أوباما وسحر القاهرة الخفى - أنيسة عصام حسونة - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 11:13 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أوباما وسحر القاهرة الخفى

نشر فى : الثلاثاء 26 مايو 2009 - 9:21 م | آخر تحديث : الثلاثاء 26 مايو 2009 - 9:21 م

 شهدت الساحة المصرية، خلال الفترة الماضية ومنذ الإعلان عن اختيار القاهرة كمقصد لهذه الزيارة، تصاعدا فى نبرة الحديث حول «أننا لا يجب أن ننتظر الكثير من أوباما» مهما كانت تصريحاته فى الحملة الانتخابية.

وأن الرئيس بحكم التركيبة السياسية الأمريكية محكوم بسياسات ومؤسسات وجماعات مصالح لا تسمح له بالحركة والمناورة إلا فى حدود ضيقة.

وبالتالى فإن الزيارة، فى نظر القائلين بذلك، لن تأتى بجديد ولا يجب أن نعوّل عليها فى إحداث تغيير يذكر فى السياسة الخارجية الأمريكية يصب إيجابا فى مصلحة القضايا العربية سواء المزمنة منها أو تلك الحديثة الظهور.

وأنا فى الحقيقة أختلف مع هذا التوجه فى الطرح. فلا شك أن عملية انتخاب أوباما قد خلقت فى العالم بأسره موجة «تسونامى» عملاقة من الشعور بالإيجابية والتفاؤل ــ عمت أركان المعمورة ــ وانعكست على الرأى العام فى مختلف الدول المتقدمة والنامية على حد سواء.

بالرغم من تزامن ذلك مع الأزمة المالية العالمية والمخاوف المبررة من ركود طويل الأمد وعميق المفعول. هذا التفاؤل المنعش لم يقم فى أغلبه، وخاصة بالنسبة لرجل الشارع، على تحليل عميق من جانب عامة الأفراد الذين فرحوا واستبشروا بانتخابه.

وإنما بكل بساطة كان انعكاسا لرغبتهم العارمة فى الخروج من سحابة الإحباط واليأس والتربص التى سادت فى فترة حكم الرئيس «بوش»، الذى حقق رقما قياسيا فى خسارة الحلفاء والأصدقاء على جميع الأصعدة.

إلى مناخ آخر يدعم الحوار والتواصل ويثبت على أرض الواقع أن الأحلام «ما زالت ممكنة» فى هذا العالم «الصعب» الذى تحكمه المآسى والحروب وعدم الثقة وانتهاكا لحقوق الإنسان.

إذن فقد تنفس العالم الصعداء بعد نجاح أوباما أملا فى التغيير الإيجابى، من جانب الرئيس تكلم بوضوح وقوة عن تحقيق عالم أفضل للجميع على قدم المساواة. ومع احترامى لجميع الهواجس والتحليلات والحسابات المعقدة للتوازنات وجماعات المصالح والضغط على اختلاف أنواعها وأشكالها، وكامل تقديرى للأفكار التى تطرح فى المؤتمرات والمقالات والمساجلات.

فإننى أدعو للتفاؤل بالنتائج التى مهما كانت محدوديتها فهى خطوة فى طريق ندعو أن يكون جديدا بالصورة التى تعكس الآمال والتوقعات.

أما إذا لم توافقونى على ذلك فإنى أسألكم عن البديل الآخر المتاح إذا لم نتعلق بالتفاؤل! هل نقبع نراوح مكاننا منتظرين أن ينقلب العالم رأسا على عقب تحقيقا لما نريد، أم نقرر الانعزال الجماعى حتى يصبح العالم على الشاكلة التى نبغاها؟

ولا يعنى ذلك بالطبع أن التفاؤل وحدة يكفى، فعلينا أن نعد بدورنا قائمة احتياجاتنا وماذا نريد من الولايات المتحدة فى مقابل ما نقدمه لها، وما هى الأولويات كما نراها محددين خطوطنا الحمراء فى المقبول من التوازنات والتوافقات مقررين ماهية الموضوعات التى تقبل بعض التفاوض فى النتائج النهائية وما لا ينطبق عليه ذلك. فالمسألة فى النهاية هى مصالح بحتة لا دخل للعواطف بها.

وأما، والأمر كذلك، فنرجو أن نكون قد شرعنا فى العمل نحو تحقيق أقصى استفادة ممكنة من هذه الزيارة المنتظرة محدودة المدة ولكن عميقة الأثر بالنظر إلى أطرافها.

