هيستريا فى الكونجرس أثناء رابع خطاب لنتنياهو - معتمر أمين - بوابة الشروق
الجمعة 6 ديسمبر 2024 3:26 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هيستريا فى الكونجرس أثناء رابع خطاب لنتنياهو

نشر فى : الأحد 28 يوليه 2024 - 5:55 م | آخر تحديث : الأحد 28 يوليه 2024 - 5:55 م

صفق الكونجرس لنتنياهو 80 مرة لمدة 22 دقيقة فى وسط خطاب امتد إلى 55 دقيقة لتتجلى الهيستريا فى أبهى صورها. فبينما كانت هذه الهيستريا دائرة، امتنع عن حضور هذه الجلسة المشتركة لمجلسى النواب والشيوخ 80 نائبة ونائبا ديمقراطيا، على رأسهم كامالا هاريس المرشحة المحتملة للحزب الديمقراطى فى انتخابات الرئاسة، ونانسى بلوسى الرئيس السابق لمجلس النواب. كما توعد رئيس مجلس النواب الحالى، مايك جونسون، أى عضو يقاطع الخطاب أو يرفع شعارات مناهضة لإسرائيل، بالطرد والتحويل للتحقيق، ولكن ذلك لم يوقف النائبة رشيدة طليب من رفع لافتة كتبت عليها «مجرم حرب» أشهرتها فى وجه نتنياهو أثناء خطابه أمام الكونجرس.

أما خارج أسوار الكونجرس، انطلقت مظاهرات عديدة وحاشدة ضد الزيارة والخطاب، مطالبة بمحاكمة نتنياهو كمجرم حرب، لا استقباله فى الكونجرس. ورد نتنياهو على المظاهرات فى خطابه قائلا: «على حد علمنا، فإن إيران تمول الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل التى تجرى الآن خارج هذا المبنى»، مضيفا: «هم ليسوا كثيرين، لكنهم موجودون فى جميع أنحاء المدينة». وبالرغم من الحضور المكثف ليهود الولايات المتحدة فى المظاهرات، فإن نتنياهو وصف المتظاهرين والمتظاهرات بأنهم «معادون لإسرائيل وأغبياء عليهم أن يخجلوا من أنفسهم». ثم سرد فى خطابه عشرات الأكاذيب فى محاولة لنفى تهم الإبادة الجماعية، وإلصاقها بالمقاومة الفلسطينية. ولكن تزوير الواقع الحالى يستعصى على إمكانيات نتنياهو حتى لو كان يعرف جيدا كيف يسوق الولايات المتحدة حيثما يريد.

•  •  •

الواقع أن خطاب نتنياهو فى الكونجرس يؤكد أن الحرب ضد الشعب الفلسطينى مستمرة، وإنه لن يخفض التصعيد، ولن يصل لصفقة تبادل للأسرى، وأن الإبادة مستمرة بمباركة الولايات المتحدة، على الأقل مادام جو بايدن ونائبته كامالا هاريس مستمرين فى الحكم. أما فى حالة وجود ترامب فى البيت الأبيض، فإن الحرب لن تقتصر على فلسطين وإنما غالبا ستتحول لحرب ضد إيران، وهذا هو أهم ما فى خطاب نتنياهو. فهو يحمل إيران المسئولية على كل ما حاق بإسرائيل من هجمات من مختلف الجبهات، اللبنانية، واليمنية، والعراقية، والسورية. ومع عودة ترامب للبيت الأبيض، يمكن توجيهه إلى ضرب إيران كما فعل من قبل واستهدف قاسم سليمانى، قائد فيلق القدس فى الحرس الثورى الإيرانى، بالرغم من امتناع نتنياهو عن المشاركة فى العملية. وبهذا يراهن نتنياهو على كسب الوقت لحين وصول ترامب للحكم، حتى تتهيأ الظروف وتساعده على تغير مسار الحرب التى جعلت جيش الاحتلال الإسرائيلى عالق فى غزة بدون تحقيق أى نصر. ولكن تتمثل مخاطر هذا الرهان فى عدم وصول ترامب للبيت الأبيض، سواء بالفشل فى الانتخابات، أو بتكرار محاولة الاغتيال ضده مرة أخرى، لاسيما فى ظل حملة الانتخابات الممتدة لشهر نوفمبر القادم، فقد تصدق توقعات ليلى عبد اللطيف بأن امرأة ستفوز بانتخابات الرئاسة الأمريكية.

