ثقافة (بين البينين) وجائزة (المصداقية) - أنيسة عصام حسونة - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 3:16 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ثقافة (بين البينين) وجائزة (المصداقية)

نشر فى : الأربعاء 25 فبراير 2009 - 3:10 م | آخر تحديث : الأربعاء 25 فبراير 2009 - 3:10 م

 حفلت وسائل الإعلام فى الأسابيع الماضية بصور وأحاديث للشخصيات، التى تم ترشيحها لتكون شخصية عام 2008 الأفضل أو الأسوأ وفقا لمقتضى الحال، ومع كامل الاحترام، أو عدمه، لتلك الترشيحات وفقا لمعيار الاختيار، اسمحوا لى فى ضوء الأحداث المثيرة للجدل، التى شهدها العام المنصرم أن أقترح اختيار شخصية عام 2008 وفقا لمعيار «المصداقية»، التى يجب قياسها بعدم الخضوع لثقافة «بين البينين».

وقبل أن يتسرع البعض فى ترشيحه للشخصيات المختارة، طمعا فى الجوائز الثمينة التى لن نعلن عنها إلا فى اللحظة الأخيرة لأسباب تمويلية لا تخفى على فطنة القارىء، دعونا نحذو حذو المثقفين ونبدأ بتعريف المفاهيم المتصلة بهذا الاستفتاء، وحيث إنه من اقتراحى، فلى مطلق الحرية فى تحديد المفاهيم وفقا لما يروق لى، وللمعترض بالطبع الحق فى اللجوء إلى القضاء، أما إذا لم يكن عنده المرارة اللازمة للقيام بذلك فالشرب من البحر ــ على حد علمى ــ ما زال متاحا للجميع.

دعونا نبدأ بالمفهوم الأول وهو ثقافة «بين البينين»، وهى عبارة شهيرة استخدمها الفنان «فؤاد المهندس» فى إحدى أشهر مسرحياته عندما كان يحاول استنطاق الشاهدة للإفصاح عن أوصاف المتهم سائلا إياها: هل هو طويل أم قصير، أسمر أم أبيض؟.. إلخ فتجيب عن كل منها الإجابة المائعة «بين البينين»، إلى أن يصل الموقف الكوميدى إلى ذروته عندما يسألها السؤال، الذى صار مثلا «بشنب أم بدون شنب يا زينب» فتجيب نفس الإجابة، مما يفجر الضحك الشديد بين جمهور المشاهدين السذج، الذين كانوا يعتقدون فى الأيام الخوالى أن عدم اتخاذ موقف قاطع فى المسائل الواضحة هو مدعاة للسخرية والضحك.

وبطبيعة الحال فإن أمثال هؤلاء المشاهدين قد راحوا وراحت أيامهم بعد تطوير التعليم وتحديث الخطاب الثقافى وتنفيذ خطط الإصلاح الاجتماعى والاقتصادى وكمان السياسى فوق البيعة، ناهيك عن الحظ الحسن بوجود السماوات المفتوحة والمقفولة والمواربة أحيانا، والتى تنهمر علينا من خلالها ملايين التحليلات للمواقف والأفكار وأيها أجدر بالاتباع من أول دخول الحمام حتى دخول الانتخابات، وبالتالى أصبح من «غير» حسن الفطن التسرع باتخاذ مواقف أيا كان نوعها فى ظل اختفاء الخطوط الحمراء وتزايد الطلب على الخطوط الرمادية أو التى لا لون لها، تحسبا لتغير الموازين وخشية من شر المستخبى.

واتساقا مع هذة القفزة الحضارية فقد طورت، بعض تيارات النخبة المثقفة، ثقافة جديدة لطيفة اخترت أن اسميها هنا ثقافة «بين البينين»، بصفتها ثقافة تتفق مع مقتضيات الحال وتسمح بالانتقال السريع والكفء من معسكر إلى آخر دون خسارة مادية أو معنوية، فالزى المناسب لكل مرحلة مكوٍ وجاهز فى الدولاب للاستعمال عند الحاجة والأفكار، التى تصلح أن تكون «تنويرية» أو «إظلامية» حسب الطلب، مكتوبة وموجودة ولا تحتاج إلا إلى تعديلات بسيطة لتصبح «تمام التمام»، وبذلك نبقى عملنا اللى علينا وضميرنا مرتاح والأمر بعد ذلك لصاحب الأمر.

وقبل اتهامى بعدم الإنصاف والمبالغة راجعوا معى أهم المسائل الخلافية فى عام 2008، وقارنوا المواقف التى اتخذها نفس الأشخاص، ولكن فى توقيتات مختلفة بشأن أهم الأحداث التى شهدها العام بدءا من الأزمة المالية وانتخاب أوباما مرورا بقضايا احتكار الأسمنت والحديد وبيع الغاز وقضايا رجال الأعمال وقانون المرور الجديد دون أن نغفل مشروع بيع الأصول المملوكة للدولة وطوابير الخبز والوقود، وانتهاء بمجازر غزة وقضية المعابر والدور المصرى، ناهيك عن صدمة الأهلى فى اليابان وحريق مجلس الشورى.. إلخ.

ولنستعرض ماذا كانت المواقف المتخذة فى جميع وسائل الإعلام، ولأغراض المجاملة والاحتفاظ بالطابق «مستور» سنتفادى التطرق للأحداث الإقليمية أو العالمية تجنبا لأعراض الضغط والسكر وعدم اللجوء إلى المستشفيات انتظارا لإصلاح نظام التأمين الصحى.

أما بالنسبة للمصداقية فتعريفها سهل دعونا نختار الشخصية، التى صدقناها فى العام الماضى، تلك التى وجدنا أن أقوالها قد اتفقت مع أفعالها وأن وعودها قد تحققت وأن تصريحاتها قد تم الوفاء بها وأن مواقفها لم تتغير باختلاف اتجاة الريح، بمعنى آخر الشخصية، التى عبرت بشجاعة عما تؤمن بجدواه لمستقبل هذا الوطن دون النظر لمعايير المكسب أو الخسارة، الشخصية التى استطاعت كسب احترامنا بمواقفها المبدئية حتى لو اختلفنا معها، والتى يمكن أن نختارها كمثل أعلى لأبنائنا.

وقبل أن يتم اتهامى هنا بمحاولة تعجيز الجمهور فى البحث عما هو أشبه بالرخ والعنقاء والخل الوفى، فإننى أفتح المجال وفقا لاختيار القارىء الكريم دون شروط لقبول الترشيح سوى ذكر موقف واحد فقط لا غير للشخصية المرشحة يكون قد اتسم بالمصداقية ولم يخضع لضغوط ثقافة «بين البينين»، وأنا فى انتظار اقتراحاتكم دون إدخال «أبو تريكة» والنادى الأهلى فى الموضوع لأن ذلك سيخل بمعايير العدالة مقارنة بإنجاز ومصداقية باقى المرشحين.

أنيسة عصام حسونة  كاتبة وباحثة سياسية
التعليقات