إنه قرن إفريقيا.. ولكن للأفضل أم للأسوأ؟ - قضايا إفريقية - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 6:59 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إنه قرن إفريقيا.. ولكن للأفضل أم للأسوأ؟

نشر فى : الخميس 26 مايو 2022 - 7:25 م | آخر تحديث : الخميس 26 مايو 2022 - 7:25 م

نشرت مجلة فورين بوليسى مقالا بتاريخ 13 مايو للكاتب آدم تووز تناول فيه التنبؤات التى تشير إلى أن سكان إفريقيا سيمثلون ربع سكان العالم بحلول عام 2050، وما يحمله هذا من تحديات للسنوات القادمة.. نعرض منه ما يلى.
منذ تسعينيات القرن الماضى، أربك الغرب فكرة أننا قد ندخل «قرنا آسيويا»، ولكن إذا نظرنا إلى التاريخ، فسنجد أن عودة الصين والهند إلى الصدارة فى الشئون العالمية ليست ثورة بقدر ما هى استعادة لمكانتهما التاريخية.. كانت الإمبراطوريتان الصينية والهندية خلال معظم الـ2000 عاما الماضية مركزا للتجارة العالمية وموطنا لأكثر الحضارات تطورا، وتأثيرهم المتزايد اليوم هو تصحيح الوضع الشاذ الذى نشأ فى القرن الثامن عشر نتيجة للفجوة الكبيرة فى دخل الفرد بين الغرب وباقى دول العالم.
كان القرن العشرون ذروة الفكر العنصرى الغربى، وعلى الرغم من أن الغرب حاول تخليص نفسه من عنصريته، إلا أنه استمر فى اعتبار الاختلال الاقتصادى الشاسع بين الغرب وبقية العالم أمرا مفروغا منه. إذا كان الانتعاش الاقتصادى للصين والهند هو الصدمة الكبرى للغرب فى الربع الأول من القرن الحادى والعشرين، فإن العقود القادمة لديها صدمة أخرى؛ التحول الديموغرافى المذهل لإفريقيا.
• • •
تميزت القارة الأفريقية تاريخيا بانخفاض كثافتها السكانية؛ بلغ عدد سكان إفريقيا فى عام 1914 نحو 124 مليون شخص، أكثر بقليل من 7 فى المائة من سكان العالم. استمر عدد سكان القارة فى النمو، وإن كان ببطء، رغم ما تعرضت له القارة من تجارة العبيد والأوبئة مثل الجدرى. صاحب القرن العشرين ثورة ديموغرافية لإفريقيا؛ يبلغ إجمالى عدد سكان إفريقيا اليوم نحو 1.4 مليار ــ أكثر من عشرة أضعاف عدد سكان القرن الماضي ــ ومن المقرر أن يرتفع أكثر فى العقود القادمة.
يشرح إدوارد بايس فى كتابه Youthquake أن الديموغرافيا الأفريقية يجب أن تهم العالم، فقد يتراوح عدد سكان إفريقيا بين 2.2 إلى 2.5 مليار نسمة بحلول عام 2050؛ وهذا يعنى أن تمثل إفريقيا 25% من سكان العالم. من المحتمل أن يولد 566 مليون طفل فى إفريقيا فى أربعينيات القرن الحالى. وفى نحو منتصف القرن، سوف يفوق عدد المواليد الأفارقة عدد المواليد فى آسيا، وسيشكل الأفارقة أكبر عدد من السكان فى سن العمالة فى أى مكان فى العالم.
يتضح مدى تأثير إفريقيا فى تشكيل القرن الحادى والعشرين إذا قارنا بين متوسط أعمار الدول ــ العمر الذى يقسم السكان إلى النصف. منتصف أعمار السكان فى اليابان 48، وفى الصين 38، وفى الهند 28، وفى نيجيريا 18. وهذا يعنى أنه باستثناء وقوع كارثة، فإن جزءا كبيرا من السكان النيجيريين سيعيشون حتى عام 2080. تشير توقعات الأمم المتحدة أن الأفارقة سيشكلون 40% من سكان العالم بحلول عام 2100، هذا بالطبع أقل بكثير من حصة آسيا البالغة اليوم 60%، لكنها ستشكل ثورة بالتأكيد.
ترتبط فكرة التحول الديموغرافى ارتباطا وثيقا بأفكار أوسع للنمو والتحديث. مع تحسين الدخل والصحة العامة، تنخفض معدلات الوفيات، ثم يتبع التحسن فى الظروف المعيشية انخفاض الخصوبة؛ وهذا يمكن ربطه بزيادة معدلات التحضر وتعليم الإناث ومشاركة المرأة فى سوق العمل. انخفاض معدل الوفيات ينتج عنه فى البداية تسارع النمو السكانى، ثم تتباطأ معدلات النمو السكانى مع انخفاض الخصوبة، وتستقر معدلات النمو. إذا انخفض معدل الخصوبة بقدر ما هو عليه فى كثير من أوروبا وشرق آسيا، فقد يبدأ عدد السكان فى الانكماش.