والاستفادة لا تتعلق بالنواحى الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية فحسب، بل والأهم من ذلك أنها تتصل بصورة مصر الحضارية بوصفها فى قلب العالمين العربى والإسلامى، معبرة بذلك عن قيم التواصل والوسطية والتسامح التى مارسها المصريون عبر التاريخ.

متفاعلين مع جميع الحضارات الإنسانية، لينعكس ذلك فى ثقافتهم وإسهاماتهم الفكرية، ما جعل القاهرة عبر القرون منارة للتنوير ومصدرا لمبادرات الإصلاح الثقافى والاجتماعى فى محيطها، منادية بتجديد الفكر الدينى وداعية إلى قيم الإسلام السمحة وتعاليم الأديان السماوية القائمة على المحبة والتواصل.

فما الذى نريد أن نسمعه من أوباما؟ نريد تأكيدا على ما عبر عنه سابقا من احترام الآخرين ومعتقداتهم والبعد عن تصنيفهم وفقا لما يؤمنون به وما يدعون إليه، نريد فهما عادلا لقضايانا ومشكلاتنا، ومساهمة أمريكية فاعلة فى إيجاد حلول منصفة لها وفقا لخطط زمنية محددة، نريد أن يعيش الشعب الفلسطينى حياة كريمة فى دولة مستقلة، وألا تخشى الشعوب الأخرى خارج ما يسمى العالم الغربى تدخلا واحتلالا مماثلا للحالة العراقية، نريد دورا أكبر وأكثر فاعلية لدولنا فى صياغة مستقبل العالم اقتصاديا وماليا وسياسيا.

ونأمل بقوة فى علاقات قائمة على الشراكة والتوافق واحترام الاختلاف فى الرأى، باختصار نريد أن يمارس الرئيس الأمريكى على أرض الواقع ما طفق يدعو إليه.

أما مصر فلديها الكثير لتقدمه، فمهما قال الآخرون من أن قوة مصر «الصلبة» قد تآكلت وأن قوتها «الناعمة» قد تراجعت، فإنها ما زالت تملك قوتها «الذكية» القادرة على استخدام المتاح من أنواع القوى الأخرى لتحقيق أهدافها المشروعة وهى ليست فقط راغبة بل وأيضا قادرة على العمل المشترك لتحقيق السلام فى الشرق الأوسط والدفع قدما نحو التقدم الاقتصادى لشعوب رزحت طويلا تحت عبء المصاعب الاقتصادية والتحديات الاجتماعية، إلى جانب مساهمتها الفاعلة فى تحقيق الاستقرار فى هذه المنطقة الحيوية من العالم.

ومصر لن تفعل ذلك بطبيعة الحال وحدها ولا يجب أن تكون راغبة فى الاستئثار بالجهود المبذولة على مختلف الجبهات منفردة، فالمهمة ثقيلة والدور المصرى هو بمثابة المحفز لجميع الأدوار الحيوية الأخرى وتكاملها على نفس الطريق.

وختاما فإننا قد نختلف على آلاف الأشياء فيما بيننا كمصريين، ولكننا نؤمن جميعا بالسحر الخفى لقاهرتنا العتيدة. نشكو من ازدحامها ولكن نريد جميعا العيش بها، ننتقد ممارسات ساكنيها ولكن نسعد بأننا جزء منهم، نبنى تجمعات سكنية خارجها ولكن لا نقطع حبلنا السرى معها، ندعو إلى الخروج منها وإنشاء مركز آخر أقل ازدحاما ولكن لا نفعل شيئا على أرض الواقع لتحقيق ذلك بالفعل.

فلنؤمن جميعا بهذا السحر القاهرى الذى دفع زائرنا الرفيع المقام لاختيار مدينتنا العريقة كمنبر لخطابه المهم، ولنقدمها إلى العالم بالصورة التى نحبها ونرضاها، بحضارتها وقيمة مفكريها وثقلها الثقافى وسماحة مواطنيها.

فدور مصر هو فى واقع الأمر انعكاس لدورنا جميعا ولا تخلقه الزيارة المقبلة، التى وإن كانت تشكل فرصة سانحة يجب اغتنامها والاستفادة منها والبناء عليها، فإنها فى نهاية الأمر مجرد فاتحة كتاب جديد يتوقف محتواه على ما تصنعه أيدينا.


أنيسة عصام حسونة  كاتبة وباحثة سياسية
التعليقات