حملة «أعيدوا إلينا بناتنا» بين تضامن الشعوب ونفاق الساسة - راوية توفيق - بوابة الشروق
الأربعاء 16 يوليه 2025 11:07 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

ما هي توقعاتك لمصير وسام أبو علي في المرحلة المقبلة؟

حملة «أعيدوا إلينا بناتنا» بين تضامن الشعوب ونفاق الساسة

نشر فى : الثلاثاء 27 مايو 2014 - 5:10 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 27 مايو 2014 - 5:10 ص

بحلول الرابع عشر من مايو يكون قد مر شهر كامل على اختطاف جماعة «بوكو حرام» المتطرفة، التى يعنى اسمها باللغة المحلية «تحريم التعليم الغربى»، لأكثر من مائتى طالبة من مدرسة داخلية ثانوية فى مدينة «تشيبوك» فى ولاية «بورنو» الشمالية للضغط على الحكومة النيجيرية لإطلاق سراح عدد من المسلحين المحتجزين من الجماعة. تمثل الحادثة حلقة فى سلسلة اعتداءات الجماعة على المدنيين فى ظل فشل الحكومة النيجيرية فى تطويقها والحد من عملياتها، ومأساة إنسانية أخرى يقع فيها المدنيون النيجيريون ضحية لجهل وقوة جماعة منحرفة الأفكار ترى فى رفع السلاح لتقويم الدولة والمجتمع واجبا، ودولة سمحت بفسادها وعجزها لهذه الجماعة أن تستقطب أنصارا لمواجهتها.

وبعيدا عن العمليات العسكرية والمخابراتية التى تتواصل بالتعاون مع خبراء من دول أجنبية لملاحقة الجناة وتحرير الفتيات، فإن حادثة الاختطاف- رغم مأسويتها- تمثل نموذجا إيجابيا للتواصل والحشد الدولى لدعم قضية عادلة. فبعد أيام من الاختطاف بدأت حملات نظمتها جمعيات نسائية نيجيرية للفت أنظار العالم لما حدث فى هذه المدينة الصغيرة. شارك المئات، من بينهم أسر وأصدقاء المختطفات، فى مسيرات جابت العاصمة النيجيرية أبوجا اعتراضا على تخاذل الحكومة وعجزها عن حل الأزمة. وقد زاد غضب هؤلاء المحتجين بعد عرض شريط مسجل لزعيم الجماعة «أبوبكر شيكاو» يهدد فيه ببيع الفتيات فى سوق النخاسة، زاعما أنه حررهن من أسر التعليم الغربى. ومع استمرار الأزمة وعدم استسلام المنظمات النيجيرية القائدة للحملة، أصبحت القضية محل اهتمام وحشد على مواقع التواصل الاجتماعى ونظمت مظاهرات فى العديد من العواصم العالمية للتعريف بالقضية والتضامن مع أسر المختطفات. أنشأ ناشطون عشرات الصفحات على الفيسبوك لتوصيل رسالة مفادها أن هناك مئات الآَلاف يتابعون القضية ويشاركون الشعب النيجيرى أزمته. كان من بين أهداف هذه التحركات والتظاهرات الضغط على الحكومات الغربية، وعلى الحكومة النيجيرية ذاتها، لتكثيف نشاطها فى البحث عن الفتيات. وقد أثمرت هذه التحركات نتائج إيجابية، حتى ولو كانت رمزية. أصبح شعار «أعيدوا إلينا بناتنا» من الشعارات التى وحدت الناشطين والسياسيين ومشاهير الفن والإعلام. ظهرت السيدة الأولى للولايات المتحدة، «ميشيل أوباما» رافعة شعار الحملة، التى انضم إليها أيضا وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة «هيلارى كلينتون»، والممثلة الأمريكية الشهيرة «أنجلينا جولى»، والمطربة الإنجليزية «ليونا لويس». كما توجهت عضوات مجلس الشيوخ الأمريكى برسالة إلى الرئيس «باراك أوباما» يطالبنه فيها بسرعة التحرك لإنقاذ الفتيات.