ولكن من الصعب التعميم فى الحالة الأفريقية، ففى شمال إفريقيا شهدت المغرب وتونس وليبيا تحولات ديموغرافية سريعة مثل أى مكان فى العالم. وشهدت جنوب إفريقيا انخفاضا كبيرا فى معدلات الخصوبة، مثلها مثل ملاوى ورواندا. ولكن فى الوقت نفسه، فى نيجيريا، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وتنزانيا، وأوغندا، والسودان انخفضت معدلات الوفيات، لكن انخفضت الخصوبة ببطء. تراجعت الخصوبة فى مصر وإثيوبيا بسرعة، ولكن عدد الشباب الكبير سيعنى أن عدد سكان الدولتين سيصل إلى 160 مليونا و205 ملايين على التوالى بحلول عام 2050. فى العديد من المجتمعات الأفريقية، يؤدى الفشل فى توسيع نطاق التعليم للفتيات وتمكين المرأة إلى ارتفاع معدلات الخصوبة. ولكن فى أجزاء كبيرة من غرب وشرق إفريقيا، يظل حجم الأسرة المرغوب فيه أكثر من خمسة أطفال. ذكرت النساء فى النيجر أنهن يرغبن فى إنجاب تسعة أطفال أو أكثر، أما الرجال فيرغبون فى إنجاب 13.
تظهر الدراسات الاستقصائية أنه فى بعض البلدان، يقيد الدين والأعراف الاجتماعية المحافظة الوصول إلى وسائل منع الحمل. ولكن حتى فى الأماكن التى تتوافر فيها وسائل منع الحمل، كما هو الحال فى نيجيريا وأنجولا، فإن العديد من النساء من جميع المستويات التعليمية والطبقات الاجتماعية لا يستخدمنها؛ ولكن يجب الأخذ فى الاعتبار الحواجز غير الرسمية أمام المرأة التى تقيد قدرتها على اتخاذ قراراتها تجاه الإنجاب.
• • •
قد يستقر عدد سكان إفريقيا بنفس الطريقة التى تستقر بها الهند والصين، ولكن على مدى الثلاثين عاما القادمة، فإن الزخم لا يمكن إيقافه تقريبا. أمهات المستقبل قد ولدن بالفعل، وإذا لم تختلف خصوبة تلك الفتيات عن أمهاتهن، فإن القارة الأفريقية التى يبلغ عدد سكانها نحو 2.4 مليار إلى 2.5 مليار نسمة هى السيناريو المرجح لعام 2050. ستكون نيجيريا فى المقدمة، بعدد سكان يتراوح بين 350 و440 مليون نسمة.
بالنظر إلى الحجم الهائل لهذه الأرقام، تثار بعض المناقشات الساخنة مثل الخوف من احتمالية زيادة موجات المهاجرين الأفارقة المتجهين شمالا إلى أوروبا، أو التفاؤل بأن «إفريقيا تنهض» وستصبح المجتمعات الأفريقية شابة وديناميكية تجنى فوائد «العائد الديموغرافى»؛ وهى المرحلة التى يتمتع فيها الاقتصاد الوطنى بمزايا وجود حصة كبيرة من الناس فى سن العمل.
فى كلتا الحالتين، الحقيقة هى أن السيناريو الذى يشكل فيه الأفارقة ربع سكان العالم أو أكثر هو شىء جديد وتحدياته هائلة.
لا يحصل أكثر من 640 مليون أفريقى على الطاقة الكهربائية فى جميع أنحاء القارة، وهو أدنى معدل وصول إلى الكهرباء فى العالم. وفقا لبنك التنمية الأفريقى، يبلغ نصيب الفرد من استهلاك الطاقة فى إفريقيا جنوب الصحراء (باستثناء جنوب إفريقيا) 180 كيلوواط/ساعة، مقارنة بـ 13000 كيلوواط/ساعة للفرد فى الولايات المتحدة و6500 كيلوواط/ساعة فى أوروبا.
كيف ستولد اقتصادات إفريقيا الوظائف اللازمة وخلق فرص العمل لمئات الملايين من الشباب؟ فإن استيعاب شباب إفريقيا يمثل تحديا بالمقارنة مع سرعة ونطاق موجة التحضر العملاقة التى شهدتها الصين فى تسعينيات وبداية القرن الحالى. مع وجود أكثر من 40 فى المائة من القوى العاملة الأفريقية فى الريف، كيف يمكن زيادة التنمية الزراعية؟ وكيف ستتكيف المجتمعات الريفية والحضرية فى إفريقيا مع تغير المناخ؟ يقدر البنك الدولى أن مشاكل مثل نقص المياه ستدفع إلى الهجرة الداخلية لأكثر من 80 مليون أفريقى فى العقود القادمة.
بالنظر إلى الدخل المنخفض والمدخرات ومعدلات الضرائب فى إفريقيا، يجب أن تحصل القارة على الكثير من التمويلات من الخارج. هذا من شأنه أن يزيد من الديون التى تثقل كاهل العديد من الدول الإفريقية بالفعل. ومهما كان مصدر التمويل، فسيتعين فى نهاية المطاف سداد القروض من الأرباح والدخول والضرائب التى تولدها الاقتصادات الإفريقية.
لقد ولت الأيام التى كان فيها أى شخص يوصى بثقة بنموذج تنمية معين. اتبعت قصص النجاح الاقتصادى فى السنوات الأخيرة مسارات مختلفة مع مشاركة حكومية أكبر فى إثيوبيا ونماذج يحركها السوق فى غانا وكينيا. لكن من الصعب رؤية نجاح أى سياسة اقتصادية على المدى الطويل، حيث لا تتوافر الإمدادات الأساسية من الطاقة والمياه والتعليم.
لا يمكن التفكير فى عولمة القرن الحادى والعشرين إذا لم تؤخذ الأصوات والتحليلات الإفريقية فى الحسبان، والتصالح مع عملية النمو والتحولات الديمغرافية الهائلة، التى تعد واحدة من أعظم التحولات الإنسانية الدرامية فى عصرنا.

ترجمة وتحرير: ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلى

التعليقات