لاعب الشطرنج - داليا شمس - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 4:32 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لاعب الشطرنج

نشر فى : الأحد 28 يوليه 2013 - 9:25 ص | آخر تحديث : الأحد 28 يوليه 2013 - 9:25 ص

غياب الفنان التشكيلى السورى، يوسف عبدلكى، بعد اعتقاله الأسبوع الماضى واثنين من رفاقه، هما عدنان الدبس وتوفيق عمران، على أحد الحواجز خارج مدينة طرطوس الساحلية، جعل أصدقاءه فى كل مكان يداومون على ممارسة لعبته التى أتقنها ببراعة فى الكثير من أعماله، وهى استحضار ما هو غائب. دأب عبدلكى فى لوحاته على رسم حذاء امرأة غائبة فيتوهم الزائر اكتمال حضورها الجسدى... قدح يقف وحيدا، يحتضن فراغه الحميم، فيستدعى الندامى الغائبين، رأس سمكة محدقة بعيون تصارع الموت، باحة البيت الدمشقى المغمورة بشمس الصيف الذى كان يحلم به فى منفاه، وهكذا دواليك.

•••

حارب عبدلكى لسنوات طويلة أشكال القمع والاستبداد عبر الحفر والكاريكاتير والرسم والكتابة، وقد عاش لعقدين فى منفاه الباريسى يحاول اختزال المعانى والبعاد، حتى عاد لوطنه منذ العام 2005، ومع اندلاع الثورة قرر ومجموعة من الأصدقاء البقاء فى سوريا تحت زخات الرصاص رغم أن معظمهم لديهم بيوت وأسر وأشغال فى بقاع أخرى حول العالم. رفضوا تسليح المعارضة بدعم خارجى وشاركوا فى تنسيقيات الداخل وأساليب الاحتجاج السلمى. ولكن تم اقتياده ورفيقيه، المنتميين أيضا لحزب العمل الشيوعى المعارض، إلى حيث لا نعلم، وأخذ كل من يهمهم الأمر يوقعون على بيانات ويكتبون ويذكرون الباقين عبر الشبكات الاجتماعية بحضور الغائب، كما كان يفعل هو مع أصدقائه الذين ظلوا لفترات محتجزين فى السجون السورية كالشاعر فرج بيراقدار الذى كتب فيما بعد مذكراته بعنوان «خيانات اللغة والصمت، تغريبتى فى السجون السورية»، واستهلها بعبارة: «أيها الأصدقاء... وردا وأجنحة وبعد». كلاهما عاش حالة مختلفة من الغربة فى الداخل والخارج، لكن المدهش فى هذه المجموعة من الأصدقاء المثقفين بحق، هو ارتباطهم العابر للحدود والزنازين، ومن بينهم على سبيل المثال لا الحصر التشكيليين منير الشعرانى وعاصم الباشا والقاص ابراهيم صموئيل.

•••

نتخيل عبدلكى وهو يتجول فى شوارع الشام بعد غياب فى محاولة لفهم ماذا حصل للبلاد؟! فلسفة حياة متداخلة مع فلسفة موت، نجدها لديه كما فى قصص أحد كتابه المفضلين وهو زكريا تامر، الذى اضطر هو الآخر لمغادرة سوريا فى مطلع الثمانينيات، ولكن إلى أكسفورد بدلا من باريس، وعاد تقريبا فى الفترة نفسها التى رجع فيها يوسف. الاثنان يتحدثان عن أبطال مهزومين يبحثون عن نسمة هواء، عن بشر مذعورين تحت وطأة استبداد تاريخى يمتد قرونا إلى الوراء... فى أعمالهما كل جماد ممكن أن يتحول إلى حى ناطق... الأشجار تكلم النهر، المذبوح يحاسب الجلاد. شىء ما يجعلهما متشابهين، فنقابل معهما شخصيات واقعية تمضى فى حقول غير واقعية... عالم يشبه قصص الأطفال التى يرسمها يوسف عبدلكى المولع بلعب الشطرنج، فلا يضيع فرصة لمبارزة لاعب صديق، ولا يمر أمام واجهة تعرض قطعا للشطرنج إلا ويتوقف عندها ليتأمل أشكال البيادق والرقع المتنوعة... تلك الرقعة التى قد نلمحها أحيانا فى لوحاته تحت كوبين صغيرين للشاى أو إبريق، طقس من طقوس الرسام التى يشاركنا إياها بأناقة الأبيض و الأسود المعهودة لديه، مرة أخرى نشهد حضور الغياب، وتبعث الروح فى الأشياء، فتصبح «أشياء» يوسف عبدلكى، كما كان هناك فى مرحلة أخرى من حياة الفنان «أشخاص» يوسف عبدلكى التى حملت تمردا على كل من حصلوا على الجاه والسلطة والمال بطرق غير مشروعة فقام الفنان بتشويههم فى رسوماته، هؤلاء الذين حرموه من جواز سفره، لكنه ظل متفائلا، فهو كما وصفه صديقه الشاعر نزيه أبوعفش: «روح غير قابلة للهدم (...) إنسان يأمل

التعليقات