تنابلة الخرفان - حسام السكرى - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 9:10 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تنابلة الخرفان

نشر فى : السبت 28 يوليه 2018 - 9:10 م | آخر تحديث : السبت 28 يوليه 2018 - 9:10 م

دق جرس إنذار الحرائق. كنا في مقر بي بي سي العربية ضمن مجمع أخبار المؤسسة بالقرب من شارع أوكسفورد الشهير في قلب العاصمة البريطانية. بمجرد سماع صوت الجرس أسرع أحد الزملاء إلى درج مكتبه وأخرج جاكت أصفر فوسفوري خفيف كتب عليه بحروف واضحة "مرشد الحرائق". بدأ في ارتدائه فيما ترك الآخرون أعمالهم تأهبا للمغادرة.

طلب المرشد من زملائه أن يتبعوه إلى خارج المبنى. أخذنا الدرج وهبطنا من الطوابق الأربعة لأن استخدام المصعد في حال حدوث حريق يشكل خطورة. بعد دقائق كنا خارج المبنى فيما عرف بنقطة التجمع. تبادلنا الأحاديث ودخن بعضنا السجائر وبعد نحو ربع ساعة عاد الجميع إلى المكتب لاستئناف العمل.

لم يكن هذا حريقا وإنما كان واحدا من سلسلة من تدريبات على وقوع الحرائق تجري على مدار العام، يتم فيها اختبار صفارات الإنذار، ومدى معرفة العاملين بكيفية التصرف في حال حدوث حريق. هي أيضا فرصة لاختبار أداء مرشدي الإطفاء وهم متطوعون من بين الزملاء الصحفيين يحصلون على تدريب إضافي ليمارسوا دورهم في مساعدة باقي طاقم العمل عند الضرورة.

لا يحدث هذا في مباني بي بي سي وحدها ولكن في كل المباني والمصالح البريطانية حكومية وغير حكومية.

كرئيس للقسم العربي وقتها كان واجبي أن أقدم قائمة بعدد محدود من الأسماء يستثنون من هذا الإجراء التجريبي كقوة عمل مهمتها الحفاظ على استمرار البث التليفزيوني والإذاعي والإنترنتي أثناء التدريب. ليس هذا فحسب، كان واجبي أيضا أن أتأكد من أن كل موظف في المؤسسة أتم ورشة تدريب تجري في كل عام حول سبل مواجهة الوقاية من الحرائق وكيفية إطفاء أنواعها المختلفة. لا يكفي أن يقول أحدهم إنه حضر ورشة العمل ذاتها في العام الماضي أو في كل عام من الخمسة عشر عاما السابقة. لابد من حضور الورشة مرة في كل عام ولا توجد استثناءات. كما أنه ليس من المقبول أن يقول رئيس قسم من الأقسام إن ظروف العمل لن تيسر له تفريغ بعض من أفراد قسمه لحضور تدريب الإطفاء أو ورشته. هذا مستحيل.

متى بدأ يحدث هذا في بريطانيا؟ لا أدرى ولكنها على الأرجح خبرة تراكمية وحصيلة عملية "حساب مخاطر" أو Risk Assessment كان من نتيجتها الاتفاق على هذه الإجراءات لتقليل الخسائر في حال حدوث أي حريق.

القدرة على التفكير والتحليل وتقدير المخاطر من المزايا الخاصة بالإنسان دونا عن باقي الكائنات. يمكنك أن تذبح ملايين الخرفان في كل عام في ميعاد محدد دون أن يفكر أحدها في عقد اجتماع لقياس مخاطر الانصياع وراء إغراء أكل البرسيم في حظائر الجزارين في هذا الموسم السنوي، ومناقشة في الإجراءات التي ينبغي اتباعها لتقليل مخاطر عيد الأضحى على شعب الخرفان.

من المرجح أن الناس ربما تقضي وقتا في هذه المرحلة الخرفانية قبل أن تدرك أن هذا النمط من الانصياع لا يليق ببنى الإنسان الذين يفترض فيهم إدراك أهمية الحفاظ على النوع والاهتمام بحماية البشر من كل ما يهدد حياتهم.

القصة المدهشة لإنقاذ أطفال تايلاند نكأت جراحا كثيرة في دولة واجهت من كوارث الإهمال أكثر مما تواجه من كوارث الطبيعة. وفي كل ما تم تداوله من كتابات تذكر بالكيفية التي تعاملنا بها مع الشباب الذين ماتوا تأثرا بالبرد والصقيع في سيناء، أو مع فقراء المصريين الذين احترقوا في القطارات، أو الذين غرقوا في السفن والعبارات وجدت نفسي أتساءل ماذا حدث بعد كل هذه الكوارث؟ هل فكر مسؤول ما في تشكيل لجنة لا لبحث ما حدث ولكن لمعرفة كيف نمنع تكرار حدوثه مرة أخرى؟ هل فكر أحدهم في احتياطات الأمن وإجراءات السلامة التي ينبغي فرضها والتأكد بشكل دوري من إلمام المعنيين بها وقيامهم بفحص الدورى على الألات أو الأدوات أو الأجهزة أو أنابيب الإطفاء للتأكد من صلاحيتها للاستخدام؟
ماذا حدث بعد كارثة احتراق مسرح بني سويف في عام 2005 والتي راح ضحيتها خمسون مبدعا من خيرة فناني ومثقفي مصر؟ هل تم بعدها إقرار إجراءات وقاية في المسارح ودور العرض تراجع ويتم التذكير بها بشكل دوري؟

بعبارة أخرى هل آن الأوان للتوقف عن العويل بعد كل كارثة تحدث لنا أو لغيرنا ليبدأ تنابلة المسؤلين في إقرار وفرض إجراءات أمن وسلامة في كل الأماكن التي يعمل فيها ويتردد عليها مصريون. في المباني والفنادق والمدارس والقطارات والسفن والعبارات؟

منذ أسابيع راودتني الفكرة وأنا واقف أمام مجمع التحرير. بناية هائلة يتردد عليها ويعمل فيها آلاف البشر. ماذا يحدث لو لا قدر الله نشب حريق في أحد طوابقه؟.

هي يوجد في المبنى "مرشدو إطفاء"؟ هل يعرف أحد مخارج الحريق؟ هل توجد مخارج حريق أصلا؟ من المسؤول عن إخلاء المبنى؟ وكيف يحدث هذا دون أن يترتب على عملية الإخلاء ذاتها أية مخاطر؟ هل أنابيب الإطفاء تعمل؟ هل توجد أنابيب إطفاء أصلا؟

لم أملك إلا أن أقول: ربنا يستر. إلا أنني على يقين من أن هناك من يملك أن يفعل أكثر من تمنى السلامة والدعاء بأن يقينا الله شر المهالك. هناك من يملك أن يضع خطة قومية لتقليل مخاطر الحرائق في الأماكن والبنايات العامة. لا يحتاج الأمر لكثير من الإبداع لإن شعوبا كثيرة سبقتنا ووضعت خططا يمكن الاستفادة منها.

التعليقات