•••

ولا تقف رمزية هذه الجهود عند تجاوز حدود الدولة النيجيرية، ولفت انتباه الإعلام العالمى الذى لا ينشغل كثيرا بقضايا الأفارقة وهمومهم، ولكن أيضا فى الوقوف أمام عجز وتخاذل مؤسسات الدولة لاستدعاء دعم وتضامن المجتمع الإنسانى. وكانت السيدة الأولى فى نيجيريا قد حذرت فى لقاء مع ممثلين محليين من ولاية «بورنو» من اتساع نطاق مسيراتهم، ناصحة إياهم بأن يقصروها على الولاية. ما لم تفسره السيدة الأولى للنشطاء هو لماذا نجحت الدولة فى توفير الأمن للوفود الأجنبية التى استقبلتها العاصمة أبوجا فى القمة الأفريقية لمنتدى دافوس، والتى عقدت بعد حوالى ثلاثة أسابيع من عملية الاختطاف، بينما عجزت، وما زالت تعجز، عن حماية مواطنيها من هجمات الجماعة المسلحة.

وإذا كانت التضامن الدولى مع الشعب النيجيرى قد دفع الساسة وحلفائهم إلى التحرك للمشاركة فى إعمال الإنقاذ أو الدعم المعنوى للشعب النيجيرى، فإن هذه التحركات لم تخل من نفاق وتناقضات. فقد تهكم ناشطون من رفع «ميشيل أوباما» لشعار حملة «أعيدوا إلينا بناتنا»، رافعين لافتات مواجهة تندد بقتل الأطفال والنساء فى هجمات الولايات المتحدة على مواقع الجماعات المسلحة فى العراق وأفغانستان واليمن، وزاعمين أن عدد ضحايا هذه الهجمات يزيد على عدد ضحايا عمليات جماعة «بوكو حرام». أما رئيس الوزراء البريطانى «ديفيد كاميرون» الذى انضم إلى حملة تحرير الفتيات المختطفات، فقد استغل الحدث للترويج لأفكاره حول اعتبار الصراع مع الجماعات الإسلامية المتطرفة معركة الجيل الحالى. وقد دخل الرئيس الفرنسى «فرانسوا أولاند»، الذى تسعى بلاده إلى تعزيز وجودها العسكرى فى القارة بعد عمليتين عسكريتين فى مالى وأفريقيا الوسطى خلال العامين الماضيين، على الخط مستضيفا قمة دولية حول أمن نيجيريا، ومؤكدا أن خطر الجماعة النيجيرية المسلحة هو خطر دولى يحتاج إلى جهد دولى لمواجهته. وجدت القوى الغربية إذن فى هذه المأساة الإنسانية فرصة لتحقيق مصالحها والترويج لأفكارها متناسية مسئوليتها الجزئية عن صعود الجماعات المتطرفة بدعمها لنظم فاسدة وزيادة تواجدها العسكرى فى القارة.

•••

وفى مصر، كان هناك لون آخر من عدم الاتساق فى الدفاع عن المبادئ. فقد تضامنت بعض المنظمات النسائية الحكومية وشبه الحكومية مع فتيات نيجيريا بتنظيم وقفات أمام السفارة النيجيرية بالقاهرة، بينما لم تتحرك هذه المنظمات للاعتراض على الانتهاكات، التى تتعرض لها المعتقلات فى سجون النظام الحالى، والتى بذلت مؤسسة «نظرة» للدراسات النسوية جهدا مشكورا فى رصد بعضها.

وفى مواجهة نفاق الساسة، يبقى صوت التضامن الشعبى هو الصوت الأصدق والأكثر استدامة، حيث تتواصل الفعاليات اليومية فى الداخل النيجيرى وفى العواصم العالمية حتى لا يطوى القضية النسيان. ويبدو هذا التضامن المصدر الوحيد للتهوين على أهالى الضحايا بعد عجز الدولة التى اختار رئيسها إلغاء زيارته لمدينة الفتيات المختطفات لدواعٍ أمنية، وموقف الحكومات الغربية التى اكتفت بمناقشة القضية فى القمم الدولية، واستغلالها سياسيا لتحقيق مصالحها.

راوية توفيق مدرس العلوم السياسية جامعة القاهرة
التعليقات