الفقد والحزن وتبعاته - هنا أبوالغار - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 11:21 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الفقد والحزن وتبعاته

نشر فى : الجمعة 27 يوليه 2018 - 9:40 م | آخر تحديث : الإثنين 30 يوليه 2018 - 11:24 ص

الحياة سلسلة من الأحداث، سعيدة ومفرحة وأخرى حزينة تصل إلى حد الصدمات. بداخلنا جهاز مناعى يحمينا من الميكروبات وآخر يساعدنا على مواجهة آلام الصدمات والفجيعة عند حدوثها. فمن منا لم يتعجب من قدرة صديق أو قريب لنا على تجاوز وفاة عزيز واستطاعتهم مواصلة حياتهم اليومية بعد أن بدت الحياة وكأنها توقفت بفعل الصدمة.
الفقد له صور كثيرة فالوفاة، أو إبلاغنا بمرض خطير لشخص عزيز، الاجهاض، محاولات حمل فاشلة، نهاية علاقة زوجية أو صداقة عمر، أو فقد الثقة فى شخص قريب، إفلاس مالى، الهجرة، ترك وظيفة، نهاية حلم …. كلها مواقف صادمة تحدث خلال رحلة الحياة. لكننا نستمر من أجل التزاماتنا نحو من نحبهم ومن هم تحت رعايتنا ونحو أنفسنا مستجيبين لغريزة البقاء بداخلنا
و«لجهازنا المناعى» الذى يأخذ بيدنا فى طريق خاص جدا لكل منا نحو قبول الحدث واستمرار الحياة، لكل منا أدواته لمواجهة الحزن والصدمة، تتغير بتغير شخصيتنا وحجم الفجيعة.
لأن الحزن جزء من حياة الجميع فقد درس الباحثون المراحل التى نمر بها فى رحلة الحزن مع الوضع فى الاعتبار اختلاف الصدمة والظروف والأشخاص، وحللوها ووصفوها كثيرا، ووجدوا أن لكل منا طريقته فى الحزن والتغلب على ألم الفقد إلا أن معظمنا يمر بمحطات نفسية متشابهة أثناء هذه الرحلة القاسية. من أشهر هذه التحليلات وصف لمراحل خمس يمر بها الشخص، وهو ليس التحليل الأوحد لكنه قد يكون الأشهر. قد لا نمر بها كلها وقد لا نمر بها بترتيب معين كما أننا قد ننتهى من مرحلة ثم نعود إليها. معرفتنا بهذه المراحل يساعدنا على فهم أنفسنا أو أحبائنا الذين أصابتهم الصدمة فتطمئننا أننا لسنا وحدنا فى ردود أفعالنا والتى أحيانا تكون غير متوقعة أو مفهومة، كما أن ليس لها مدة زمنية محددة فهى تختلف من شخص لآخر من أسابيع إلى سنوات كل حسب ظروفه وشخصيته وحجم صدمته. كما أن هذه المراحل ليست محصورة فى فئة عمرية واحدة وإنما هى تحدث ببعض الاختلاف فى الأطفال كما فى الكبار.
***
أول مرحلة هى مرحلة الإنكار، عندما نواجه بالصدمة يتخيل عقلنا أنه لم يحدث، وأنه كابوس سنستيقظ منه، أو نفقد الاحساس عموما فلا نتفاعل مع الحدث، وقد ننظر إليه من خارج ذهننا وكأننا نشاهد فيلم لا يعنينا ولسنا طرفا فيه، العقل يفعل هذا ليحمينا من ألم غير محتمل.
المرحلة الثانية هى الغضب، نغضب فى المطلق لأن هذا حدث لنا، أو نغضب من المتوفى لأنه تركنا ورحل، أو من أنفسنا لأننا لم نمنع الحدث أو من الطبيب لأنه لم ينقذ الفقيد… الغضب معناه أننا بدأنا أن نستوعب الحدث واستيعابنا أننا فاقدو القدرة على تغييره مؤلم، فنغرق فى موجة من المشاعر غير الممنطقة.
المرحلة الثالثة هى مرحلة الفصال، فنقلب فى ذهننا كل ما كان يمكن عمله لمنع الحدث ولم نفعله، وتبدأ أسئلة بداخلنا كلها تبدأ «بماذا لو…».، كلها تدور حول افتراض أن الحدث كان يمكن تفاديه.
المرحلة الرابعة هى الحزن، وهو يأتى مع الإدراك الحقيقى للواقعة وأنه لن يتغير، فنفقد شهيتنا للأكل والعمل والتواصل مع أحبائنا، نبكى ويصعب علينا النوم، وقد يصاحب هذا أحاسيس بالوحدة والذنب قد يصحبها ندم على كلمة لم نقلها أو مشاعر لم نظهرها أو خوف وقلق على سلامة أحبائنا أو حتى أنفسنا. وكثيرا ما يصاحبها أعراض عضوية مثل الغثيان والقىء ونقص المناعة فنمرض كثيرا ونفقد الوزن أو يزيد بشكل غير صحى وقد نعانى آلاما متفرقة فى الجسد.
المرحلة الخامسة وهى الأخيرة حيث نتقبل ما حدث ونتعامل مع تبعاته ونبدأ فى العودة إلى حياتنا اليومية بالرغم من حزننا، ومن المهم أن ندرك أن وصولنا لهذه المرحلة لا يعنى نسيانا لفقيد فالحزن عليه والاشتياق إليه يبقى لكن قولنا للواقع وتعاملنا معه هو الذى يتغير. وقد نعود لنعيش رحلة الحزن نفسها ما بين مراحلها الخمس على فترات أقصر لسنوات مع أحداث تعيد ذكراها مثل الأعياد والمناسبات المرتبطة بالحدث.
***
من المفاهيم الدارجة والخاطئة أن كبت الحزن أو عدم إظهاره يساعد على تغلبنا عليه، وأن علينا أن نكون أقوياء فى مواجهة الحزن أو أننا يجب أن نحمى أطفالنا من مظاهر الحزن وأن نخفى عنهم الأحداث، وكلها تعطل رحلة الحزن التى يخففها ونس مشاركتنا للمشاعر مع أقرب الناس إلينا ويضع الأطفال فى حيرة وخوف.
بالإضافة إلى دفء الأسرة والأصدقاء فالارتكان إلى الإيمان فى مواجهة الحزن مهم، فاليقين بقوة إلهية أكبر منا تحمينا وتساندنا فى المحنة، واللجوء إلى الروحانية يخفف ألم الفراق والخوف من المجهول. كما أن اللجوء لأفراد مروا بتجارب مشابهة، يساعد على فهم أحاسيسنا المتقلبة، وملء الحياة بأهداف فى مجال عملنا أو فى رعاية أحبتنا يضيف للتغلب على الحزن ومواصلة الحياة بعدا جديدا ويساعدنا على الاهتمام بصحتنا الجسدية لنستطيع المواصلة فى رحلة الحياة.
الحزن على الأحبة لا يقل ببعدهم، لكن من رحمة الله علينا أن ألمه يخبو بالرغم من أن الذكرى تبقى حية.

هنا أبوالغار أستاذ طب الأطفال بجامعة القاهرة
التعليقات