التبرعات لا تبنى أوطاننا - محمد مكى - بوابة الشروق
الأحد 5 مايو 2024 9:30 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التبرعات لا تبنى أوطاننا

نشر فى : السبت 27 فبراير 2016 - 10:30 م | آخر تحديث : السبت 27 فبراير 2016 - 10:30 م
قبل ثلاثة أعوام تناقلت وسائل الإعلام المختلفة خبر مفاده انضمام 11 مليارديرا جديدا إلى قائمة أصحاب المليارات، الذين سيتبرعون بنصف ثروتهم لأعمال خيرية، وذلك بناء على طلب مؤسس شركة «مايكروسوفت» بيل جيتس ورجل الأعمال وارن بافيت. وكان الأمريكيين الأكثر ثراء «بيل جيتس ووارن بافيت» قد أعلنا فى منتصف 2010 أنهما سيحاولان إقناع نظرائهما من أصحاب المليارات والملايين بالتبرع بنصف ثروتهم للأعمال الخيرية، وقبل عدة أشهر قال مؤسس الفيسبوك مارك زوكربيرج أنه سيتخلى مع زوجته عن 99 بالمئة من ثروته البالغة نحو 45 مليار دولار لصالح مؤسسة خيرية، وذلك احتفاء بولادة طفلتهما «ماكس». هل يمكن مقارنة تلك الحالة بحالتنا المصرية، إجابة واحدة « مستحيل»، فمنذ ثورة الخامس والعشرون من يناير ودعوات السلطات الحاكمة المتعاقبة بالتبرع لم تنتهِ من مجلس عسكرى وإخوان إلى منصور وأخيرا السيسى، ومحصلة كل التبرعات فى جميع الحسابات التى تغيرت تحت أرقام ومسميات، تكشف ضحالة تلك الأداة التى لا ينبغى أن توضع فى مجتمعنا ضمن وسائل التمويل، لعدة اعتبارات منها ضعف المجتمع التطوعى والخيرى رغم الشكر على ما يقوم به من مجهود، ثم تركيبة رجال الأعمال أصحاب الثروات فى مصر، فمنهم من يتصنع كيفية التهرب من الضرائب، فكيف تطلب منه التبرع ودعم الاقتصاد، فعلى الرغم من مجهود يبذل من قبل بعضهم لتطوير القرى الفقيرة فى الفترات الأخيرة، فإن ذلك لا يتناسب مع احتياجات مجتمع متزايدة ومعدل نموه الاقتصادى ينحسر.

من الخطأ المفرط أن يعتقد صانع القرار أن التبرع وسيلة من وسائل التمويل، فهناك وسائل تمويل اتفق عليها العالم عبر أدوات معروفة، كلها تخضع لمقومات الدولة وطبيعة إدارتها للموارد، مع تقدير واضح للعلاقات مع المؤسسات التمويلية المختلفة، وقبلها إصلاح هيكلى داخلى، وتأتى وسائل أخرى فى نهايتها التبرع والعمل الخيرى والتطوعى بعد غلق نفوذ الفساد وإجراء إصلاحات حقيقية، وقد تم طرح عدة وسائل فى السنوات الأخيرة منها الصكوك والتمويل الإسلامى والبورصة والسندات وإدارة أموال الزكاة من خلال مؤسسة متخصصة، وغيرها، ولكن الواقع يؤكد افتقاد البوصلة والعقل السياسى والاقتصادى، الذى يقدم حلولا وليست نظريات أغلبها عاطفى. بيت المال فى وقت العمرين» بن الخطاب وبن عبدالعزيز» لم يجد من يؤخذ تبرعاته.

معضلة التبرعات فى مصر يجسده صندوق «تحيا مصر» فرغم حالة الزخم إبان الإعلان عنه، خاصة أن فكرته تعتمد على شعبية صاحب المبادرة عبدالفتاح السيسى، فإن الحصيلة الإجمالية المعلنة قبل أيام، والتى لم تتجاوز الخمسة مليارات جنيه، تؤكد ضرورة ألا نعتمد على ذلك النوع من التمويل على الإطلاق، فرجال الأعمال لن يتبرعوا بما حلم به صاحب الفكرة، كما أن عددا منهم عارض الفكرة من الأساس، ولعل ما تعرض كبير منهم من تنكيل كان بسبب رفضه الفكرة والتبرع بحسب ما قيل فى الكواليس بأنه قال: إن قبول الفكرة والتبرع لن يكون نهاية مطاف طلبات السيسى، وعدد آخر منهم طلب تحديد مشروعات معينة للتبرع وليست أموالاً سائلة. مجتمع الأعمال فى مصر لم ينضج بعد ويعمل بشكل فردى، إذن أليس الأفضل للدولة أن تحاسبه على سنوات حكم مبارك، وما حصلوا عليه من أراضى وشركات ارتبطت معظمها بقضايا فساد لا نعرف ما جرى فيها؟، خاصة أن النظام الحالى يؤكد دوما أنه غير مدين لأحد.

نحتاج إلى رؤية واضحة تسمح بالمشاركة مع القطاع الخاص وبمشروعات ناجحة تمس حياة المواطنين فى كل المجالات، فلا يمكن أن يقدم كل رجل من الحكومة رؤية مختلفة ولا يعرف المستثمر ولا المواطن «هوية مصر الاقتصادية» مسئول كبير منتصف الأسبوع، قال حددنا الاتجاه الاقتصادى حسب المشروع وهو ما يعنى «سمك ـ لبن ـ تمر هندى» العالم لا يقبل بتلك الصورة أبدا، خاصة أننا أعلننا منذ فترة بأن اقتصادنا «اقتصاد حر منضبط».

ولمن يريد أن يتعلم أذكره بمصير حساب 30/6 فقد تبخرت معظم وعود رجال الأعمال بتبرع بالمليارات عبر الفضائيات ولم تنزل على أرض الواقع وفضح هؤلاء وحسابهم واجب.

هناك بند فى ميزانيات الشركات يلزم الشركة بالتبرع بنسبة من الأرباح، وهناك أبواب للزكاة وأعمال الخير والصناديق، وهناك قلوب رحيمة تتناثر بدعوة التبرعات للمستشفيات والحالات الإنسانية وغيرهم كثير فى مصر، فهل ذلك ينقل مصر إلى 2030 التى نحلم بها جميعا؟ لا أعتقد، حفظ الله مصر من العقول محدودة الفكر والقدرات.
التعليقات