•  •  •

على الجانب الداخلى فى إسرائيل، فبالإضافة للمظاهرات التى اندلعت ضد ما جاء فى الخطاب، فإن الانتقادات اللاذعة تنال من نتنياهو وزوجته سارة حتى من قبل وصولهما إلى الولايات المتحدة. حيث انتقد العديد من الساسة الصور التى صدرت من طائرة الرئاسة الإسرائيلية «جناح صهيون» فى أول رحلاتها. حيث انتقدوا صورة نتنياهو وهو جالس خلف مكتبه بالطائرة وأمامه قبعة مكتوب عليها «النصر الكامل»، فيما اعتبروا ذلك تراجعا عن صفقة الأسرى. كما انتقدوا ظهور زوجته سارة «بالبيجاما» وهى تتصل بعائلة إحدى المختطفات، لاسيما أنها اخطأت فى أسماء اثنتين منهن. كما هاجم زعيم المعارضة يائير لابيد الخطاب نفسه قائلا: «من العار أن يتحدث نتنياهو ساعة كاملة دون أن يقول إنه ستكون هناك صفقة للرهائن». وبالرغم من عدم قدرة المعارضة على إسقاط حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة، والتى تسببت فى إظهار صورة إسرائيل الحقيقية أمام الرأى العام العالمى، وأمام المنظمات الدولية وعلى رأسها محكمة العدل الدولية، فإن الوقت المتاح حتى نوفمبر القادم كفيل بتغير الوضع الداخلي. وهناك شواهد على ذلك، منها أن الحكومة الإسرائيلية تفقد وزراء مهمين كل فترة، مثل استقالة بينى جانتس وغادى آيزنكوت من حكومة الطوارئ فى يونيو الماضى. فمن يضمن أن ذلك لن يتكرر، لاسيما بعد دخول قانون تجنيد الحريديم إلى حيز التنفيذ بالرغم من تهديد الحاخامات الرافضين للقانون.

•  •  •

يعتبر خطاب نتنياهو تأكيدا لإيران بأن الأشهر القادمة تعتبر أشهر حاسمة فى المواجهة المفترضة بين الطرفين. فلو تحققت أحلام نتنياهو واستمر فى السلطة بعد وصول ترامب للحكم فسترتفع فرصة الحرب. والسبيل المتاح الآن أمام إيران لتقويض هذه الفرصة هو التصعيد المستمر عن طريق وكلائها بالمنطقة حتى يأتى ترامب فيجد شرقا أوسطا ملتهبا وعلى وشك الانفجار، فيلجأ للتفاوض من أجل السيطرة على الوضع بالمنطقة. ولو تراجعت إيران عن هذه السياسة، فإن أمنية نتنياهو قد تتحقق، ومن السهل إقناع ترامب بأن إيران تراجعت بمجرد استشعارها بهزيمة الحزب الديمقراطى ووصول ترامب للحكم، مما يشجعه على المضى قدما على مسار رؤية نتنياهو.

لذلك أهم ما فى المشهد فى الفترة المتبقية حتى الانتخابات الأمريكية هو موقف حزب الله فى لبنان، وموقف أنصار الله فى اليمن. فهل يعاود الحوثيون الكرّة ويقصفون إسرائيل، ولكن هذه المرة يستهدفون حقول الغاز الطبيعى فى شرق المتوسط؟ أم تنجح الوساطة العمانية بالنيابة عن مصر لتهدئة الحوثيين وعدم تحويل المواجهة إلى حرب إقليمية؟ أخذا بالاعتبار بأن استهدف حقول الطاقة فى شرق المتوسط له ضرر مباشر على أسعار وإمدادات الطاقة. وفى نفس السياق، هل ينجح «هدهد» حزب الله فى ردع إسرائيل، بعدما تسلل للمرة الثالثة إلى داخل إسرائيل، وصور مواقع عسكرية حساسة، يوم 23 يوليو الحالى ونشر كل شيء عن قاعدة «رامات دافيد» الجوية الإسرائيلية التى تبعد نحو 50 كيلومترًا عن الحدود اللبنانية، بما فى ذلك بيانات قادة القاعدة.

•  •  •

فى ظل هذا المشهد المحتدم فاجأت الصين العالم بنجاح مبادرتها للم الشمل الفلسطينى، حيث أصدرت «إعلان بكين» يوم 23 يوليو الحالى، لإنهاء الانقسام وتعزيز الوحدة الفلسطينية، بموافقة كل من فتح وحماس، و12 فصيلا فلسيطنيا أهمهم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وجبهة النضال الفلسطينى، وجبهة النضال الشعبى، والمبادرة الوطنية الفلسطينية، وحزب الشعب الفلسطينى. ولم تنفرد الصين بالمحادثات، ولكن حضرها مندوبون عن مصر، والجزائر، والسعودية، وقطر، والأردن، وسوريا، ولبنان، بالإضافة لكل من روسيا وتركيا.

هذه هى المرة الثانية التى تنجح فيه الصين فى عمل اتفاق سياسى من هذا النوع، بعد نجاحها فى عقد اتفاق بين السعودية وإيران. وبالرغم من تقليل البعض من الاتفاق، وإيمان البعض بأن الانقسام الفلسطينى غير قابل للإصلاح، فإن الشواهد تؤكد على أن اتفاق السعودية إيران صمد بالرغم من توقع العديد من الباحثين بأنه غير قابل للاستمرار. وفى كل مرة تتدل الصين سياسيا فى المشهد تصنع واقعا رشيدا يختلف عن الرؤية المحتدمة التى تسود المنطقة والتى يصفق لها الكونجرس بهيستريا.

 

معتمر أمين باحث في مجال السياسة والعلاقات الدولية
التعليقات