأسئلة العشرة للسيد فيشر تعكس حالة من الاحترام الكامل للمواطنين وحقوقهم المذهلة فى المعرفة.
الأسئلة تبدأ من: «هل خبراتك المهنية توفى بمهام الوظيفة؟» وحتى السؤال عن المدة التى سيشغل فيها المنصب، وهل سيستكملها أم لا؟! وقطعا السيد فيشر أجاب إجابات حاسمة عن كل هذه الأسئلة بما يريح المواطن والإجابات بها تفاصيل دقيقة عما سيفعله سواء فى الأسواق المالية وكيفية مواجهة التضخم، عمليات شراء الأصول، والحلول المقترحة لمواجهة الأزمة المالية العالمية، وخططه القصيرة والطويلة لمواجهة كل ذلك.. لكننى توقفت طويلا عند سؤال واحد.. كان هو السؤال الأساسى الذى أفاض فيه السيد العضو الجديد.. وكانت إجابته جادة ودقيقة وبها من الاحترام ما يكفى عدة شعوب وليس شعبا واحدا فقط.. فماذا كان السؤال؟! ببساطة شديدة وبكلمات معدودة وربما كان أقل الأسئلة فى عدد كلماته: هل كل ما سيفعله فيه الحماية الكافية لدافع الضرائب أم لا؟!

مجرد طرح السؤال، بغض النظر عن الإجابة، يعكس ما أتحدث عنه أن كل ما يدور وما يجب أن تفعله الحكومات والإدارات التى تتصدى لشئون وطن ما.. يجب أن تكون فى صالح جموع المواطنين والتى يفضل الغرب أن يطلق عليهم دافعو الضرائب أى أنهم أصحاب حقوق.. وأن ما تفعله الحكومة أو الإدارة ليس منحة للمواطنين.. بل هو واجبها الوحيد.. والذى لا يؤمن بذلك، أو لا يستطيع القيام بذلك فعليه أن يرحل ويترك مكانه لمن يستطيعه.. لأن المسألة باختصار أن دافع الضرائب قام بواجباته وسدد المستحقة عليه.. بالتالى فهو ينتظر حقوقه.

لست مخبولا حتى أطالب من يحكموننا بمثل هذه النوعية من الشفافية أو باحترام دافع الضرائب مثلما يحدث فى بريطانيا.. فقط نريد أن نعرف من يحكمنا، وكيف سيتم اختيار من سيحكمنا فى المستقبل ولا أريد إجابة من نوع أن هناك دستورا ينظم مثل هذه الأمور.. لأن دافع الضرائب فى مصر يعرف جيدا أن الدستور فى خدمة من يحكم أو حتى من يريد أن يحكم.. نريد أن نعرف ــ بشفافية ــ ماذا سيحدث لنا فى قادم الأيام.. ومبروك للشعب البريطانى على اختيار السيد بول فيشر لأنه إذا كان هذا ما يحدث لاختيار عضو ــ مجرد عضو ــ فى لجنة تابعة للبنك المركزى.. فيا ترى ماذا يحدث عن اختيار الرجال للمناصب الكبرى والحساسة؟! علنا نلحق يوما بقطار الشفافية.. والشجاعة.

عمرو خفاجى  كاتب صحفي وإعلامي بارز
التعليقات