تكامل الحقوق ومقدرات التغيير - طارق عبد العال - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 3:45 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تكامل الحقوق ومقدرات التغيير

نشر فى : الثلاثاء 27 يونيو 2017 - 9:10 م | آخر تحديث : الثلاثاء 27 يونيو 2017 - 9:10 م

تمثل الحقوق والحريات ذات المضمون الاقتصادى والاجتماعى الجيل الثانى وما بعده من قائمة الحقوق والحريات التى نصت عليها المواثيق والإعلانات والعهود الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وذلك باعتبار أن الحقوق والحريات ذات المضمون السياسى والمدنى تمثل الجيل الأول فى هذا الخصوص.

تمثل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فئة واسعة من الحقوق الإنسانية التى يكفلها «العهد الدولى الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية» وغيره من مواثيق حقوق الإنسان الدولية والإقليمية الملزمة قانونا. ولا تكاد توجد دولة فى العالم ليست طرفا فى واحدة على الأقل من المواثيق الملزمة قانونا التى تكفل هذه الحقوق، ومن بينها: الحق فى العمل، وخاصة الحق فى شروط توظيف عادلة ونزيهة، والحماية من العمل القسرى أو الإجبارى، والحق فى تشكيل نقابات والانضمام إليها. كذلك الحق فى التعليم، بما فى ذلك ضمان أن يكون التعليم فى المرحلة الأولية إلزاميا وبالمجان، وأن يكون التعليم متاحا ومقبولا بشكل ملائم بالنسبة لكل فرد. إضافة للحقوق الثقافية للأقليات والسكان الأصليين. والحق فى الحصول على أعلى مستوى يمكن بلوغه للصحة البدنية والعقلية، بما فى ذلك الحق فى التمتع بظروف معيشة صحية جيدة، والحق فى الحصول على خدمات صحية ملائمة ومقبولة وذات مستوى. والحق فى الحصول على مأوى ملائم، بما فى ذلك الحق فى ضمان الملكية، والحماية من الإجلاء القسرى، والحق فى الحصول على مأوى صالح للسكن بتكاليف محتملة وفى موقع مناسب وأن يكون ملائما ثقافيا. والحق فى الحصول على الغذاء، بما فى ذلك الحق فى التحرر من الجوع، والحق فى الحصول فى كل الأوقات على غذاء ملائم أو على سبل الحصول عليه. والحق فى الحصول على المياه، ويعنى الحق فى الحصول على ما يكفى من المياه والمرافق الصحية، على أن تكون متاحة وميسرة (ماديا واقتصاديا) وآمنة، وكذلك الحق فى البيئة الصحية السليمة.

