يا من تعدون الدستور: مصر وشعبها جزء من أفريقيا أيضًا - إبراهيم عوض - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 2:04 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

يا من تعدون الدستور: مصر وشعبها جزء من أفريقيا أيضًا

نشر فى : الأحد 29 يوليه 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 29 يوليه 2012 - 8:00 ص

يتحرج المرء من كتابة ما هو بديهى، ولكن ما العمل إن كنا أمام التفاف على حقيقة بديهية؟ التفاف لا يمكن تصور أى مكسب من ورائه. نشرت «الشروق» فى عددها الصادر يوم 14 يوليو 2012 ما رشح عن بعض نتائج عمل الجمعية التأسيسية ومنها ما يخص المادة الأولى من مشروع الدستور بشأن «مقومات الدولة والأطر العامة لها». فى الصياغة الأولية لهذه المادة ما يستوجب التوقف مثل مبدأ «الشورى» الذى يعتمده النظام السياسى الديمقراطى، ومبدأ المواطنة الذى يعتمده النظام الديمقراطى «دون تمييز فى الحقوق والواجبات»، ولكن دون إشارة إلى مفهوم المساواة أو تفصيل للمعايير التى لا يجوز التمييز على أساسها.

 

●●●

 

لا شك أن الكثيرين سيتنبهون لما سبق، ولقد اطلع كاتب هذا المقال بالفعل على تعليقات على إدراج مصطلح «الشورى» فى مشروع المادة الأولى. الموضوع الرئيسى لهذا المقال مختلف. الموضوع هو العبارة الواردة فى نهاية مشروع هذه المادة، ونصها الحالى هو «والشعب المصرى جزء من الأمة العربية والإسلامية ويتمسك بانتمائه لدول حوض النيل والدائرة الأفريقية والآسيوية». عروبة مصر مؤكدة وهى زادها وفخرها فى نظر كاتب هذا المقال، والشىء ذاته ينطبق على ان مصر جزء من العالم الإسلامى. إلا أن هذه الصياغة تحمل فى طياتها تراتبا للانتماءات، يذيب بشكل خاص الانتماء الأفريقى لمصر. إذا كنا نذكر أن مصر جزء من هذا الكل أو ذاك، فكيف لا نذكر أنها جزء من أفريقيا؟! فى التاريخ المصرى المعاصر من ركَّز على القومية المصرية، وعلى الأمة المصرية، ولم يهتم بعروبتها أو حتى أنكرها عليها! وفى هذا التاريخ أيضا، من صان الرابطة الإسلامية الدينية والمعنوية، ولكنه تشكك فى وجود الوعاء السياسى الإسلامى. أما ما لم يحاج فيه أحد قط، فهو أن مصر تقع فى أفريقيا وأنها جزء منها! الصياغة الحالية تشى بأن المصريين ينزلون بانتمائهم الأفريقى إلى مرتبة ثالثة، بل يمكن بالتالى استنتاج أن المرتبة الثانية المعترف بها للانتماء لدول حوض النيل لا ترجع إلا إلى أسباب نفعية. التراتب مقصود، وهو يضع الانتماء العربى والإسلامى فى مرتبة أولى، يليه الانتماء لدول حوض النيل، وأخيرا يستوى الانتماء لأفريقيا مع الانتماء لآسيا! آسيا تستحق كل اهتمام، ولكن أى تنظيم دولى آسيوى تنتمى إليه مصر، وأى قوة تستمدها مصر من آسيا؟ دعك من عبارات غريبة مثل «التمسك بالانتماء لدول حوض النيل..»، وكأنما فى الموضوع اختيارا وليس حقيقة تفرضها الجغرافيا! لن يفوت على أى قارئ للدستور، فما بالك بأى قارئ أفريقى، التهوين المقصود للانتماء المصرى لأفريقيا. أى هدف يخدمه هذا التهوين؟ هو لا يخدم أى هدف على الإطلاق، بل هو يقوض الوضع الدولى لمصر، وحتى ظروف الحياة والتنمية فيها.

