أكاديميون لكسر جدار العزلة والتعتيم - امال قرامى - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 7:08 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أكاديميون لكسر جدار العزلة والتعتيم

نشر فى : الإثنين 28 مارس 2016 - 10:30 م | آخر تحديث : الإثنين 28 مارس 2016 - 10:30 م
قلما اهتم المحللون والمراقبون والإعلاميون بالإنجازات المسجلة فى مجال الرياضة والاكتشافات العلمية وغيرها من النجاحات التى تثبت كفاءة التونسيات والتونسيين فى مجالات متعددة. ففى سياق اتسم بهيمنة السياسى على الثقافى وكثرة التحديات وما ترتب عنها من مشاعر الإحباط والتبرم وانسداد الأفق. يغدو البحث عن القصص المعبرة عن الأمل أمرا غير محفز بالنسبة إلى الإعلاميين الذين اندفع أغلبهم نحو البحث عن الإثارة مادامت الأخبار الغريبة والاستفزاز والعراك والجرائم. تحقق أكبر نسبة مشاهدة. ولا يخفى أن الانسياق وراء التركيز على الإخفاقات ومواطن الانشقاق وفضح النواقص معبر عن عدة مسائل لعل أهمها منزلة المفكرين والعلماء والمبدعين فى سياق اتسم بتحولات عصفت بالأنساق وأربكت المنظومات.

نسوق هذه الملاحظات بمناسبة تهميش أغلب وسائل الإعلام لحصول العداءة التونسية حبيبة الغريبى على الميدالية الذهبية وحصول الباحثة ليلى شمام المنتمية إلى كلية الطب على الدكتوراه بعد إنجازها لأطروحة عنوانها «التعذيب فى تونس الصورة النموذج، الأساليب والمخلفات» تم مناقشتها خلال هذا الأسبوع. والخبر فى تقديرنا، مثير للانتباه لعدة أسباب أهمها جرأة الباحثة فى تناول هذا الموضوع الذى ظل من المواضيع اللامفكر فيها طيلة عقود للرقابة المفروضة على المؤسسات الأكاديمية التى نُظر إليها على أساس أنها لابد أن تعكس سياسات الدولة الناجحة.

ما معنى توثيق حالات التعذيب ونقلها من حالة التغييب والنكران إلى حالة الاعتراف؟ وما معنى بيان انعكاسات ممارسة التعذيب على صحة المعتقلين النفسية والاجتماعية؟ ما معنى كسر جدار الصمت وممارسة البوح من منظور علمى؟ وما معنى تتبع الشهادات والروايات واستخلاص الاستنتاجات الدقيقة؟ وما معنى اقتراح تأهيل المعذبين؟ وما معنى انفتاح الإطار الطبى على قضايا اجتماعية عادة ما صنفت فى إطار البحوث التى تنجز فى مجال الإنسانيات وبمناظير مختلفة؟ ثم ما معنى أن تطرح على النقاش العلمى وغير المسيس قضايا اعتاد الرأى العام أن تصدر عن الحقوقيين والجمعيات المناهضة للتعذيب؟

***
إن ما يجرى داخل الفضاءات العلمية وفى مناخ يضمن الحريات الأكاديمية التى نص عليها الدستور يثبت مرة أخرى أننا نسير فى اتجاه تكريس تقاليد جديدة فى البحث الأكاديمى تحفز الباحثين على كسر الجدران العازلة واختراق الحدود التى طالما سيجت الأكاديميا فجعلت دراسة الظواهر محفوفة بالمخاطر تثنى الباحث عن الإقدام على التمحيص فى عدد من القضايا مادامت المراقبة السياسية أو الذاتية حاضرة بقوة.

ومما لاشك فيه أن تحويل الممارسات البشعة للأنظمة السياسية السابقة إلى موضوع للبحث يعضد مسار العدالة الانتقالية باعتبار أنه يقدم حقائق علمية تتصل بما ترتب عن هذه الممارسات من نتائج على الصحة العقلية والنفسية ويحفز، فى الآن نفسه، الرأى العام على الاطلاع والتعاطف مع الضحايا وتقدير ما مروا به من تجارب لن تنمحى من ذاكرتهم.

وبين إنكار السلطة الأمنية والتقليل من شأن هذه الممارسات، وتنصل بعض القضاة من أداء واجبهم فى سبيل كشف الحقيقة، واضطرار بعض الأطباء إلى إصدار تقارير لا تعبر عن حقيقة ما عاينوه خوفا على امتيازاتهم، وجدل السياسيين حول ما يجب أن يقال وما يجب أن يظل مخفيا وبين حرج بعض المؤرخين والأكاديميين. بصيص من الأمل.

إنها إرهاصات حراك داخل الأكاديمية التونسية يبشر بفتوحات معرفية جديدة تساهم فى إنصاف المنسيين والمغمورين وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وتؤكد الوشائج بين الذاكرة والتاريخ.

ولعل محاولات فك الارتباط بين الأيديولوجيا والسياسية والمعرفة ستمكن جيلا من البحاثة من التحرر من حالة الخوف والسير قدما نحو إنتاج المعرفة التى تتلاءم مع هذا السياق الواعد.
التعليقات