•••

وعلى الرغم من أن الحكومات قد تحتاج إلى مزيد من الوقت لإعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فإن هذا لا يعنى أنه ليس بوسعها عمل أى شىء، إذ يتعين عليها اتخاذ خطوات من أجل إعمال هذه الحقوق. وتتمثل أولى هذه الخطوات فى منح الأولوية لتحقيق «الالتزامات الأساسية الدنيا»، أى توفير الحدود الدنيا الأساسية لكل حق من تلك الحقوق. ففيما يتعلق بحق التعليم، على سبيل المثال، تتمثل الالتزامات الأساسية الدنيا فى ضمان الحق فى التعليم الأولى بالمجان. وفى مصر قد تقدم الدستور المصرى الأخير خطوة بخصوص الحق فى التعليم والصحة بأن وضع التزام على عاتق الدولة بخصوص النسبة المخصصة من الناتج القومى للإنفاق عليهما، على أن تتزايد حتى الوصول إلى النسب المقررة عالميا، ولكن يبقى ذلك فى حدود النص الدستورى فقط.
وإذا كانت هناك مجموعة من الحقوق الاقتصادية تتطلب دخل قومى عالٍ من الدولة حتى يتم إنفاذها أو تحقيقها بنسب عالية، إلا أنه بجانب هذه الحقوق توجد مجموعة أخرى من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لا تتطلب من الدولة سوى الامتناع عن التدخل فى الحريات الفردية، مثل الحريات النقابية أو الحق فى البحث عن عمل يختاره المرء بنفسه، والحق فى تكوين الجمعيات والتجمع السلمى.
بشكل عام لا يمكن بحال من الأحوال فصل مجموعة الحقوق عن بعضها أو تصنيفها على أساس كونها جزر متفرقة، فللحقوق الاقتصادية والاجتماعية تأثيرها الجم على الحقوق المدنية والسياسية، والعكس بالعكس، ولو رجعنا إلى الوراء قليلا لوجدنا أن معظم شعارات وأسس انطلاق الثورات فى الدول العربية، وهو ما أطلق عليه « الربيع العربى « كانت مبنية على أسس أو دوافع اقتصادية فى الأساس، فلك أن تذكر مثلا أن شرارة انطلاق الثورة التونسية كان ملخصه البحث عن عمل وأن شعار الثورة المصرية كان «عيش ــ حرية ــ عدالة اجتماعية»، ولكن وبعد مرور هذه السنوات على الثورة نجد أن الشعب المصرى لم يحقق ما طالب به وحلم بتحقيقه من أبسط المطالب، فبدلا من أن تسخر الدولة كامل طاقتها من أجل رفع مستوى معيشة المواطن الذى لا يجد خطا للفقر كى يندرج تحته، نجد أن الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، قد أعلن عن نسبة المصريين تحت خط الفقر بالنسبة لعام 2015، والتى قدرها بـ 26.3% من السكان، ما يعنى أن أكثر من ربع المصريين تحت خط الفقر، الأمر الذى يوضح المعاناة والمأساة التى يعيشها المواطن البسيط فى حياته اليومية، وهذه النسبة قد تزايدت فى عام 2016 فى ظل ما شهدته الحالة الاقتصادية المصرية من ترنح وانهيار لقيمة الجنيه فى مقارنته مع العملات الدولية، وهو الأمر الذى كان له مدلوله الأخطر على تردى المزيد من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وازدياد نسبة المعاناة بين أفراد الشعب، ونتيجة لذلك شهدت الأسواق المحلية موجات متكررة من ارتفاع الأسعار، خاصة فى قطاع السلع الغذائية، وهو ما يشكل مدلولا خطيرا على المستوى المتردى فى حياة غالبية المصريين.

•••

وعلى الرغم من وجود برلمان مصرى يجب أن يكون ممثلا للمواطنين فى التعبير عن أزماتهم ومطالبة السلطة التنفيذية بسرعة التدخل وإيجاد الحلول، إلا أن مجلس النواب المصرى فى ظل تحكم أغلبيته المنطوية تحت ائتلاف «دعم مصر» لم يقدم أى مستوى من الدفاع عن مطالب الشعب المصرى واكتفى بأن يحقق متطلبات الدولة وليس ممارسة الرقابة عليها، حتى فى مستوى التشريع القانونى لم يقدم ما يعد منه انحيازا إلى جانب ناخبيه وحقوقهم وحرياتهم، فلك مثلا أن تراجع مجموعة القوانين الاقتصادية التى وافق عليها أو أصدرها، فتجد من ذلك مثلا قانون تنظيم الطعن على العقود الإدارية التى تبرمها الدولة مع المستثمرين، والمعروض حاليا على المحكمة الدستورية العليا والذى يخل بمبدأ الرقابة الشعبية وأن الشعب هو المالك الحقيقى للثروات الطبيعية، وصولا فى الشهر الماضى إلى القانون رقم 70 لسنة 2017 الخاص بالجمعيات الأهلية، وهو ما يضيق على نحو كبير ممارسة العمل الأهلى فى مصر، ومن ثم يعد مضيقا للحق فى التجمع والحق فى التنظيم..
وفى ظل التردى العام على مستوى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية خلال سنوات ما بعد ثورة يناير 2011، أرى أن ذلك سيكون له تأثير كبير على دفع حركة التغيير فى مستوى الحقوق المدنية والسياسية المرتبطة ارتباطا غير قابل للانفصال عن الحقوق الاقتصادية، ومن ثم وجب على القائمين على الحكم والسلطة مراعاة ما تمر به البلاد من ظروف اقتصادية قد تودى بها إلى ثورة جياع.

طارق عبد العال باحث بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية
التعليقات