 

للدول مثل البشر هويات وانتماءات عديدة لا يعد أى منها انتقاصا من الانتماءات والهويات الأخرى. الرجل ابن، وأب، وأخ، وهو عامل أو طبيب، وقاهرى أو صعيدى، والمرأة بنت، وأم، وأخت، ومدرسة أو ربة بيت، وسكندرية أو سويسية، فهل يقدم الرجل أو المرأة أيا من هذه الهويات على الأخرى عند تقديم نفسه أو نفسها؟ الإنسان يختار الهوية التى يقدم بها نفسه حسب الإطار الذى يتحدث فيه أوالجماعة التى يخاطبها، ولكنه لا يرتب قط هوياته مسبقا.

 

●●●

 

نهر النيل شريان الحياة لمصر، ولا يوجد نهر فى أى مكان فى الدنيا تفخر به جماعة بشرية وتحبه مثلما يحب المصريون نهر النيل. هذا الفخر وهذا الحب يرجع إلى أن المصريين يعرفون ارتباط حياتهم بمياه النيل. الحفاظ على مياه النيل يستدعى وجودا دائما لمصر فى أفريقيا، وتحركا نشطا فيها، وتأكيدا لدورها كواحدة من الدول الثلاث الكبيرة فى القارة، إلى جانب جنوب أفريقيا ونيجيريا. ليس «التمسك» بالعلاقات مع دول حوض النيل وتنميتها كافيا. لابد أن تندرج هذه العلاقات فى وعاء متين أوسع هو الوعاء الأفريقى. ثُم إنه كيف يمكن إهدار رأس المال المادى والمعنوى الذى استثمرته مصر فى أفريقيا؟ إن الأفارقة كلهم يفخرون بمصر باعتبارها دولة كبيرة متقدمة تقدما نسبيا فى قارتهم، فكيف نخذلهم، وليس الخاسرون من هذا الخذلان إلا نحن؟ لا يريد كاتب المقال الإيحاء بأى تمييز بين أبناء القارة على أساس الدين، ولكن فى الوقت الذى يراد فيه الإعلاء من شأن الدين فى السياسة المصرية، أليس معروفا أن غالبية السكان فى معظم بلدان غرب أفريقيا، بل الأغلبية الساحقة فى أكثرها، من المسلمين؟ والشىء ذاته ينطبق على بعض بلدان شرقى القارة، ووسطها، بل إن فى جنوبها نفسه عددا يعتد به من المسلمين. هل غاب عنا أن درب الأربعين كان يربط بين مصر، جنوبى أسيوط، وبلدان الصحراء الكبرى، لغاية المحيط الأطلسى، حتى القرن التاسع عشر؟ أو لم تقف القارة الأفريقية كلها، على قلب رجل واحد، تأييدا لمصر وهى تستعد لتحرير أرضها فى سنة 1973؟ كيف يمكن أن نتوقع منها مثل هذا الموقف مجددا، إن احتجنا إليه، إذا كنا نهون من انتمائنا إليها؟

 

وإلى جانب كل ما تقدم، أليست هيكلة العلاقات الدولية كلها على أساس إقليمى قارى؟ فى كل المنظمات الدولية الانتخاب لعضوية المجالس، واللجان، وللمناصب الرفيعة يجرى على أساس إقليمى، ومصر عضو فى المجموعة الأفريقية فى هذه المنظمات. كل الاتجاهات السياسية المصرية تريد لمصر أن تكتسب مقعدا دائما فى مجلس الأمن فى اليوم الذى تنجح فيه أخيرا عملية إصلاح منظمة الأمم المتحدة. كيف يمكن أن نتوقع نجاح مصر فى تحقيق مقصدها، وأن تنتخبها الدول الإفريقية لمقعد دائم تتنافس عليه دول عديدة فى القارة، إن كنا نهون من انتمائنا إليها؟

 

يا من تعدون الدستور، أعيدوا النظر فى هذه المادة، وضعوا على قدم المساواة الانتماءات العربية، والإسلامية، والأفريقية لمصر.

إبراهيم عوض أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة
التعليقات